حوار الطرشان: «دستور يالساحل الغربي»

نشر في 22-12-2012
آخر تحديث 22-12-2012 | 00:01
 فيصل الرسمان سقى الله أيام الصبا، بمدلهم يرويها ويبعث الحياة في جذورها، لعلها ترجع كسابق عهدها، ولكن هيهات أن تعود، فالأمس لا يمكن أن يكون اليوم، والأخير من المستحيل أن يكون غداً، ولكنها تبقى أمنيات تؤدي بنا إلى أمنيات.

في ذاك الزمان الذي مضى، كنت أسمع فنان العرب "محمد عبده" وهو ينشد أغنيته التي يقول مطلعها:

"دستور يالساحل الغربي- فليت في بحرك شراعي".

وكنت أردد تلك الكلمات من دون أن أعلم عن ماهية الدستور الذي يعني، كما أنه لم يكن بمقدوري أن أستدل على الساحل الغربي لأعرف بعد ذلك بحره الذي فُل به شراع مركبه.

هل بحره كان حقيقة؟ أم أنه بحر على سبيل المجاز!

فقط كنت أردد "دستور يالساحل الغربي- فليت في بحرك شراعي".

تقدمت بي الأيام ومع تقدمها النشط، أدركت معنى الدستور، لأكتشف بعد الإدراك أن الذي قرأته وتعرفت معناه، ليس ذاك الذي يعنيه "محمد عبده" في أغنيته السالف ذكرها. فالبون شاسع بين الدستور الذي سأتناوله في مقالي هذا ودستور "محمد عبده" الذي تناوله بأغنيته الشهيرة.

** أما بعد،،،

الدستور إما أن يكون سياجاً من الحديد المعنوي تسجن الأمة نفسها بداخله، أو أنه يكون بمنزلة البستان الذي تختلط زهوره وتتزاحم بألوانها الزاهية، لتأتي الأمة بين الفينة والأخرى لتجني الرحيق من تلك الزهور لتخلطه وتخرج بدلاً منه، روائح زكية تعطر بها دواوين ودهاليز المؤسسات في الدولة، لتطرد بها روائح العفن الكريهة إن وجدت.

بمعنى أن الدول المتقدمة صناعياً، والعريقة ديمقراطياً، لا تقف عند دستورها وتتسمر لدرجة الجمود، بل هي تضعه وضعاً مختصراً، وبعد ذلك تسير على هديه من دون أن تكون أسيرة بين براثنه.

حيث تقوم بوضع التشريعات- القوانين العادية- المنضبطة التي تقدس حرية الرأي والفكر، من أجل الإبداع والحث عليه من ناحية، ولإطلاق العنان للأفكار لتقوم بعملية التطوير التي تحتاجها المجتمعات الحية من ناحية أخرى.

كما أنها سنّت التشريعات التي تكفل المساواة والعدالة وتلك التي تحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين الأفراد من دون تحيز لفئة أو قبيلة أو طائفة.

وباركت التشريعات التي تؤسس للمجتمع المدني وتدعمه وتشد من أزره ليكون بمنزلة العباءة التي ينضوي تحت لحافها شرائح المجتمع المختلفة بحسبان أنهم مواطنون يعيشون على إقليم وطن واحد.

** أما نحن في الكويت

قمنا بوضع دستورنا المطول الجامد، منذ ما يربو على خمسة عقود، وبدلاً من تجاوزه والسير على هديه، وقفنا في حضرته وقوف الجماد، حتى جعلناه بإرادتنا بمنزلة السياج الذي يحبسنا في داخله، فالسنون تمضي والأجيال تتبدل ونحن جامدون أمامه، ليس احتراماً إنما لجهل يعترينا وعدم فهم يطوقنا وتخلف تدوس أقدامنا في بحر طينه.

خمسون عاماً ونحن نرفع الأصوات: "الدستور... الدستور"... حتى سئم الأخير منّا ونحن سئمنا من ترديد اسمه.

والسبب أننا تجاهلنا جميع نصوصه، وركزنا على تلك التي تنظم ديناميكية العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فاحتدم النزاع بين السلطتين، وفي خضم الصراع ونزاعه أهملنا النصوص التي تهتم بالمواطن الذي يعتبر المحور الأساس في العملية الديمقراطية، لأن أي ديمقراطية لا تحقق رغباته تعتبر مزعومة فهي والعدم سيان.

أعود إلى "محمد عبده" لأقول له إن دستورك الذي تغنيت فيه، أفضل بكثير من دستوري الذي يشبه بجموده وبرودة جسده "قالب ثلج"... والسلام.

back to top