هل سيتحمل المالكي مسؤولية الدماء العراقية؟

نشر في 24-11-2012
آخر تحديث 24-11-2012 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر مازلنا نتذكر تصريح القذافي في الثمانينيات عندما قال: "نحن، كل القادة العرب أتينا للحكم بواسطة أميركا، إلا أنني أنا وصدام تمردنا عليها"... وكلنا رأينا مصير الرجلين وكيف قُتِلا في ظروف متشابهة بعد ثورات للشعبين في البلدين.

وحقيقة، فإن سيرة المالكي لا تختلف كثيراً عن سيرة القادة العرب الذين أتوا جميعاً بواسطة الأميركيين وتسلموا الحكم، ولكن يبدو أن رئيس الوزراء العراقي الحالي لم يعِ الدرس كثيراً، ولا يعرف أنه يقتفي آثار سلفه صدام حسين، ولكن في اتجاه معاكس له، ويبدو أن المنصب قد أنساه أنه لولا وجود أميركا في العراق ما استطاع هو ولا الذين ينادون الآن بخروج الأميركيين أن يكونوا في المواقع التي هم عليها الآن.

ولا أقصد بهذا الكلام الدعوة إلى بقاء الأميركيين في العراق لا في كردستان ولا في وسط العراق ولا جنوبه، لكن وكما كنا نتساءل وماذا بعد الثورات العربية فنتساءل اليوم: وماذا بعد خروج الأميركيين من العراق؟ هل يستطيع المالكي وقواته الأمنية أن يحموا العراق من التهديدات التي تجابهه كما يدّعون في الإعلام؟ أم هو إخراج للعراق من احتلال وإدخاله إلى آخر؟

لا أحد يشك في أن العراق حالياً لا يملك القوة السياسية والعسكرية والأمنية الكافية لكي يحافظ على استقلاله السياسي والاقتصادي أمام أي تهديد يأتيه من أي دولة سواء العربية منها أو غير العربية، وبالقطع فإن المالكي لا يجهل هذه الحقيقة، فلمصلحة مَن يصر المالكي على الانسحاب الأميركي الكامل وكل المؤشرات تدل على أن العراق يعيش فترة تحول كاملة من تغير احتلال عسكري أميركي إلى احتلال إيراني مع سبق الإصرار والترصد عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، حيث كانت إيران مهتمة بخروج القوات الأميركية في العراق أكثر بكثير من اهتمام الحكومة العراقية نفسها بهذا الأمر، ونذكر هنا ما صرح به أعضاء من حزب المالكي نفسه بأن إيران قد هددت بأنها ستحرق العراق إذا وافقت الأخيرة على تمديد بقاء القوات الأميركية، ويبدو أن الحكومة العراقية اختارت الركوع أمام التهديدات الإيرانية، ولا ننسَ هنا تصريح خامنئي الذي بارك للشعب العراقي انتصاره بإخراج القوات الأميركية من العراق ونسب الانتصار هذا إلى ما أسماها "المقاومة العراقية"، ذلك التصريح الذي يكشف بوضوح من الذي كان خلف مواجهة أميركا وبأيادٍ عراقية.

ويبدو أن المالكي يتحرك حسب خطة مرسومة له من قبل جهات تتطابق مصالحها السياسية والطائفية مع الانتماء الذي يسيطر على الحكومة العراقية، وهو يتحرك ضمنها ليس الآن فحسب، بل منذ أول يوم تسلَّم فيه الحكم في العراق، حيث إن الموقف العراقي الرسمي من الأزمة السورية ومن بشار الأسد هو امتداد لكل ما حصل في العراق منذ عام 2003 حتى الآن، وإن الثلاثي (بشار- نجاد- المالكي) كانوا يعملون حسب خطة مدروسة وتنسيق كامل بينهم، خصوصاً في المنطقة الوسطى من العراق منذ أول تسلَّم فيه هذا الشخص رئاسة الوزراء في العراق، وعملوا على إفساح المجال لمعارضي الوضع العراقي الجديد والتنسيق معهم لإثارة الفوضى وعدم الأمن تحت شعار المقاومة العراقية، والتي كانت تعمل فقط في المنطقة السنّية واستغلال العاطفة الدينية والوطنية عندهم لمقاتلة قوات الاحتلال الأميركي، ليس من أجل تحرير العراق بل لتعكير الأجواء السياسية والأمنية والاقتصادية في هذه المناطق لتضعيفها وتضعيف الدور السنّي في العملية السياسية، وإبقاء صوته السياسي في العراق ضعيفاً، ولإضعاف الموقف الأميركي في هذه الدولة لمصلحة دولة إيران التي كانت على الجانب الآخر تؤيد وتدعم الأحزاب الشيعية لإحكام قبضتها على الحكم والاستيلاء على كل المرافق الاستراتيجية في الحكومة العراقية، وموقف المالكي اليوم من بشار الأسد لا يعتبر إلا رداً لجميل هذا النظام الذي عمل على تكريس الحكم الطائفي الشيعي في العراق، لذلك فإن المالكي وحكومته الحالية متشبثة بموقفها المؤيد لبشار الأسد ضد الشعب السوري الثائر.

نرجع مرة أخرى إلى موضوع قرار المالكي بإنهاء وجود القوات الأميركية في العراق، ويظهر أن المالكي يعتمد في اتخاذ قراراته السياسية على أسلوب الإدبار والإقبال والتردد المشوب بضبابية فكرية قلقة إلى أن يأتيه اليقين من وراء الحدود، فيطمئن قلبه لاتخاذ قرار لا يؤثر على من يقوم بأداء صلاة الاستخارة نيابة عنه، وكيف لا، خصوصاً أن جيراننا في الشرق هم أكثر من يعرفون مصلحة العراق، وكيف يجب للسياسي العراقي أن يتصرف حتى لو كان على حساب السيادة الوطنية والحالة الأمنية التي ضحى العراق بأرواح آلاف من شبابه في طريق استتبابه.

هنا يجب أن نتساءل فيما إذا تدهور الوضعان الأمني والسياسي في العراق بعد الانسحاب الأميركي، هل سيتحمل المالكي مسؤولية إصراره على قرار الانسحاب هذا ومحاكمته فيما إذا سفك الدم العراقي مرة أخرى؟ أم سيستنجد بالقوات الإيرانية في ملء الفراغ الأمني في العراق؟ أم هل سيتحمل مسؤولية النتائج التي سستؤول إليها الأوضاع في العراق من حيث مطالبات السنّة حالياً بإنشاء أقاليم لهم بعدما اكتشفوا أن العراق أصبح دولة ذات صبغة واحدة تعتمد على الانتماء الطائفي المتحالف مع إيران، وبأنهم كانوا كبش فداء لكذبة كبرى اسمها المقاومة العراقية.

* كردستان العراق – دهوك

back to top