بين الفنان والصحافي... هوة عميقة وثقة معدومة

نشر في 10-12-2012 | 00:01
آخر تحديث 10-12-2012 | 00:01
هل هُدم جسر الثقة الذي كان يربط في الماضي بين الفنان والصحافي؟ سؤال يطرح نفسه اليوم بعدما انقلبت قواعد اللعبة التي تتحكّم بهذه العلاقة في ظل ازدياد وسائل الإعلام والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية بشكل غير مسبوق، وما يترتب عليها من منافسة حامية بين الصحافيين ولهاثهم وراء السبق الصحافي. وزادت في الطين بلة الأحداث التي تعصف في دول عربية وسعي الصحافي إلى انتزاع مواقف سياسية من الفنان لإحداث ضجة وجذب الانتباه.
في الماضي كان لكل فنان صحافيوه، لا سيما أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وصباح وغيرهم. أما اليوم فبات الصحافي في ضفة والفنان في ضفة أخرى، بعد شعور الأخير بأن الصحافي يتربّص به ويقف له بالمرصاد، وتنامى هذا الشعور مع انتشار ظاهرة نشر بعض الصحافيين مقابلات وهمية منسوبة إلى الفنانين أو تحريف مواقف خاصة بهؤلاء ليكون الحوار أكثر سخونة وأكثر جذباً للناس، الأمر الذي يؤثر عليهم وعلى صورتهم أمام الجمهور.

يقتنع معظم الفنانين بأن ثمة صحافيين يكون هدفهم من إجراء مقابلة مع الفنان إظهاره بأنه غير ناضج وأنهم الأكثر ذكاء ونضجاً، لذا يرى الفنان نفسه عندما يجري لقاءات صحافية أنه في أيدٍ غير أمينة، لا سيما في الظروف التي يمر بها الوطن العربي، إذ يتمحور معظم الأحاديث الفنية حول الأحداث الساخنة في العالم العربي، ويصرّ الصحافي على انتزاع موقف سياسي من الفنان أكثر من التحدث عن أخباره الفنية.

في هذا الواقع يجد الفنان نفسه أمام خيارين: إما يرفض إعطاء مقابلة أو يطلع عليها قبل نشرها. على سبيل المثال لا الحصر، تطلب الممثلة السورية كنده علوش الاطلاع على أي مقابلة تجرى معها قبل نشرها، خصوصاً في ظل الاضطرابات التي تعصف ببلدها، خوفاً من أن يحوّر الصحافي كلامها أو تنسب إليها مواقف ترفضها مع أنها تعلن باستمرار أنها مع الثورة والثوار.

 بدورها ترفض وفاء عامر أن تنشر لها أي مقابلة قبل أن تطلع عليها، ذلك بعدما أطلقت في الآونة الأخيرة مواقف سياسة. وما يجهله كثر أن وفاء شاعرة ويكتسب شعرها طابعاً سياسياً وانتقادياً حاداً للغاية، لذا تفضل الاطلاع على الحوار قبل نشره خشية أن تكون قد أطلقت موقفاً حاداً أو مسيئاً لها.

يزداد الوضع سوءاً عندما يدخل الصحافي إلى منزل الفنان ويطلع على جوانب حياته الخاصة، ثم يكتشف الأخير بأن الصحافي لم يراع تلك الناحية الحساسة والحميمة، فعندنا يستقبل النجم الصحافي في منزله يعني ذلك الكثير بالنسبة إليه، في وقت يرى فيه الصحافي أمراً طبيعياً وقد يحصل باستمرار.

أكبر دليل على انعدام الثقة تلك، التردد الذي يبدو على الفنان عندما يعرض عليه إجراء أي مقابلة، هنا يجب التفريق بين الفنان الذي يبحث عن مزيد من الشهرة وتسليط الأضواء عليه والفنان الذي لا يحب الظهور سوى في توقيت معين، للتحدث عن أمور يريد هو بنفسه التحدث عنها.

