خالد الزايد... استلهم التراث الشعبي لتطوير الألحان الكويتية (3-3)

نشر في 27-07-2012 | 00:01
آخر تحديث 27-07-2012 | 00:01
عشق الفنان خالد الزايد الموسيقى بقلبه وروحه، وعندما نستمع إلى ألحانه الرائعة نشعر بروحه الفنية العالية المستمدة من الإجادة والإبداع، فتأخذنا أنغامه إلى عالم مليء بالجمال والإحساس بمتعة النغم الرقيق الحالم... قدم للأغنية الكويتية ألحاناً مبتكرة لها مقامات جديدة، وأنغاماً متطورة تدلّ على موهبته الفنية، وتتميز بطابعها المحلي الخاص وبشعبيتها وبساطتها وسهولتها، كذلك تصوّر بيئتنا الكويتية الأصيلة على اختلاف الميول والمشاعر لذا هي باقية بقوة في الجيلين الحاضر والمستقبل.

لم يتوقف الفنان خالد الزايد عند هذا العطاء المتميز في تقديم الأغنية الكويتية الأصيلة المطورة، بل تجاوزه إلى تطوير موسيقاه، فأكسبها طابعاً شعبياً نابعاً من روحه الكويتية، وأبرز معالم الموسيقى الخليجية من خلال استعماله أوزاناً مختلفة وأتقنها.

لم يكتف الزايد بالألحان الكويتية، بل تعداها إلى الألحان العربية والخليجية، فغنى ألحانه أكثر من فنان من بينهم: السعودي عبد المجيد عبد الله، القطري علي عبد الستار، الراحل طلال مداح في أغنية «أبعد عني».

في إطار تعاونه مع دول مجلس التعاون الخليجي قدم خالد الزايد ألحاناً للمطرب السعودي محمد عمر، وتعاون مع صناع الكلمة الغنائية السعودية، فمن كلمات الأمير تركي عبد الصمد غنى المطرب السعودي محمد عمر أغنيتي «أقبلت» و{أشوف فرحة»، ومن كلمات الأمير خالد بن يزيد أغنية «خذنا الكلام»... فأصبحت هذه الأغاني محطات ناجحة في العلاقة الفنية الوثيقة التي تربط بين دول مجلس التعاون الخليجي.

كذلك غنى محمد عمر من ألحان خالد الزايد ومن كلمات الشاعر الغنائي الكويتي مبارك الحديبي أغنيتين من أجمل ما غنى هما: «فقدانك» و{تواعدنا».

يقول الفنان خالد الزايد عن التعاون الخليجي مع الأغنية الكويتية: «لا بد لنا من أن نتعاون كفنانين عرب أو خليجيين، لكن أعتقد أن من الأجدر أن يكون هذا التعاون عبر إيجاد لغة وسطى يفهمها العماني والمغربي والكويتي، ما يساعد على انتشارها وزيادة قدرتها على أداء دورها من خلال تعاطف الجميع وإقبالهم عليها».

من ألحان الفنان خالد الزايد غنت المطربة المصرية حورية سامي (من أبرز الفنانات العربيات) «ما ينشاف» من كلمات ماجد سلطان، «أنا الكويت»، أغنية وطنية بمشاركة المطرب حمد السليم وكلمات محمد محروس، يقول في مطلعها:

يا من بأحضاني ربيت

يا من على أرضي مشيت

أنا أمكم

أنا الكويت

في التسعينيات تعاون خالد الزايد مع عناصر شبابية غنائية في الساحة الكويتية، فلحن للمطرب صلاح بوناشي أغنية «عذبني في غرامه»، من كلمات الشاعر الغنائي مبارك الحديبي، يقول في مطلعها:

يا حالتي حاله

ما بعدي من ياله

كلما أشيل اشراع

قص الهوى حباله

كذلك غنى له فايز الشريدة، المطرب فريج «قلبي تأثر» (1995)، خالد بن حسين، محمد مبارك، غازي العطار ثلاث أغنيات: «يا غدارة» من كلمات مبارك رباح، يقول فيها:

