راحلة من أفريقيا... وهج القارة السمراء
في كتابها «راحلة من أفريقيا» الصادر أخيراً عن «المركز القومي للترجمة»، تحمل الأديبة السويدية كارين بليكسن رسالة عشق ووفاء للقارة السمراء، التي قضت فيها جزءا كبيرا من حياتها، وعايشت سكانها، وخبرت آلامهم ومعاناتهم، وكانت تود البقاء فيها بقية حياتها، لكنها اضطرت للرحيل عنها تحت قسوة الظروف الاقتصادية.يكشف كتاب «راحلة من أفريقيا» عن ولع خاص بالمكان، وعن تجربة مميزة لكاتبة قررت السفر مع زوجها إلى أفريقيا، وامتلكت مزرعة للبن في كينيا، ومنزلا في نيروبي، وتعرضها للكثير من المحن والأزمات حيث مرت بأزمة طلاقها ثم وقوعها في الحب ورحيل الحبيب إضافة إلى تضامنها مع قضايا العمال والزنوج واندماجها مع حياتهم التي لا تخلو من الأساطير .
الكتاب ليس سيرة ذاتية لسنوات من عمر الكاتبة في كينيا، بقدر ماهو سيرة عشق لإفريقيا بشعوبها وعاداتها ومعتقداتها ونمط حياة الناس المنسجمة مع الطبيعة ومحيطهم البيئي، تقول الكاتبة في مقطع من كتابها: «تبين لي بالدليل القاطع أن الأفارقة يعيشون حياتهم بمنتهى التناغم والانسجام مع محيطهم الطبيعي، وعندما عرفتهم أكثر تيقنت بأن إيقاع حياتهم يتناقض تماما مع ما نعتبره الوقت الميت في روتين حياتنا الغربية».قراءة الفصول واحدا تلو الآخر، تجعل القارئ يشعر وكأنه يقف فعلا لتأمل الغروب، أو كأنه في رحلة سفاري يشم رائحة الجبال في مرتفعات « نجونج} كما أن هناك كذلك حزن شفيف في النص حيث نلمس انهيار سعادتها،و كان عليها أن ترحل، لقد رحلت عن كل ما أحبته، عن الناس والأصدقاء وزوجها وحبيبها. تشترك كارين بليكسن في تجربتها الخاصة بالرحيل عن البلد الذي أحبته مع كتاب آخرين، مثل سيرة إدوارد سعيد «خارج المكان» وغيره من الكتاب، هؤلاء قد يرحلون بسبب الظروف، لكن ليس لأنهم أحبوا الرحيل عن المكان؛ وإنما لأنهم ينتمون للطبيعة، وكان عليهم أن يحققوا أحلامهم في مكان آخر.راحلة من أفريقيا يعد من ذخائر ما تركته الأديبة الراحلة كارين بليكسن ولم يسبق أن ترجم إلى اللغة العربية حتى صدر مؤخرا عن المركز القومي وقام بترجمته الأديبة رانيا خلاف وسبق تحويله إلى فيلم سينمائي بعنوان المزرعة الإفريقية للمخرج العالمي سيدني بولاك.ولدت كارين بليكسن في الدنمارك، وسط عائلة تنتمي إلى الطبقة الأرستقراطية لوالد كان كاتبا وعضوا في البرلمان، لم تغفر له ابنته إقدامه على الانتحار وهي لاتزال طفلة في العاشرة من عمرها فقط، عندما رأته معلقا نفسه على حبل المشنقة في غرفة نومه، إثر إصابته بمرض الزهري، تلك الصورة بقيت ماثلة في مخيلتها الصغيرة، وكبرت معها حتى أصبحت شبحاً خفياً يلاحقها في كل أعمالها.تزوجت سنة 1914 من ابن عمها البارون في السويد، وقد منحها هذا الزواج لقب بارونة، وهو ما حقق حلمها بأن ترى العالم.كان زوجها يملك مزرعة في كينيا لذلك انتقلوا إلى هناك وأحبت الحياة في تلك المزرعة وتعلقت بالطبيعة كثيرا وكذلك بالناس ممن كانوا يعيشون هناك ولم تترك المزرعة حتى بعد طلاقها، لكن سوء وضعها الاقتصادي دفعها إلى ترك أفريقيا وكذلك موت حبيبها الإنكليزي في حادثة طائرة لتعود إلى الدنمرك ومن هناك بدأت بكتابة مؤلفاتها وكتبها الشهيرة، ومنها قصص «الوحيدان» «حكايات الشتاء» «سبل العقاب» «الحكايات الأخيرة»، «سخريات القدر»، في عام 1960 دفعت كارين بليكسن إلى النشر بمجموعة قصصية تعتبر الأروع من بين أعمالها وكانت تحت عنوان «ظلال فوق المروج» بعد وفاة الكاتبة عام 1962، جمع أبناؤها المخطوطات التي كانت على طاولتها ونشروها عام 1975، وكانت مجموعتين قصصيتين الأولى بعنوان «جياد أشباح» و{أبناء الملك».