رياح التغيير في العالم العربي...هاجس يُقلق إسرائيل

نشر في 07-04-2012 | 00:01
آخر تحديث 07-04-2012 | 00:01
تأمل إسرائيل منذ عقود هبوب رياح التغيير في العالم العربي. لكن بعدما عمت الثورة المنطقة، لا يتملك القلق المواطنين الإسرائيليين فحسب، بل أعربت الحكومة الإسرائيلية أيضاً عن ميلها إلى الانعزال، بدل اختبار فرص جديدة. تحقيق من «شبيغل» بقلم جوليان فون ميتلشتادت.

ارتفع أخيراً سياج يفصل بين المقدم يواف تيلان والأراضي المصرية، سياج أدخل الطمأنينة إلى قلبه. يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار وتعلوه حراب حادة لامعة، فيما تحد (لأسباب وجيهة) ثلاثة صفوف من الأسلاك الشائكة، فضلاً عن خندق مضاد للدبابات. تعتبر إسرائيل أن تدابير الحذر هذه مبررة. فقد باتت مصر تعتبر إسرائيل عدواً محتملاً. قبل سبعة أشهر، عبر قتلة الحدود من مصر وهاجموا حافلات وسيارات، قاتلين ثمانية إسرائيليين.

يذكر تيلان أن الحدود باتت منطقة ساخنة، تُعتبر اليوم الأخطر في إسرائيل. فقد أصبحت المناورات عند الحدود، مثل إطلاق النار أو محاولة هدم السياج، حدثاً يومياً. كذلك، عثرت السلطات الإسرائيلية على متفجرات في مناسبات عدة.

حتى وقت ليس ببعيد، لم تكن وظيفة تيلان ذات شأن. فبخلاف عمليات تهريب المخدرات، كانت هذه المنطقة هادئة جداً، حتى إن الجيش الإسرائيلي خصصها لجنود الاحتياط. ففي بعض المناطق، لم تكن الحدود مضبوطة تماماً، ولم يفصل الأراضي الإسرائيلية عن الفلسطينية غير سلك شائك غطته الرمال غالباً. اعتاد البدو المدربون على اقتفاء الآثار في الصحراء تأمين هذه المناطق. صحيح أن عملهم ممل، إلا أنه أظهر أن عمليات عبور الحدود غير المشروعة شائعة، أحياناً في عربات مخصصة للطرقات الوعرة.

اعتادت وحدة تيلان تمضية معظم وقتها في اعتقال اللاجئين الهاربين من إريتريا وإثيوبيا والسودان، علماً أن عددهم فاق الخمسين ألفاً في غضون بضع سنوات. يُعتبر اللاجئون السبب الرئيس لبناء السياج. لكن عندما بدأت الثورة في مصر، تعرض خط الغاز الممتد في صحراء سينا إلى إسرائيل لعمليات تفجير بلغ عددها ثلاث عشرة. وفي 18 أغسطس 2011، وقع ذلك الهجوم المروع. عندئذٍ، قررت الحكومة الإسرائيلية إرسال جنود النخبة، وحدات شرطة خاصة، لواء استطلاع، وآليات مصفحة إلى ذلك الموقع. كذلك، سرّعت عملية تشييد السياج.

قطع الحبل

تتصرف إسرائيل في الأشهر الأخيرة كما تفعل عادة عندما تشعر أنها مهددة: تعزل نفسها. فقد اختفى قطاع غزة والضفة الغربية وراء أسوار أمنية منذ فترة. كذلك، يرتفع سياج عالٍ على حدود البلد الأخرى، معززاً بمجموعة من الألغام الأرضية. أما اليوم، فتريد إسرائيل تدعيم أمن حدودها ببناء نظام عالي التكنولوجيا، على غرار النظام المعتمد عند حدودها مع مصر.

حاولت هذه الدولة اليهودية الاندماج مع سائر بلدان الشرق الأوسط طوال عقود. إلا أنها تسعى إليوم إلى قطع الحبل بينها وبين المنطقة المحيطة بها، معيقة التغيير في البلدان المجاورة.

