كيف تشجع واشنطن إسرائيل على قصف إيران؟

نشر في 30-03-2012
آخر تحديث 30-03-2012 | 00:01
 وول ستريت جورنال حصدت إيران حوالي 79 مليار دولار في 2011 من بيع النفط، وبغض النظر عن كلفة البرنامج النووي، لا شك أن النظام أنفق أغلبية الأموال اللازمة لتصنيع سلاح نووي، وتملك طهران حتى الآن بضعة مليارات لإنهاء إنتاج يورانيوم عالي التخصيب وأجهزة ورؤوس حربية للصواريخ البالستية.

في الخطابات والمقابلات والاجتماعات الأخيرة، كان الرئيس أوباما يبذل قصارى جهده لمنع إسرائيل من قصف منشآت إيران النووية، لكن هذه المحاولات سهلت على إسرائيل اتخاذ القرار بشن الاعتداء. لم تتضح بعد إمكانات الجيش الإسرائيلي ونواياه، لكن اجتمعت سياسة الإدارة الأميركية في الملف الإيراني مع سلوك حاكم الجمهورية الإسلامية علي خامنئي لتشجيع إسرائيل على شن ذلك الاعتداء.

تحدد التصريحات العلنية طبيعة الدبلوماسية التي يتبعها الرئيس، وقد أكد أوباما هذا الشهر أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية على "حق إسرائيل في اتخاذ قراراتها الخاصة بشأن التدابير اللازمة لتلبية حاجاتها الأمنية". وأضاف أن "أي حكومة إسرائيلية لا تستطيع تحمل فكرة وصول سلاح نووي إلى يد نظام ينكر محرقة اليهود ويهدد بمحو إسرائيل من الخارطة ويدعم الجماعات الإرهابية التي تلتزم بتدمير إسرائيل".

من خلال وضع الجدل بشأن الملف النووي الإيراني في هذه الخانة، سلّط الرئيس الضوء على أمرين لم تشأ إدارته توضيحهما: مدى فاعلية العقوبات ونوعية الاستخبارات الأميركية بشأن برنامج طهران النووي. لا شك أن الإسرائيليين سيركزون على هاتين المسألتين في الأشهر المقبلة.

بما أن خامنئي رفض خيار التحاور، فقد دعم أوباما خطة فرض العقوبات لأنها الحل المنطقي الوحيد الذي يمكن أن يكون بديلاً عن الحرب أو الاستسلام. فكر الكونغرس بالطريقة نفسها وكان المحرك الحقيقي وراء فرض العقوبات. لكن لطالما توقفت المهلة اللازمة كي تعطي العقوبات الاقتصادية مفعولها على الإمكانات العسكرية الإسرائيلية أو الأميركية وعلى نوعية الاستخبارات الغربية، لكن يبدو أن الصبر بدأ ينفد في مطلق الأحوال.

حتى القوات الجوية الأميركية قد تجد صعوبة في استعمال المتفجرات التقليدية لتدمير موقع فوردو النووي الواقع تحت جبل بالقرب من مدينة قُم، حيث ينشئ النظام الإيراني أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. في إسرائيل، ربما انتظر نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك المؤيد لاستعمال القوة وقتاً طويلاً جداً قبل أن يقررا قصف هذه المنشأة التي أصبحت ناشطة الآن. لا شك أن التقدم الإيراني الثابت هناك يعني أن الإسرائيليين يجب أن يشنّوا ضربتهم خلال أشهر إذا كانوا جديين بشأن استباق أي كارثة نووية.

صحيح أن النظام الإيراني يواجه عقوبات غربية جديدة ضد مصرفه المركزي، ولا سيما قرار إقصاء الجمهورية الإسلامية من التجمع الدولي للاتصالات الدولي ما بين المصارف "سويفت" (SWIFT)، إلا أن طهران لا تزال متفوقة في ما يخص عامل الوقت. حصدت إيران حوالي 79 مليار دولار في السنة الماضية من بيع النفط. بغض النظر عن كلفة البرنامج النووي، لا شك أن النظام أنفق أغلبية الأموال اللازمة لتصنيع سلاح نووي، وتملك طهران حتى الآن بضعة مليارات لإنهاء إنتاج اليورانيوم العالي التخصيب والأجهزة الفاعلة والرؤوس الحربية للصواريخ البالستية.

قد تؤدي العقوبات إلى انهيار الاقتصاد الإيراني حتى لو لم تستنزف البرنامج النووي، ما يعني انتشار الفوضى السياسية التي تشلّ ذلك البرنامج في نهاية المطاف. لكن انطلاقاً من تجارب فرض العقوبات على الأنظمة الفاسدة خلال الستين سنة الماضية، يجب أن نستنتج أن الدول الاستبدادية المعاصرة تتمتع بدرجة مهمة من الممانعة وقدرة لافتة على تحمّل الألم والمصاعب.

يريد بعض مراقبي الوضع الإيراني تصديق أن العقوبات قد تساهم سريعاً في تعزيز الانقسامات داخل النظام وبالتالي إجبار طهران على التفاوض لوضع حد لعملية التسلح النووي. لكنّ هذا السيناريو يسيء إلى هوية الثوريين الإيرانيين. لم يُظهر خامنئي أي نية لوقف البرنامج. ولم يُلمح قادة الحرس الثوري إلى أنهم يخالفون رأي خامنئي في المسألة النووية، علماً أن القائد الأعلى هو الذي يختار شخصياً هؤلاء القادة الذين يسيطرون راهناً على معظم الاقتصاد الإيراني ويشرفون على "الأبحاث الذرية".