يا غداره نسيتيني

ذكرتك ما ذكرتيني

تحريت الوصل منك

وخفيت الألم عنك

«لا تقول» من كلمات مبارك الحديبي، «يالله تصبرني»، يقول في مطلعها:

يا الله تصبرني على بلوه

القلب حبه وزاد تنهيده

غرون ذبحني بالهوى ممشاه

وحالي كمن المجروح في عيده

مطربون كبار

أحد المطربين الكبار الذين غنوا من ألحان خالد الزايد: نبيل شعيل في «يابو جديلة» من كلمات الشاعر عبد الله العجيل، يقول في مطلعها:

يابو جديله صابني منك بالجوف

رمشي بهرني وشاقـني في دلاله

حاولت اترجم لهجة الرمش بحروف

عيت شفاتك تنطق الحرف لا لا

في عام 1996، طوّر الملحن خالد الزايد لحناً للفنان عبدالله الفرج (أبو الأصوات) بناء على تكليف من «مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك» لدول الخليج العربي، هو عبارة عن لحن أغنية صوت عربي بعنوان «ليالي بعد الضاعنين» غناه الفنان غريد الشاطئ وأذيع في وسائل إعلام مجلس التعاون الخليجي... كذلك غنى له المطرب مصطفى أحمد أغنية «يسعد صباحك» (1999) وسجلت الفنانة المصرية أنغام أغنية «منسية»، التي سبق أن غنتها الفنانة الكويتية الراحلة عائشة المرطة... كانت هذه الأعمال آخر إنتاجاته الغنائية.

خالد الزايد مطرباً

حول خوضه مجال الغناء أوضح الفنان خالد الزايد أن فنانين كثراً في الكويت ومصر شجعوه على ذلك كونه يتمتع بصوت جميل وهو مجاز في إذاعة الكويت، لكن رغبته لم تكن في الغناء لأنه هواية فحسب، ومن هذا المنطلق كرّس نفسه للتلحين.

وعن أولى تجاربه مع الغناء قال: « في أواخر السبعينيات من القرن الماضي غنيت بصوتي أغنية «كل ما الهوى حرك عليه الباب» برفقة «فرقة الإذاعة الموسيقية»، من كلمات الشاعر مبارك الحديبي وألحان الفنان فيصل عبد الله وغنائه، وبتشجيع من الإعلامي محمد السنعوسي الذي كان يشغل منصب وكيل مساعد لشؤون التلفزيون في وزارة الإعلام آنذاك، وتم تصويرها لتلفزيون الكويت».

كذلك أدى أغاني مسرحية

لـ «فرقة المسرح الشعبي»، ومقدمة المسلسل الدرامي «مبارك» (في الثمانينيات) تأليف السيد حافظ، إخراج كاظم القلاف، إنتاج «مؤسسة البدر للإنتاج الفني»، بطولة محمد السريع وعائشة إبراهيم.

ألحان شعبية

من خلال تعاونه مع «فرقة التلفزيون للفنون» ابتكر الفنان خالد الزايد ألحاناً شعبية مطورة وحديثة بالإضافة إلى التدريب، وقدم للأغنية الكويتية مطرباً شابا أكاديمياً يتمتع بصوت جميل وأداء متميز هو ابنه هيثم، وأبدع له ألواناً غنائية تمثل مراحل حياته في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وقال عنه: «عمل حساباً للألوان الشعبية وربما يسير وفق خطوات والده، ويحمل رسالة ومسؤولية وهو شخص مؤهل أكاديمياً».

وفاته

توفي الفنان خالد الزايد يوم السبت الموافق في 29 نوفمبر 2008 بعد رحلة طويلة مع الفن الأصيل، حافظ فيها على طابع الموسيقى والغناء الكويتيين الأصيلين وتفنن في تطويرهما والارتقاء بهما، معتمداً على التراث والفولكلور الشعبي، فكان اللحن يخرج من كيانه وأصالته التي تربطه بتاريخ الموسيقى العربية والخليجية، مشكَّلاً بأحاسيسه وذوقه وارتجاله الخاص وبتعبير موسيقي كويتي وخليجي الطابع، في إطار عصري سواء في الفكرة أو القالب أو في الوحدة...