بعد انطلاق الثورة العربية بسنة، تحولت إلى رواية عن انعدام الثقة، الخوف، واللامبالاة. لطالما حلم سياسيون أمثال شيمون بيريز «بشرق أوسط جديد»، منطقة تعمها الديمقراطية والحرية. لكن اليوم، مع تشكّل شرق أوسط جديد، ترفض الحكومة الإسرائيلية وغالبية مواطنيها الترحيب به. صحيح أنهم يريدون جيراناً ديمقراطيين، يخشون عملية تبني الديمقراطية بسبب الغموض الذي يفل نتائجها، فضلاً عن عدم الاستقرار وفقدان السيطرة. لا أحد يعلم الشكل النهائي الذي سيتخذه الشرق أوسط الجديد، بيد أن الحكومة الإسرائيلية قررت مسبقاً أن من الأفضل التقوقع والانعزال على اختبار الخيارات المطروحة أمامها.

يبدو هذا الحذر الإسرائيلي مبرراً. لطالما أدت حالة الفوضى في المنطقة إلى اندلاع الحروب. فمنذ انطلاق الانتفاضات الأخيرة، حاول العرب ثلاث مرات انتهاك الحدود الإسرائيلية من لبنان وسورية، آخرها الأسبوع الماضي. لكن لهذا السبب تحديداً، من المفاجئ أن نرى تردد هذا البلد في أخذ المبادرات لتحقيق سلام دائم في المنطقة، وإن كانت إسرائيل تبذل قصارى جهدها لتفادي خطر أكثر تجرداً، خطر تطوير إيران قنبلة نووية. فإن كانت إسرائيل تنوي حقاً مهاجمة إيران، فهذا سبب إضافي يجب أن يدفعها إلى الخروج من عزلتها.

تعتبر إسرائيل نفسها «قصراً وسط الأدغال»، على حد تعبير السياسيين الإسرائيليين. فهي في رأيهم واحة هشة من الحضارة محاطة بالإسلاميين، كما لو أن إسرائيل لا تتحلى بالنفوذ السياسي الأوسع والقوة العسكرية الأكبر في المنطقة. ولا شك في أن اعتبار الربيع العربي في إسرائيل مجرد «شتاء إسلامي» معبّر جداً. وتشير إسرائيل غالباً إلى أن غزة مثال لما يمكن أن يحدث عندما يستلم الإسلاميون زمام السلطة، مع أن هذا القطاع بعيد كل البعد عن أن يكون مثالاً.

التراجع عوض التقدم

يسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى تصحيح أفكار كل مَن يعتقد أن الانتفاضة قد تؤدي إلى نتائج إيجابية. فالثورة العربية تتحول إلى «موجة إسلامية منهاضة للغرب وإسرائيل والديمقراطية»، حسبما ذكر نتانياهو في شهر نوفمبر. ويوضح رئيس الوزراء أن العالم العربي «يتراجع عوض التقدم» وأن كل مَن يعتقد أن العرب والديمقراطية قد ينسجمان إنسان ساذج بالتأكيد.

هل نجحت مناورات التخويف التي اتبعها السياسيون الإسرائيليون، أم أن نتانياهو يعبّر فحسب عما يعتقده شعبه؟ تُظهر استطلاعات الرأي أن نصف الإسرائيليين يعتقدون أن الانتفاضات لها تأثيرات سلبية على بلدهم. قبيل الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك، ظن ثلثا الإسرائيليين أن هذا سينعكس سلباً على بلدهم. وعلى رغم المذابح التي تطاول الأولاد اليوم في سورية، لا يزال أكثر من واحد من كل أربعة إسرائيليين يعتقد أن إسقاط المسؤول عن هذه المجازر، الرئيس بشار الأسد، لن يكون تصرفاً سديداً.

يوضح مستشار حكومي طلب عدم ذكر اسمه: «علينا أن نتحلى بالقوة، هذا هو الدرس الذي تعلمناه من الانتفاضات». فالاستقرار، الأمن، والقوة هي شعار نتانياهو. يعتبر رئيس الوزراء هذا أن الثورات العربية تعني ألا تنازلات لأن السياسة الإسرائيلية، حسبما يقول، لا يمكن أن «تقوم على الأوهام». ومن هذه الأوهام أن تحقيق السلام ممكن.

لكن ما الشكل الذي ستتخذه علاقة إسرائيل بالعالم العربي في المستقبل؟ يوضح ثلاثة إسرائيليين يُعتبرون أقرب إلى العالم العربي من أي شخص آخر في إسرائيل وجهات نظرهم عما قد يخبئه المستقبل: الأول المقدم تيلان، ضابط الحدود. أما الآخران فهما إسحاق ليفانون، الذي كان حتى وقت ليس ببعيد سفير إسرائيل إلى مصر، وليور بندور، الناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية الذي يُعنى بشؤون الإعلام العربي. يدافع تيلان عن إسرائيل، يمثلها ليفانون، وينظم بندور الحملات نيابة عنها.