يتوقع هذا السيناريو الذي يشمل فرض العقوبات وانتشار الفوضى السياسية والشلل النووي أن يقوم القائد الأعلى أو الحرس الثوري بالتخلي عن الطموحات النووية عندما تصبح الضغوط غير محتملة. بحسب هذه النظرية، سيسمح القادة الإيرانيون للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء عمليات تفتيش شاملة في جميع المواقع النووية والعسكرية للتأكد من توقف المساعي إلى تصنيع أسلحة نووية. بعبارة أخرى، كل ما سعى خامنئي وحرّاسه إلى تحقيقه منذ عام 1979 سيذهب أدراج الرياح (الاستقلال وهيمنة الجمهورية الإسلامية على الدول المسلمة في معركتها ضد الولايات المتحدة التي تسعى إلى "إضعاف الإسلام" و"التهام العالم").

يبدو أن القائد الأعلى وحلفاءه لديهم حساسية معينة تجاه المفهوم الفارسي القديم "الهيبة"، وهي الميزة المطلوبة للحكم. كل من يؤمن حتى الآن بالثورة هو أكثر وحشية من الأشخاص الذين يريدون التغيير (اتضح ذلك في عام 2009، عندما عمدت قوى الأمن إلى ترهيب الحركة الخضراء المنادية بالديمقراطية). وكل من يريد التسوية على الملف النووي ضمن النخبة الحاكمة في إيران يعيش حتماً في

خوف دائم من الأشخاص الذين يرفضون تلك التسوية.

لم يسمح خامنئي للحرس الثوري بتوسيع نفوذه الاقتصادي لأنه يريده أن يصبح غنياً، بل لأنه يريده أن يكسب نفوذاً كبيراً. من الواضح أن النخبة الحاكمة في إيران هي في موقع جيد يمكّنها اليوم من الصمود في وجه العقوبات، بل إنّ وضعها الراهن أفضل مما كان عليه حين اعتبر الرئيس جورج بوش الابن أنها جزء من محور الشر في عام 2002. لا شك أن العقوبات هي أداة جيدة لحرمان طهران من مواردها، ولكنها لا تهدد فعلياً بوقف تصنيع الأسلحة النووية. ربما أصبحت العقوبات الآن وسيلة لمنع الإسرائيليين، وليس الإيرانيين، من تحقيق غاياتهم.

في ظل الضغوط الرئاسية السائدة، يبدو أن المشاعر التقليدية التي تكنّها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تجاه إسرائيل (شكوك تترافق مع العدائية) باتت خفيّة. فقد أصبح تقاسم المعلومات الاستخبارية مطلباً أساسياً. لا شك أن الإسرائيليين (مثل البريطانيين والفرنسيين) يدركون الآن ما يعرفه الأميركيون عن برنامج إيران النووي.

من الإيجابي أن يعرف الإسرائيليون الآن أن وكالة الاستخبارات المركزية لا تملك على الأرجح أي مصادر داخل المؤسسة العلمية الإيرانية، أو ضمن أوساط خامنئي الداخلية، أو مع العلماء النوويين التابعين للحرس الثوري. هم يعرفون ما إذا كانت وكالة الأمن الوطني اخترقت الاتصالات النووية الإيرانية وكيف حسّنت إيران أمنها الإلكتروني منذ مشكلة فيروس "ستاكس نت" (Stuxnet).

لا شك أن الإسرائيليين يدركون أن واشنطن لا تملك معلومات موثوقة حين تعلن الإدارة الأميركية أنها تفتقر إلى "أي دليل" يؤكد أن خامنئي قرر تصنيع سلاح نووي. بالتالي، يبدو أن واشنطن تطلق التكهنات، وقد اتضح ذلك في التقييم الاستخباري الوطني للملف الإيراني في عام 2007 كونه قلل عمداً من أهمية التقدم النووي في طهران.

بسبب الصراحة التي يتحدث فيها أوباما مع مختلف حلفاء الولايات المتحدة، ضمن الرئيس الأميركي على الأرجح أن ينحصر الإجماع الاستخباري الغربي حول البرنامج النووي الإيراني في إطار ما اعتبره الإسرائيليون والفرنسيون دوماً أهم عامل لمعرفة مسار التسلح النووي: ما عدد أجهزة الطرد المركزي التي يشغّلها الإيرانيون وهل يحاولون إخفاءها أو وضعها بعيداً تحت الأرض؟

يُقال إن الحكومة الإسرائيلية لم تتناقش جدياً بعد بموضوع إطلاق ضربة استباقية. غالباً ما تعمد الأنظمة الديمقراطية إلى تأجيل الاستحقاقات المهمة عند مواجهة خيار الحرب. لكن يبدو أن ذلك النقاش سيحصل قريباً ويبدو أن باراك أوباما يساعد نتنياهو وإيهود باراك عن غير قصد على دعم خيار التحرك العسكري (مع أن آخر ما يريده الرئيس هو خوض حرب ضد دولة إسلامية أخرى).

ريول مارك غريشت

back to top