هل أفسد نتنياهو أو أوباما حل الدولتين؟

نشر في 06-12-2012
آخر تحديث 06-12-2012 | 00:01
يؤكد قرار واشنطن الاعتراض على دولة فلسطين أن أميركا لم تعد تستطيع التأثير على إقرار حل محتمل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني أو إنشاء بنية سياسة جديدة في المنطقة كلها أو توجيه الرأي العام العربي.
 فوراين بوليسي بعد أن قرر الرئيس الأميركي الاعتراض على قرار الجمعية العامة منح فلسطين صفة دولة مراقبة غير عضو، يثبت باراك أوباما مجدداً أنه لم يغير الموقف الذي أعلنه قبل الانتخابات حين شدد على عدم وجود أي خلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة وحين اعتبر أن الدعم الأميركي لإسرائيل سيبقى صلباً مهما انتهك السلوك الإسرائيلي المعايير الدولية والاتفاقيات القائمة. عادت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وأكدت متابعة هذه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط حين شددت على استمرار دعم هذه الإدارة لإسرائيل رغم إدانتها القرار الإسرائيلي باستئناف عمليات البناء في الضفة الغربية بما ينسف حل الدولتين.

يؤكد هذا القرار أن الولايات المتحدة لم تعد تستطيع التأثير على إقرار حل محتمل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني أو إنشاء بنية سياسة جديدة في المنطقة كلها أو توجيه الرأي العام العربي. كذلك، لم تعد الأنظمة الاستبدادية تعتمد على الولايات المتحدة لضمان صمودها.

سيعتبر العالم أن الجهود التي وعد بها الرئيس أوباما لإحياء محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين كانت مجرد كلام فارغ. كي تكون تلك الوعود جدية، يجب أن تبدأ أي مبادرة سلام أميركية جديدة بالإصرار على أن تقبل الحكومة الإسرائيلية بحدود ما قبل عام 1967 كنقطة انطلاق لاستئناف المفاوضات. من دون هذا الطلب الأميركي، إلى جانب ممارسة ضغوط دبلوماسية فاعلة، لن تتمكن الولايات المتحدة من مطالبة الفلسطينيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات من دون شروط واضحة، وبالتالي لا مجال لتحقيق أي نتيجة عدا التستر على سلوك إسرائيل الاستعماري والوحشي في الضفة الغربية.

لا يحق للإدارة الأميركية أن تلوم الفلسطينيين وأن تدعوهم إلى التحلي بالشجاعة السياسية للعودة إلى طاولة المفاوضات مع حكومة تهدف بكل وضوح إلى منع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. رضخت هذه الإدارة الأميركية، منذ السنة الثالثة لولايتها الأولى، لمطالب جماعات الضغط الإسرائيلية فلم تعد تصر على ضرورة إنهاء المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية ثم تراجعت عن طلبها باستئناف المفاوضات وفق شروط منطقية. بالتالي، يجب أن تمارس هذه الإدارة ضبط النفس اليوم قبل إلقاء العظات على مسامع الآخرين ودعوتهم إلى التحلي بالشجاعة السياسية.

لم يكن قرار نتنياهو باستئناف عمليات بناء جديدة في منطقة القدس وأماكن أخرى من الأراضي المحتلة هو الذي قضى على حل الدولتين. لطالما كانت نيّته واضحة. ما أفسد حل الدولتين فعلاً كان قرار أوباما استعمال حق النقض ضد الدولة الفلسطينية إرضاءً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهذا ما فعله تحديداً حين أصر مع ممثليه في الأمم المتحدة على أن الطريق الوحيد لإنشاء الدولة الفلسطينية هو إجراء محادثات مفتوحة مع الحكومة التي يرأسها نتنياهو وليبرمان.

على المستوى الرسمي والسياسي، يبدو الموقف الأميركي خاطئاً بكل وضوح. من الناحية الرسمية، يُعتبر حق تقرير المصير من جانب غالبية شعبية في الأراضي المستعمَرة سابقاً "معياراً إلزامياً" في القانون الدولي. وتنص شرعة الأمم المتحدة بكل وضوح على أن تطبيق ذلك الحق هو أحد الأهداف الرئيسية لتأسيس الأمم المتحدة، وقد أكدت المحاكم الدولية على أن هذا الحق يتفوق على جميع المعاهدات أو الاتفاقيات المتضاربة. لقد فشل مجلس الأمن في تحمّل مسؤوليته لضمان حق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم بسبب إقدام هذه الإدارة الأميركية على استعمال حق النقض.

