كم نحن متخلفون!

نشر في 24-05-2012
آخر تحديث 24-05-2012 | 00:01
No Image Caption
 ضاري الجطيلي في مجتمع بدائي يفتقر إلى دستور مكتوب ينظم العلاقة بين السلطة والشعب ويحدد آليات إدارة شؤونه، يتفهم أن تنشأ خلافات حول شرعية هذه الجهة أو ذاك الإجراء، إذ تكون الأعراف والسوابق والتقدير هي مصدر الشرعية، وهي بطبيعة الحال متغيرة مع تطور المجتمع وتعتمد في تفسيرها وتكييفها على من تميل ناحيته كفة ميزان القوة في المجتمع، لذلك فباب النقاش والطعن فيها مفتوح دائماً، ولكن ما إن كتب دستور واستقيت منه قوانين وفصلت السلطات وحددت صلاحياتها وآليات اتخاذ قراراتها وحل النزاعات بينها والتظلم منها، فذلك يشكل أرضية متفقا عليها بين الأطراف المتعاقدة على الدستور، ومن المفترض أن يحسم الجدل حول الشرعية وتنحصر أي خلافات قد تطرأ في قنواتها المحددة، ويمضي المجتمع قدماً لما بعد الاتفاق على تلك الأرضية.

خلال الأسبوعين الماضيين شغل البلد بجدل عقيم ومفرغ حول ثلاثة مواضيع بين لنا كم نحن كمجتمع متخلفون ثقافياً بالنسبة لعمر الدولة الدستوري، الأول قرار وزير الإسكان بفصل مدير بنك التسليف، والثاني إيقاف مدير مؤسسة التأمينات عن العمل، والثالث دمج استجوابي وزير المالية. يلاحظ أن عناوين الجدل في تلك المواضيع كانت كالتالي: مرسوم أميري أم قرار وزاري؟ يوقف عن العمل لتورطه بقضية أم يستمر؟ هل تنطبق مادة دمج الاستجوابات هنا أم لا؟ وهكذا عاد الجدل بالمتجادلين للوراء إلى نقاش شرعية تلك القرارات بالأساس بدلاً من نقاش ما هو أهم. لو كنا كدولة يتناسب تطور مجتمعها الثقافي مع عمرها الدستوري لكان خلاف وزير الإسكان ومدير بنك التسليف فرصة ثمينة للمفاضلة ما بين رؤيتيهما لحل أزمة السكن، بدلاً من انشغال الوزير بـ"كروّتة" مخالفات ضد المدير لإقصائه وانشغال معارضيه بـ"مرسوم أم قرار". ولكان الظهور الإعلامي النادر لمدير مؤسسة التأمينات فرصة ثمينة للمفاضلة بين رؤيته ورؤية معارضيه للتعامل مع عجز المؤسسة المرتقب عن الوفاء بالتزاماتها في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية التي يشهدها المجتمع، أو على الأقل لناقشنا فكرة وضع حد أقصى لفترة بقاء القياديين بمناصبهم منعاً لتكوين النفوذ وارتباط المؤسسات بالأشخاص، بدلاً من نقاش خسائر المؤسسة في أزمة مالية عالمية ليس عدلاً استثناء المؤسسة من آثارها. ولكان استجوابا وزير المالية فرصة لحسم ما ورد فيهما والمضي لما هو أهم بدلاً من خلق جدل آخر حول دمجهما.

خمسون عاما دستوراً وقوانين وما زلنا نناقش أبجديات وبدهيات من المفترض أن تكون محسومة، أو في أحسن الأحوال نستهلك طاقتنا في الطرق الأسهل والأرخص للنيل من الخصوم بدلاً من المفاضلة بين الرؤى والبرامج لتحريك أمر عالق، ما الفائدة من جدل في موضوع عام لا نخرج منه بأي فائدة؟ إنه جدل عقيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويراد لنا أن نكون وقوداً فيه نحترق دونما فائدة غير زيادة الجو الملوث تلوثاً.

back to top