توازن الرعب الأميركي بين المعسكرين السني والشيعي في المنطقة

نشر في 01-09-2012
آخر تحديث 01-09-2012 | 00:01
No Image Caption
 أنس محمود الشيخ مظهر ينشغل الإعلام الإسرائيلي والغربي هذه الأيام بالحديث عن احتمالات ضربة إسرائيلية لإيران بالتزامن مع ضغوط دولية عليها للحد من خطر ملفها النووي على السلم والمجتمع الدوليين, وتتسابق الأقلام لوضع سيناريوهات هذه الضربة وكيفيتها، ومتى ستكون والمكان الذي ستنطلق منه، وكيف ستكون ردة الفعل الإيرانية، فهل هذه التهديدات حقيقية أم هي حرب إعلامية تصب في خانة الحرب النفسية التي يكون الإعلام عادة ساحة لها؟ التهديدات الإسرائيلية لإيران ليست وليدة اللحظة, فهي تطلق بين الحين والآخر منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران ولغاية يومنا هذا, وإن كانت أميركا وإسرائيل مضطرة سابقا للدخول في هكذا حرب من أجل تحجيم الخطر الإيراني إلا أنها حاليا ليست مضطرة للقيام بنفسها بهكذا حرب, وإن تهديداتها الآن تخلو من أي جدية مهما تعالت وتيرتها، فالمعروف أن كل ما يهم الدولتين هو تحجيم النشاط النووي الإيراني ليس إلا, أما ما يخص التفوق العسكري الإيراني على دول المنطقة فلا يحظى بتلك الأهمية عندها بل يمكن أنها تدفع باتجاهها في بعض الأحيان. جاءت الثورات العربية الحالية لتضيف بعداً آخر للوضع الإيراني الإقليمي, فعلى الرغم من أن هذه الثورات قد أتت بأنظمة إسلامية لا تستسيغ كثيراً فكرة التعامل مع أميركا وإسرائيل فإن مجيئها قد فتح الباب واسعاً لما يمكن أن نسميه التقاط الأنفاس عند إسرائيل وأميركا والتعامل مع التطورات الراهنة في المنطقة برؤية جديدة وهي إشغال القوتين الإسلاميتين (الشيعية المتمثلة بإيران والسنية المتمثلة بأنظمة الدول العربية الحالية) بصراع يمهد له بأن يكون طويلا لإضعاف كليهما ولتأخير التصادم الإسلامي "السني أو الشيعي" مع إسرائيل.  وعلى هذا الأساس فإن أي حديث عن توجه أميركي حقيقي  لتضعيف القوة العسكرية لإيران هو من قبيل الهراء؛ لأن الضغوط الأميركية والغربية عليها، لا تتعدى عرقلة مساعي نظام الملالي لامتلاك القوة النووية، ولكن في نفس الوقت فإن هذه الدول حريصة على الإبقاء على إيران كقوة إقليمية لإيجاد توازن للقوى بينها وبين الدول السنية في المنطقة. من المؤكد أن الحفاظ على توازن القوى هذا ليس سهلا حتى على أميركا والغرب إلا في حالة واحدة هي إثارة حرب استنزاف طويلة  الأمد بين الطرفين, لأن أي حرب حقيقية بينهما تعني رجحان كفة إحداهما، وبالتالي التفرغ بعد ذلك للصراع مع إسرائيل وهذا ما لا تريده لا أميركا ولا إسرائيل. وهذا ما يظهر في كيفية ونوعية التدخل الغربي في الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد, فحيثيات الثورة السورية وتطوراتها تعطي مؤشرات واضحة على أنه بالإمكان استغلال الحس الطائفي السني الذي بدأ يتبلور فيها بفعل تأييد إيران وحزب الله لنظام بشار الأسد, وهكذا فإن الأمور تتجه إلى أن تكون سورية هي بؤرة للاستنزافين الشيعي والسني, وأن إطالة عمر الثورة دون الوصول إلى نتائج حاسمة فيها تؤجج النزعة الطائفية فيها أكثر فأكثر, وهذا ما تحاول أميركا عمله مبررة تقصيرها هذا بالفيتوهات الروسية والصينية الرافضة لاتخاذ أي قرار حاسم بشأن سورية في مجلس الأمن، وما يزيد من ترشيح سورية لأن تكون بؤرة الصراع الشيعي السني هو موقعها الجغرافي بين عراق المالكي ولبنان حزب الله. هذا في موضوع الثورة السورية، أما في الموضوع العراقي الذي يعتبر الجبهة الأمامية لإيران فإن تعامل أميركا مع حكومة المالكي يظهر وبشكل واضح الاهتمام الأميركي بإبقاء الدور الإيراني قويا فيه, فعلى الرغم من موقف المالكي المطابق للموقف الإيراني حيال الثورة السورية والدور العراقي في مساعدة نظام الأسد (بمشاركة إيرانية)، وكذلك محاولات المالكي مساعدة إيران للإفلات من العقوبات الدولية إزاءها على حساب الاقتصاد العراقي (وكل هذه التهم أقرتها تقارير دولية), نقول رغم كل هذه المآخذ على حكومة المالكي فإن أميركا لا تزال تعتبر المالكي حليفا قوياً لها في الكثير من قضايا المنطقة، وعلى رأسها الملف السوري، ناهيك عن مضي أميركا قدما في تنفيذ صفقات الأسلحة بين الجانبين مع أن أطرافا عراقية وعربية كثيرة أبدت معارضتها لإتمام هذه الصفقات, وعلى الرغم من أن تسليح جيش المالكي في هكذا ظروف يعتبر وكأنه تسليح للجيش الإيراني, فإن إصرار أميركا على هذا النهج هو بمنزلة إعطاء المعسكر الشيعي بعداً عربياً في المنطقة يزيد من الاحتقان الموجود أصلاً. وهكذا فلو اعتمدنا الهرج والمرج الذي حصل في إسرائيل بعد تصريحات بعض مسؤوليها بقرب موعد توجيه ضربة لإيران، وما تلته من خروج تقارير تفيد بأن أي ضربة إسرائيلية لإيران قد تكلفها أكثر من 42 مليار دولار بغض النظر عن نتائجها, وبوجود جهات  خارجية غير إسرائيلية مستعدة لخوض هذه الحرب عن طيب خاطر لأنها حرب مقدسة لها, هذه الأمور تجعلنا متيقنين من أنه لا توجد ضربة إسرائيلية لإيران على المدى البعيد، وسيستعاض عنها بحرب سنية شيعية نركض إليها جميعا مخيرين لا مسيرين من غير أن تكون هناك أي مؤامرة أميركية أو إسرائيلية كما تعود بعض  المؤمنين بنظرية "المؤامرة" تصوير الأمور دائما, وكل ما في الأمر أن أميركا وإسرائيل فقط تستغلان نتائج خياراتنا كما تريدان لا أكثر ونحن ننفذ ما تريدان برضاء منا وبشكل كامل. * كردستان العراق – دهوك
back to top