أعلى بمرتين

على حدود إسرائيل الجنوبية، راح تيلان يتأمل ما يدور من حوله فيما كان العمال يلحمون الحديد ويدعمون السياج. فلم يعد هذا السياج، الذي يبلغ ارتفاعه هنا خمسة أمتار، كافياً. لذلك، يحاولون زيادة ارتفاعه ليصبح أعلى بمرتين، لعل ذلك يردع مطلقي النار في الجانب الآخر. ينهي العمال تدعيم نحو 400 متر كل يوم. لذلك، يتوقع المسؤولون اكتمال السياج الذي يبلغ طوله 240 كيلومتراً بحلول نهاية السنة.

يقول هذا المقدم: «على رغم ذلك، سيعثر الإرهابيون على سبيل إلى دخول إسرائيل، ربما بحفر الأنفاق أو مهاجمة السياج أو عبور البحر». ويضيف تيلان أن مجموعات عدة في شبه جزيرة سيناء تعد العدة راهناً لتنفيذ الهجمات. يذكر: «تعاوننا مع المصريين موسمي، ويعتمد على مدى المقاومة التي يريدون...». يتوقف مصححاً كلامه: «على الطريقة التي يودون بها حكم سيناء». تبدو الشكوك بين الطرفين متجذرة، مع أن المسؤولين الإسرائيليين والمصريين يعقدون اجتماعات منتظمة، أحياناً عند المعابر وأحياناً أخرى عند السياج. لكن تقاربهم هذا يبقى حذراً، إذ يظل كل طرف في الجانب التابع له.

تتجلى العزلة الجديدة في جنوب إسرائيل أكثر من أي مكان آخر. في إيلات المطلة على البحر الأحمر، تصطف الفنادق على الشاطئ. تحدها من الشرق مدينة وميناء العقبة الأردنية ومن الغرب مدينة طابا المصرية. في الماضي، كان الإسرائيليون لا يترددون في دخول الأراضي الأردنية والمصرية. لكن منذ انطلاق الانتفاضة، قرروا البقاء في إيلات، قطعة من الأرض تمتد على طول عشرة كيلومترات بين الحدود المصرية والأردنية.

كانت مصر والأردن وحتى تركيا من أهم حلفاء إسرائيل في المنطقة. لكن هذه الشبكة الدبلوماسية بدأت تتفكك. ولم تتمكن التحالفات الجديدة مع اليونان وقبرص وجنوب السودان في سد الفجوة الحاصلة. صحيح أن اللوم لا يقع برمته على إسرائيل، بيد أن هذه الأخيرة لم تحاول تحسين علاقاتها مع حلفائها السابقين. فقررت عدم التصالح مع تركيا. كذلك، رفضت استرضاء الفلسطينيين بأي شكل من الأشكال.

تحذير من السلبية

في شهر ديسمبر الفائت، كان ليفانون (67 سنة) أحد آخر الإسرائيليين المقيمين في القاهرة، حيث حضر حفلة وداع قدم له خلالها رئيس جهاز الاستخبارات المصري نموذجاً عن عربة فرعونية. ليفانون، الذي شغل منصب السفير الإسرائيلي في مصر طوال أكثر من سنة، رجل نحيل القد أبيض الشعر يمكنه سرد دعابات باللغة العربية، حتى المصريين يعتبرونها مضحكة.

كان ليفانون في القاهرة في ذلك اليوم من شهر سبتمبر حين أغار رعاع غاضبون على السفارة الإسرائيلية هناك. كان جالساً في شقته يشاهد الأحداث على شاشة التلفزيون. لاحظ أن رجال الشرطة يقفون أمام السفارة، إلا أنهم لم يمنعوا الناس من هدم الجدران حول المبنى. اتصل ليفانون بكل مَن يعرفهم، بمن فيهم دبلوماسيون ومسؤولون في أجهزة الاستخبارات وموظفون في وزارة الخارجية المصرية. في النهاية، تمكنت وحدة من القوات الخاصة المصرية من إنقاذ الحراس الإسرائيليين، ليستقل بعد ذلك السفير وطاقم عمله الطائرة ويعودون إلى وطنهم.