من الناحية العملية، صحيح أن الحكومة الإسرائيلية ستتابع إعاقة قيام الدولة الفلسطينية نظراً إلى القوة العسكرية الهائلة التي تملكها والدعم غير المشروط الذي تتلقاه من الولايات المتحدة كي تستعمل تلك القوة. لكنّ هذا الوضع يجب أن يدعو إسرائيل إلى عدم الاعتراض على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. بل إنه سبب لمطالبة الأمم المتحدة بأداء الدور الذي تضطلع به وفق شرعتها. لن يبقى الالتزام الإسرائيلي مع الفلسطينيين مجرد خدعة تاريخية حين تقتنع الحكومة الإسرائيلية بأن سياسة العرقلة قد تدفع الولايات المتحدة إلى دعم تدخل مجلس الأمن.

يصر الخبراء الأميركيون والمتخصصون بشؤون الشرق الأوسط (خصوصا "صانعي السلام" السابقين الذين غادروا الحكومة لتولي مناصب في مختلف المنظمات البحثية) على أن الإخفاقات السابقة في عملية السلام تنجم عن "غياب الثقة" بين الطرفين. هذا التفسير هو طريقة مناسبة لتجنب الاعتراف بالحقائق الصعبة. لو كان غياب الثقة هو سبب الإخفاقات السابقة فعلاً، فلماذا لم تنجح المفاوضات اللامتناهية على مر السنين بتعميق تلك الثقة بدل أن تنسف منسوب الثقة المحدود الذي كان موجوداً في البداية؟ لقد خسرت السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس مصداقيتهما أمام الشعب الفلسطيني لأنهما بالغا في الوثوق بنتنياهو وحكومته. حتى أنهما صدّقا الخدعة التي نجحت إسرائيل في تسويقها حين ادعت أنها تشرف على عملية انتقالية تمهّد لتطبيق حل الدولتين.

يعرف الشعب الفلسطيني منذ البداية حجم الخداع الذي تضمّنه خطاب نتنياهو في بار إيلان في 14 يونيو 2009، حين ادعى أنه يقبل بحل الدولتين. كان هذا الاحتمال مستحيلاً نظراً إلى الوقائع التي فرضها نتنياهو وحكومته ميدانياً، وقد كان أعضاء حكومته مؤسسي وقادة تجمّع "أرض إسرائيل الكاملة" في الكنيست، وقد نشأ هذا التجمّع رسمياً لسبب واحد: منع نشوء دولة فلسطينية في أي منطقة من فلسطين. لم يؤدِّ ذلك التجمّع في أي مرحلة من المراحل إلى صدور احتجاج من الولايات المتحدة أو اللجنة الرباعية. لنتصور ردود فعل تلك الجهات (أو ردة فعل الكونغرس الأميركي تحديداً) لو أنشأ أعضاء حكومة الرئيس عباس تجمّعاً يحمل اسم "أرض فلسطين الكاملة" داخل السلطة الفلسطينية.

تتوقف مصداقية أي مبادرة أميركية جديدة تسعى إلى تطبيق حل الدولتين على استعداد الرئيس أوباما للاعتراف بالوقائع غير الشرعية ميدانياً، أي تلك الوقائع التي أنشأتها إسرائيل بشكل أحادي الجانب في الضفة الغربية والتي تشكّل عائقاً أساسياً أمام حل الدولتين. يصعب التوصل إلى هذا الحل اليوم حتى في أفضل الظروف، لكن يصبح الأمر مستحيلاً حين تعتبر قوة الاحتلال أن تجنّب ذلك الحل هو هدفها الاستراتيجي الأول.

أفضل ما يمكن فعله لتغيير السياسة الأميركية في الشرق الأوسط هو إصدار إعلان أميركي واضح يدعم بيان "استنتاجات الرئاسة في المجلس الأوروبي" في 25 و26 مارس 2004، حين أجمع القادة الأوروبيون على أن "الاتحاد الأوروبي لن يعترف بأي تغييرات تطاول حدود ما قبل عام 1967 عدا تلك التي تم التوصل إليها بالتوافق بين الفريقين". تكمن المفارقة في واقع أن هذا الموقف حظي بدعم الرئيس جورج بوش الابن نفسه.

لكن للأسف، لا شيء يشير إلى أن إدارة أوباما ستقوم بالمثل إلا إذا وقعت أحداث إقليمية مأساوية قد تهدد المصالح الأميركية الحيوية وتحرم الرئيس من جميع الخيارات الأخرى. لكن حتى حدوث ذلك، يبدو أن الأضرار الحاصلة حتى الآن غير قابلة للإصلاح وهي لا تهدد المصالح الأميركية فحسب بل فرصة إسرائيل بالصمود كدولة يهودية وديمقراطية أيضاً.

* Henry Siegman

back to top