الحق يقال إن ألحانه تدلّ على مقدار تمكنه من فنه واعتزازه بكرامته، بدليل صموده العنيد أمام التيار الحديث الذي انساق إليه غيره...

من أقواله

• كانت الأغنية قبل الغزو تتهم بالاستهلاكية أكثر من اللازم، وهذه صفة الأغنية التجارية التي سيطرت عليها حالة استرخاء شديدة لعدم وجود منبه أو باعث لها. لكن بعد الغزو أصبح الكل متألماً ومتأثراً ومثابراً، والعاقل هو الذي يصحح أفكاره، وعلينا أن نغير خارطة حياتنا بما فيها الأغنية نفسها، ولا نسمح بدخول الأغنية المبتذلة إلى بيوتنا بحجة الترفيه، ولو استمررنا في حالة اللامبالاة سنقف مكاننا، بل وستنتكس الأغنية. كذلك علينا التمسك بتراثنا فمتى انفصلت الأغنية عن جذورها، أصبحت كائناً مشوهاً لا هوية لها.

• لا أمانع من التعامل مع مطربين شباب، بالعكس، أحب أن أقدم أصواتاً جديدة لكن وفق ضوابط.

• ثقافتنا في الخليج العربي متقاربة، لذلك أتمنى أن ننطلق إلى العالم بأعمال نساهم فيها كخليجيين ونضع بصماتنا عليها، وأنا متأكد من أنها ستنجح كما نجحت لقاءات بين فنانين على مستوى فردي.

• كانت البداية من إجازتي في الإذاعة سنة 1967، إلا أن تلك المرحلة ارتبطت عندي بمحاولات غير ناجحة، على أساسها أعتبر أن بدايتي الحقيقية بدأت من وقت تفهمي لما يريده الناس من عطاء فني لدي، والمشاركة في تقبل ما أعطيه لهم.

• انتشرت الأغنية الكويتية بسبب إيقاعها السريع وبساطة الجمل الموسيقية وجمالها، ونلاحظ أيضاً أن ثقافتنا في الخليج العربي متقاربة، لذلك أتمنى أن ننطلق إلى العالم بأعمال نساهم فيها كخليجيين ونضع بصماتنا عليها.

• أسهم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في انتشار الأغنية الكويتية في أنشطة عديدة ومنها: أسابيع ثقافية، ندوات، متابعة أغنية الطفل وحمايتها.

• دور وزارة التربية خطير جداً وتقع على عاتقها مسؤولية كبيرة.

• الأغنية تحمل ثقافة وفكراً وفناً واتجاهاً وطنياً وغير ذلك، لما تتمتع به من جاذبية تصل إلى الجميع.

• لم تتح لجمعية الفنانين الكويتيين التعبير عن رأيها في كل ما يجري على الساحة الفنية، حاولت مرراً وتكراراً التنويه بضرورة أخذ رأيها، بصفتها طرفاً يجب استشارته كمرجع مهم للارتقاء بالأغنية الكويتية، إذ يجب أن يكون لها رأي قاطع في هذا الصوت وذاك من الفنانين المستجدين، سواء من ناحية صلاحية الصوت أو عدمه، لكن كل ذلك لا يحدث. يقع فنانون كثر فريسة سهلة لجشع طفيليين في مجال الإنتاج الفني الغنائي، فلو كانت الجمعية طرفاً بين الفنان والمنتج لما استطاع المنتجون تقييد الفنانين الشباب بقيود فيها ظلم كبير لهم.

• الجمعية دائماً مفتوحة لكل من يحب أن ينتسب إليها سواء من الفنانين القدامى أو من الفنانين المبتدئين.

• عندما تسمع الأغنية الكويتية الحالية لا تستطيع أن تحدد هويتها مع وضوح الكلمة فيها، بسبب تشتت فكر الملحنين والشعراء، ويلاحظ أنك عندما تسمع ما أنتج في الستينيات والسبعينيات وربما الثمانينيات تتعرف إليها بسهولة.