يذكر ليفانون: «لم أحزن وأغضب من هؤلاء الناس، بل من نظام مبارك. فهذه عواقب سياسة سمحت للحقد بالنمو طوال عقود». يذكر ليفانون أن مبارك كان من جهة شريكاً يُعتمد عليه، إلا أنه سمح من جهة أخرى للصحف بمهاجمة إسرائيل، متحولة إلى متنفس لغضب الفقراء.

يقيم خلف ليفانون في فندق، ويسافر عائداً إلى منزله في نهايات الأسابيع. أعيدت محتويات السفارة كافة إلى تل أبيب بطائرات شحن. فهل تعود السفارة يوماً إلى سابق عهدها؟ يؤكد ليفانون أن الرياح الجديدة التي تهب من مصر لا تبدو مطمئنة. فقبل بضعة أسابيع، أعلنت لجنة في مجلس الشعب المصري أن إسرائيل «عدو مصر الأول». كذلك، أوصت بطرد السفير الإسرائيلي وإنهاء تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل. في الوقت ذاته، عين المجلس العسكري الحاكم سفيراً جديداً لدى تل أبيب وكان الوسيط في اتفاق لإطلاق النار مع «حماس» في قطاع غزة. بذلك برهن المجلس أنه لم يبدل موقفه.

لا شأن لنا به

يذكر ليفانون: «لا شأن لنا بما يحدث في الدول العربية». ويضيف أن على إسرائيل أن تمنحها الوقت، مقيمة في الوقت عينه علاقات مع الأطراف كافة. هذا ما دفعه إلى حض القيادة الإسرائيلية على التحاور مع الإخوان المسلمين بعيد سقوط مبارك. لكن اقتراحه هذا «رفض»، وفق ليفانون. يعتقد هذا السفير السابق أن الوقت قد فات لاتخاذ خطوة مماثلة اليوم، في حين أن المسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية يظنون أنه ما زال مبكراً.

تتحفظ إسرائيل أيضاً في المسألة السورية. فما من سياسي إسرائيلي دعا علانية لتنحي الأسد. لا تود إسرائيل الإساءة إلى المعارضة بتصريحاتها العلنية، وفق أحد مستشاري الحكومة. لكن عرباً كثيرين سيعتبرون على الأرجح هذا التصرف مناورة لدعم نظام الأسد.

مرت سنة قبل أن يقول وزير الخارجية الإسرائيلي في مطلع شهر مارس: «لا تستطيع الأمة اليهودية الوقوف مكتوفة اليدين في حين أن مواطني دولة مجاورة يتعرضون للذبح». وأضاف أن إسرائيل لا تستطيع التدخل، لكن «من واجبنا الأخلاقي على الأقل أن نقدم مساعدات إنسانية وأن ندعو العالم إلى وقف هذه المجازر».

المفارقة أن مَن كانوا سابقاً مسؤولين عن أمن الأمة يحذرون اليوم من السلبية والتشاؤم، يكتب أفرايم هليفي، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الموساد، مصراً على أن الانتفاضة في سورية ستعود بفوائد لا تقدر بثمن على إسرائيل لأنها كسرت المحور الذي يجمع إيران، سورية، حزب الله، وحماس. فقد شككت الأخيرة بدعمها إيران في حال هاجمتها إسرائيل. وإن انقطعت المساعدات السورية لحزب الله، فقد يشهد لبنان على الأرجح ثورة أرز ثانية.

إسرائيل تخاطب العرب عبر فايسبوك

يطالب مسؤولون، أمثال رئيسي جهاز الاستخبارات الإسرائيلي السابقين عامي أيالون ومئير داغان، بالتفاوض مع الفلسطينيين للحد من عزلة إسرائيل المتنامية، إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تحرك ساكناً، في وقت يمكن لأي تقدّم يُحقق أن يصون السلام مع مصر ويعزز مكانة الملك في الأردن. لا يزال الوضع في المملكة الهاشمية هادئاً نسبياً، إلا أنها التقطت عدوى الثورة العربية. نتيجة لذلك، أدلى الملك عبدالله الثاني بتصريحات علنية انتقد فيها إسرائيل، آملاً بإرضاء شعبه. كذلك، لم يرسل سفيراً إلى تل أبيب منذ سنتين، في حين تخضع السفارة الإسرائيلية في عمان لحراسة مشددة تفوق ما تتمتع به مصارف مركزية كثيرة. وعندما شارك عالما نفس إسرائيليان في محاضرة في عمان أخيراً، تظاهر مئات الطلاب أمام الجامعة. حتى إن قوى الأمن اضطرت إلى إخراجهما من الباب الخلفي.