في هذا السياق، يلاحظ أن شيريهان تخصّ قناة «العربية» مواقف تطلقها بين حين وآخر للتحدث عن الأوضاع السياسية الراهنة، وترفض إجراء أي مقابلة مقروءة أو مسموعة وتكتفي بالمقابلة المرئية، بذلك تنأى بنفسها عن التحوير أو التفسير غير الدقيق لمواقفها.

ربما يكون جمال سليمان أحد أكثر الفنانين ثقة بالصحافيين، إذ يدلي بأحاديث صحافية ويتحدث بمواضيع سياسية شائكة من دون أن يخشى من محاوره بل يتحدث بحرية وثقة، عكس محمد منير الذي نادراً ما يدلي بأحاديث صحافية، فهو ما زال متأثراً بالمدرسة القديمة حاله حال عمرو دياب، فلكل واحد منهما مجموعة من الأقلام يثق بها، ويرفض إعطاء أي مقابلة صحافية لغيرها.

الأمر نفسه بالنسبة إلى محمود عبد العزيز الذي يرفع شعار «أنا ممثل فقط ولا أحب إعطاء أحاديث صحافية»، وعادل إمام الذي وضع لنفسه معايير أولها أن يكون محاوره رئيس تحرير أو مدير تحرير مع أنه يفضل الإعلام المرئي أكثر من الإعلام المكتوب. وفي ظل الظروف الحالية التي تعصف بالوطن العربي اختار «الزعيم» سياسة الابتعاد عن الإدلاء بأي حديث صحافي، فهو في الأساس مقلّ في مقابلاته الإعلامية ويعتبر أنه كلما ابتعد عن الصحافة كلما كان ذلك أفضل بالنسبة إليه كنجم صاحب تاريخ وقيمة فنية.

يطلب بعض الفنانين من مديري أعمالهم تولي مهمة الاطلاع على المقابلة قبل نشرها خشية مواجهة موقف حرج مع الصحافي، فيما لا يستجيب صحافيون كثر لرغبة الفنان وينشرون الأحاديث فوراً بحجة أن ما قاله الفنان في المقابلة يعبر عما يشعر به بشفافية بعيداً عن الحسابات الضيقة.

في النهاية يبحث الصحافي عن السبق ولا يكون هدفه إجراء مقابلة لا طعم لها ولا لون، لذا يعتبر أن الموقف الذي يدلي به الفنان فوراً والخبر الذي يعلق عليه بسرعة ومن دون تفكير وإعادة حسابات هما مادة دسمة له. في المقابل، يرغب الفنان بالظهور بطريقة يراها مناسبة أي متوهج وشبه مثالي. من هنا، يبدو أن اختلاف الأهداف يجعل كل منهما يقف على ضفة، ما يؤدي إلى انعدام الثقة بين الطرفين.

 حق طبيعي

في مكان ما يملك الفنان كامل الحقّ بالحفاظ على صورته ومحاربة أي صحافي يحوّر مواقفه أو يختلق حوارات منسوبة إليه ولا يعلم عنها شيئاً، ومن حق الصحافي أن يقوم بعمله على أكمل وجه وينشر الحديث الذي يجريه مع الفنان من دون الرجوع إليه. فما دام الفنان قبل إجراء حديث مع هذا الصحافي أو ذاك فهذا معناه أنه أعطاه الحق في نشره بطريقة يراها مناسبة، لا سيما أن هدفه الأول والأخير تقديم الجديد والمثير للقارئ، في ظل ازدياد وسائل الإعلام يوماً بعد يوم وازدهار الإعلام الإلكتروني الذي أصبح من ألدّ أعداء الإعلام المكتوب، ما يدفع الصحافي إلى البحث عن مقابلات دسمة تجعل مطبوعته محل جذب للقارئ، لذا يتمسك بحقه الطبيعي في نشر المقابلة بشكل يراه مناسباً من دون تحوير الحقيقة وليحافظ على جسر الثقة بينه وبين الفنان.

back to top