• أنا ضد إعادة تسجيل أغان سابقة، المفترض تقديم أعمال جديدة، وما الهدف من تكرار تجارب نالت النجاح في زمنها؟

• سبب عزوفي عن التعاون مع الزملاء الفنانين في أشرطة الكاسيت انصراف هؤلاء عن اللون الشعبي الذي يستهويني والذي أحب أن أقدمه.

• الأغنية الكويتية الآن ضائعة الملامح، لا تستطيع التعرف إلى هويتها إلا من خلال مفرداتها.

قالوا عنه

عبد الكريم عبد القادر: الكلمات قليلة بحق هذا الفنان الكبير الذي يعتبر فقدانه خسارة للساحة الغنائية في الكويت، وأنا شخصياً عاصرته وزاملته كفنان، كان راقياً في التعامل وذا أخلاق رفيعة، ومن الأعمال التي قدمتها من ألحانه أغنية «هقاوي» من كلمات الشاعر مبارك الحديبي، وهي من الألحان التي أعتز بها في مشواري الفني.

يوسف المهنا: الفقيد شخص متميز في مجال التلحين على المستويين المحلي والخليجي، خدم الموسيقى وفرقة التلفزيون كثيراً، التقيت به وكان آخر لقاء قبل شهرين في القاهرة، وتحدثنا في أمور الفن طويلاً. يحمل طيبة في قلبه قلما تجدها في فنان آخر، كما لا أنسى اللقاءات التي جمعتني معه في جمعية الفنانين الكويتيين في السنوات الماضية.

غنام الديكان: رحيل الفنان خالد الزايد خسارة كبيرة للفن الغنائي والموسيقي الكويتي... وهو يعد من أبرز الملحنين... اكتشف أصواتاً غنائية وقدّم لها ألحاناً خالدة على الساحة الفنية، من بينها: الراحلة عائشة المرطة، رباب، راشد سلطان، فيصل عبد الله، وكانت له مساهمات فعالة في وضع ألحان كويتية جديدة، إلى جانب أنه أحد الأعمدة الموسيقية الغنائية التي يشار إليها بالبنان التي شاركت في مسيرة تطوير الأغنية الكويتية.

مبارك الحديبي: خبر وفاته كان مفاجأة بالنسبة إلي، وأثر في نفسيتي فأنا لم أره منذ فترة طويلة ويعدّ من أعز أصدقائي الذين تعاملت معهم في أعمال غنائية ناجحة من بينها: «منسية» غنتها الفنان الراحلة عائشة المرطة، «حسبت إنك» غناها الفنان الراحل غريد الشاطئ وغيرها. فقدت الساحة الفنية الكويتية فناناً من الصعب تعويضه ليس على مستوى الكويت فحسب، بل على المستوى الخليجي ويعد ثروة موسيقية بالنسبة إلى الفن.

د. عبدالله الرميثان: فقدت الساحة الغنائية الكويتية أحد روادها العمالقة وأحد أعلامها الموسيقيين المثقفين الذين يمتلكون عناصر الأدب ومكوناته. خالد الزايد لا يعوض لكونه جمع بين مميزات الغناء والتلحين والشعر في آن، ومن ملحني «الدان» اليمني. حفظ القرآن الكريم وحمل لساناً سليماً في اللغة العربية، وهو فنان استقرت ألحانه في قلوب أهل الكويت جميعاً لأنها اتسمت بالبساطة والثوب الكويتي الأصيل. كان حنوناً ومحباً ووفياً ومسالماً في علاقاته المتميزة الطيبة مع الآخرين، وبالفعل يعدّ من أعمدة الفن الكويتي التي ستنهل منها الأجيال المقبلة.

أحمد الحمدان: صدمني خبر وفاة خالد الزايد، الذي رحل وهو في عز العطاء والاجتهاد والعمل، كان من الملحنين الحريصين على عملهم.

مدّ الله الفرج: خسرت فرقة التلفزيون أحد ركائزها الأساسية، خصوصاً أن أعمالاً غنائية عدة من ألحان خالد الزايد كانت بصدد تسجيلها، وسترى النور في مناسبات وطنية مقبلة.

back to top