تُظهر حوادث مماثلة لمَ تشعر إسرائيل أنها مهددة. في المقابل، لم تبذل هذه الدولة أي جهد لمخاطبة شعوب الدول المجاورة مباشرة، بل اكتفت بالتفاوض مع قادتها. على الحكومة أن تتقرب من العرب اليوم. رغم ذلك، ما من سياسي إسرائيلي توجه إلى المتظاهرين في القاهرة وتونس بكلمة. لكن إسرائيل تحاول «جس نبض» الشعوب العربية بحذر عبر شبكة الإنترنت.

على سبيل المثال، ليور بندور (43 سنة) على تواصل مع 103199 عربياً، تسجلوا في صفحة وزارة الخارجية الإسرائيلية على موقع فايسبوك. أعدت هذه الصفحة، التي تحمل الاسم «إسرائيل تتكلم العربية»، قبل نحو سنة.

يُعتبر بندور، الناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية الذي يُعنى بشؤون الإعلام العربي، وجه إسرائيل على محطة «الجزيرة». لكنه ينشط أيضاً عبر الإنترنت، حيث يحاول هدم الجدران التي تبنيها الدولة الإسرائيلية. فيستخدم الدردشة لمعارضة الدعاية المناهضة لإسرائيل، إلا أنه مجرد صوت هادئ وسط بيئة يملأها الضجيج. يقول: «لا نعلم أياً من هؤلاء الأشخاص قد يغدو مهماً ذات يوم. أو لربما سيتحدث أحدهم مع صديق له عن إسرائيل ويدافع عنها». لكن حتى بندور يدرك أن هذا مجرد أمل مبهم.

الوضع على حاله

نشر بندور مقتطفاً من أغنية للفنان الإسرائيلي دودو أهارون، وبدأ حوار مشوق يدور تحتها. من التعليقات التي نُشرت «سنبيدكم ذات يوم» و{اذهبوا إلى الجحيم»، في حين كتب البعض: «مغنٍّ ممتاز!». حذف فريق عمل بندور 10 من التعليقات السبعة عشر، معتبرين أن هذا أمر طبيعي.

يفضل الإسرائيليون عادة نشر مقتطفات موسيقية أو صور لشاطئ تل أبيب. فالرسالة التي تحملها بسيطة: إسرائيل دولة مسالمة الحياة فيها جميلة. يقول بندور: «كلما أشار شخص إلى أنه يتقبل تعليقاتنا، أراسله». فيمضي أحياناً ساعات يدردش مع شخص واحد. وقد أجرى أخيراً حواراً طويلاً مع صحافي مصري.

فيما ينهمك بندور في الدردشة تظهر وراء كتفه صورة لملك الأردن حسين رُسمت بقلم رصاص. لقد رسمهم كلهم، من الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الحاكم السوري المستبد بشار الأسد والرئيس المصري السابق أنور السادات. قبل بضعة أشهر، بدأ بنشر رسوماته على فايسبوك. لاقت صورة الأسد بشكل خاص شعبية كبرى، نظراً إلى العبارة التي دونها بندور إلى جانبها باللغة العربية: «أحب شعبي حتى الموت».

فتح نحو 11401 شخص رسم الأسد. فعلق عليه 141 متصفحاً، في حين أعرب 98 آخرين عن إعجابهم به. كتب أحد متصفحي الإنترنت: {عزيزتي إسرائيل، الديمقراطية الكبرى في الشرق الأوسط، مَن سيحل محل الأسد عندما يسقط؟». وذكر آخر: «الأسد جبان، عليه أن يرحل». يحب بندور هذا النوع من الردود. يقول: «لم يسبق لعربٍ كثر التحدث إلى إسرائيلي. وبالنسبة إلى كثيرين هذه المرة الأولى التي يخاطبون فيها إسرائيلياً». يوضح أن العرب صاروا أكثر فضولاً بعد سقوط حكامهم، وبدأوا يطرحون أسئلة جديدة.

يؤكد هذا الدبلوماسي أن الإشارات على المستوى الفردي إيجابية. ثم يضيف: «لكن الوضع عموماً ما زال على حاله. فكرههم لنا لم يتضاءل، كما أنه لم يتزايد».

back to top