التطرف الديني في الكويت: قراءة اقتصادية

نشر في 20-12-2012
آخر تحديث 20-12-2012 | 00:01
 د. علي العبدالرزاق في تحليل الظواهر الاجتماعية، مثل الطلاق والادمان والجريمة وغيرها من الظواهر، يتبنى الفكر الاقتصادي إطارا نمطيا يقوم على افتراضات، أهمها أن هذه الظواهر هي محصلة لسلوكيات الأفراد في المجتمع وتتميز دائما بالعقلانية (rationality) بحيث تصبح معها الموازنات المستمرة بين التكلفة والمنفعة محركا للدوافع البشرية وأساسا لآلية اتخاذ القرار.

ومن هذا المنحى، عمد الاقتصاديون الى وضع اطار يصنف مؤثرات الظواهر الاجتماعية ضمن فئتين، هما: عوامل العرض (supply factors) وعوامل الطلب (demand factors). أما الحكومة فيتم تحليل دورها من خلال الأدوات المتاحة لها وتتمثل في اسلوب توزيع الدخل (income distribution) من خلال قنوات الانفاق المالي والأدوات التشريعية الأخرى ومن خلال القوانين والنظم التي قد تؤثر في سلوكيات الأفراد وتحدد مسار القيم الاجتماعية السائدة.

ورغم ما قد يثار من انتقادات حول المنهج الاقتصادي من حيث تبسيطه المفرط لواقع الدوافع البشرية وعموميته، فانه في الجانب الآخر يوفر أسلوبا منطقيا فعالا لتحليل المشاكل الاجتماعية واستنباط الحلول العملية لمعالجتها.

من هذا المنظور ينبغي معالجة ظاهرة تنامي تيار التطرف الديني في الكويت، ليس  على أساس انها حتمية تاريخية مرتبطة بتركيبة وذهنية الانسان الكويتي كما يصور البعض، ولكن على اعتبار أنها وليدة تفاعل عدد من العوامل التي يمكن تصنيفها كمؤثرات عرض (supply factors) -تتمثل في مدى فاعلية التيارات الدينية (ومقارنة بالتيارات السياسية والاجتماعية البديلة) في استقطاب الجماهير- ومؤثرات طلب (demand factors) وهي التي تبرز نتيجة لاحساس الأفراد بالاغتراب (marginalization) أو التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ومما يسترعي الانتباه عدم توازن الاطروحات والتحليلات التي تناولت مسألة التطرف الديني في الكويت. ففي جانب العرض كانت هناك استفاضة حول الدور الذي لعبته تيارات الاسلام السياسي الاقليمية في ظهور ما يسمى بالصحوة الاسلامية في الكويت كما اتفق المحللون على أن سياسات الحكومة خلال العقود الثلاثة الماضية قد عززت دور هذه الحركات ذات المنشأ الاقليمي من خلال الرعاية المباشرة لها ومن خلال اقصاء التيارات البديلة ومن خلال تمكينها من التحكم في سياسات التعليم والاعلام الرسمي.     

اما في جانب الطلب، فلا نجد اهتماما يذكر من قبل المفكرين وكتاب الأعمدة في الصحف اليومية على حد سواء في تحليل الدور الذي لعبه التهميش الاقتصادي والاجتماعي في تنامي ظاهرة التطرف الديني في المجتمع الكويتي. وقد تكون إحدى الأسباب الكامنة خلف ذلك هي صعوبة تحديد اسباب التهميش بسبب تداخل عدد من العوامل الموضوعية (مثل مستوى الدخل والانفاق) والعوامل اللاموضوعية مثل القيم والثقافة الشخصية والتي يمكن أن تولد أحاسيس بدرجات مختلفة لدى الأفراد بعدم المساواة والتفرقة. كما يجب الاقرار بأن شح بيانات توزيع الدخل ومؤشرات الفقر في الكويت وعدم اتاحتها بشكل نتائج ومعلومات مفيدة قابلة للفهم قد ساهم في هذا القصور التحليلي.

ولكن، وعلى الرغم من هذه المآخذ، فان هناك قدرا لا يستهان به من سوء الفهم أو الانحياز الفكري خلف هذا التوجه في اغفال دور التهميش في تنامي التطرف الديني. فمن ناحية نجد ان هناك لبسا شائعا بين مفهومي الفقر النسبي والمطلق، واعتقادا خاطئا لدى البعض بأن التهميش يأتي فقط بسبب وجود الفقر المدقع أو البطالة. فضلا عن التركيز المفرط على درجة التمكين الاقتصادي فقط كمؤشر للتضمين (inclusion) مع تجاهل أهمية ودور المشاركة السياسية والاجتماعية.

كما لا يمكن أيضا استبعاد فرضية الانحياز الفكري المسبق لدى كثير من المفكرين بما في ذلك بعض الكتاب الليبراليين المتميزين. فالمناخ الفكري السائد اليوم -شئنا أم أبينا- هو امتداد لتراث قائم على تكريس مبدأ الطبقية الاجتماعية والتمييز بشكل واضح وصريح.

هذا المناخ لم يشهد تغيرا كبيرا على امتداد العقود الماضية بفضل سياسات الدولة الريعية ومن خلال أبواق أجهزة اعلامها التي كانت ومازالت تمجد الماضي والرعيل الأول وما الى ذلك من شعارات تسهم في تكريس واستمرار النهج السائد وتحول دون حدوث التحول الاجتماعي نحو الدولة المدنية القائمة على شعار المواطنة والمساواة.

* خبير اقتصادي

back to top