عندما تتفوق الشعوب على حكوماتها... تكنولوجياً

نشر في 17-11-2012
آخر تحديث 17-11-2012 | 00:01
 خالد الجري تعتقد بعض حكومات دول المنطقة أن الثورات الأخيرة التي اجتاحت الوطن العربي سببها قوى خارجية أجنبية أو نزاعات ذات طابع ديني أو طائفي أو قبلي، بينما لا يزال بعضها الآخر، لا سيما في الدول التي سقطت أو التي تعاني الشد والجذب مع مواطنيها، تتملكه الحيرة متسائلاً عمَن وراء هذه الانقلابات والأزمات؟

ولعل السبب الرئيسي وراء هذه الفوضى العارمة التي أصابت المنطقة، حسب رأيي الشخصي، هو تخلف هذه الحكومات تكنولوجياً، لا ديمقراطية أنظمتها أو دكتاتوريتها، فالولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، من أكثر دول العالم دكتاتورية، ولكنها تتخفى تحت قناع ديمقراطية وهمية؛ وما تصرح به من شعارات ما هو إلا وسيلة لاستمالة عقول مواطنيها وبقية دول العالم، فأين هذه الديمقراطية من سجن غوانتانامو الذي لا يعلم أغلب المحتجزين فيه سبباً لسجنهم، والذين لم يحاكم كثير منهم حتى الآن، فضلاً عن فشل جميع البعثات الدبلوماسية السياسية في إخراج رعاياها من هذا السجن؟ وأين حقوق الإنسان والمنظمات الدولية من كل هذا؟!

إن الديمقراطية أو الدكتاتورية لا علاقة لهما باستقرار الدول، بدليل أن حكومات بعض دول الخليج العربي دكتاتورية، ومع ذلك نراها مستقرة سياسياً، وفي الوقت ذاته فإن بعضها الآخر ديمقراطي ولكنه متزعزع سياسياً، ومن هنا فلا مجال للحسم بشأن أيهما أفضل للاستقرار: الدكتاتورية أم الديمقراطية؟

لكن الملاحظ أن الحكومات التي تفوقت على شعوبها في الجانب التكنولوجي ونظم المعلومات هي المستقرة سياسياً، وهي التي تفرض احتراماً على شعوبها وتنال تقديرها، حتى إنها لتنتزع من داخل الشعوب احتراماً مبنياً على اليقين بتفوق الحكومة عليهم، لذا بات احترامها واجباً في هذه الحالة.

وبعكس ذلك يبدو الحال في الدول التي انقلبت شعوبها على حكوماتها، إذ نلاحظ أن هذه الشعوب تطورت وتثقفت وتفوقت مقارنة بحكوماتها التي تزعزعت فيها الثقة، فأصبح المواطن على قناعة بأنه متطور أكثر منها، وأنها باتت تمثل حجر عثرة في طريق تطور وطنه، مما دفع ملايين الناس إلى الخروج بثورات لإزاحة تلك الحكومات من أمام مستقبله.

في السابق كانت مقولة "الحكومة أبخص" تتداول بكثرة، دلالة على يقين المواطنين بمعرفة حكوماتهم بما هو أفضل لهم، أما الآن فقد انقرضت هذه المقولة تماماً.

وكم من دولة اعتلت قمة هرم الاستقرار والعيش الرغيد بسبب قدراتها التكنولوجية الفائقة، فأميركا تتفوق على شعبها تكنولوجياً بما يقارب جيلاً من الزمان، إذ إن الأجهزة والأنظمة التي تستخدمها لا تصل إلى الشعب إلا بعد أكثر من عشر سنوات من استخدامها، ثم توزع هذه التكنولوجيا القديمة على بقية دول العالم، لنعتبرها نحن أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا، مما جعل الولايات المتحدة دائماً في الطليعة، وهذا هو الذي يسبب الخوف لدى الشعب الأميركي ودول العالم تجاه هذه الحكومة، يقيناً منه بأنها متفوقة عليهم على الصعد كافة.

لذا أصبح من الضروري جداً للحكومات العربية أن تلتفت إلى التطوير في مجال التكنولوجيا، وبمجرد أن تبدأ في التطوير فإن بقية قطاعات الدولة والمجتمع ستتطور تباعاً، حيث يصبح من السهل معرفة مواقع الخلل في جميع تلك القطاعات من خلال إنشاء بنية تكنولوجية أساسية، لكي ترقى بمستوى الوطن والمواطن ويصبح الوطن العربي في مصاف الدول المتقدمة.

back to top