وردة الجزائرية تطوي أماكنها المحببة في أيامها الأخيرة

نشر في 21-05-2012 | 00:01
آخر تحديث 21-05-2012 | 00:01
No Image Caption
الجريدة• تنشر حلقات عن سيرتها ولحظات وفاتها   3

تنشر «الجريدة» فيما يلي حلقات مخصصة عن حياة الفنانة الراحلة وردة الجزائرية، ولحظاتها الأخيرة في القاهرة، وظروف انتقالها إلى الجزائر، وكانت الحلقة الأولى تضمنت، حديثا عن بداياتها المبكرة، وشهادات على ألسنة مبدعين كويتيين ومصريين، فيما تضمنت الحلقة الثانية حكايات خاصة عن الحب في حياتها، والشائعات التي رافقت مسيرتها الفنية، وأما الحلقة الثالثة، والتي بين أيدينا فتتضمن الأماكن التي زارتها وردة قبل وفاتها، وكذلك أهم أغنياتها، وخاصة الوطنية منها.

اختلفت الأيام الأخيرة في حياة وردة عن غيرها من المطربات، فلم تكن أياما تقضيها على فراش المرض أو بأحد المستشفيات، بل كانت أياما اختلطت بالجولات الترفيهية وطلب السفر منتهية بأزمة قلبية مفاجئة أودت بحياتها في النهاية عن عمر يناهز ثلاثة وسبعين عاما، كما أن الأيام التي أعقبت وفاتها كانت حافلة بالإثارة والحزن على مستوى الوطن العربي الذي فقد واحدة من أهم الأصوات التي أثرته غنائيا وفنيا.

وردة الجزائرية المصرية كانت في فرنسا قبل أسبوع من وفاتها تجري بعض الفحوصات الطبية على عملية القلب المفتوح التي أجرتها قبل سنوات، ولم تكن في ذلك الوقت تعاني أية أزمات صحية، بل إنه وبشهادة المقربين منها كانت في حالة صحية جيدة قبل أن تغادر فرنسا إلى الجزائر، وكأنها تودع الأماكن التي تألقت بها في آخر أيامها، حيث شهدت فرنسا مولدها وبدايتها الغنائية في المطعم الذي امتلكه والدها الجزائري وقدمت خلاله العديد من الأغنيات قبل أن تبدأ رحلتها الفنية والموسيقية.

من فرنسا إلى الجزائر استقرت وردة ليومين، ولم تعلم أن هذه الزيارة هي الأخيرة لها في أحضان وطنها الأم، وأنها ستعود له ملفوفة بعلم بلدها الأول والثاني مصر والذي قضت فيها ثلاثة أيام قبل أن تغادر روحها، وكأنها بالفعل كانت تملي عينيها لآخر مرة بكل الأماكن التي عشقتها، وفي كل هذا الرحلات كانت بصحبة وردة سكرتيرتها التونسية نجاة التي رافقتها على مدار عشرات السنين ولم تفترقا إلا بالموت.

منطقة المنيل

في القاهرة وتحديدا بشارع عبد العزيز آل سعود بمنطقة المنيل كانت وردة تعيش آخر لحظات حياتها، برفقة صديقتها المصرية المقربة ناهد الشبوري، وخرجا معا في نزهة إلى مول «سيتي ستار» قبل يومين من وفاتها وكانت حينها تتمتع بصحة وفيرة ولم تكن تعاني أية أزمات، القدر قسم لوردة أن تودع أقرب رفيقاتها وأن «تتونس بها» في آخر لحظاتها.

ناهد الشبوري وكما تؤكد - كانت وردة جزءاً من حياتها يخرجان ويجلسان معا في المنيل تارة وفي فيلا الشبوري تارة أخرى، حتى جاء اليوم الموعود حينما كانت آخر الساعات في حياة وردة.

رياض ابن وردة أكد أنها طلبت أن تغادر إلى الجزائر قبل ساعات من وفاتها، لم يفهم سر إلحاحها في السفر وكأنها كانت تخشى ألا يمهلها القدر فرصة لأن تودع موطنها الأصلي مرتين واكتفى بوداع وحيد قبل أيام من وفاتها.

اللحظة الأخيرة

حين جاءت اللحظة الأخيرة والتي أصيبت فيها وردة بالأزمة القلبية فشلت كل المساعي التي أجراها الأطباء لمساعدتها، وتم استدعاء ناهد الشبوري التي جاءت إليها ولكن كل المحاولات لم تجد حتى فارقت روحها جسدها، وحين نشر الخبر التف جميع المقربين منها حولها، وحضروا جميعا إلى بيتها، وكان في مقدمة الحضور صلاح الشرنوبي الذي رافقها فترة طويلة في مشوارها الفني، كذلك هاني مهنا ووجدي الحكيم الذي ارتبط معها بصداقة طويلة الأمد، وكذلك حضرت أنغام والتي أصيبت بالإغماء أثناء وجودها بالشقة مع جثمان وردة ثم شيرين وفيفي عبده ونبيلة عبيد وغادة رجب، كل هؤلاء من أجل إلقاء نظرة الوداع على جثمانها، وكذلك الوفد الجزائري والسفير الجزائري.

يوم الجنازة

يوم الجنازة كان مليئا بالكواليس، حيث تم نقل الجثمان في الأسانسير والذي طالما صعدت به تدندن بصوتها، وها هي تنزل منه جثة هامدة لا تحرك ساكنا، وحينما فتح الأسانسير وأخرج أحد الموجودين هاتفه اعتدت عليه سكرتيرة وردة بالضرب خوفا من أن يقوم بتصوير جثتها. ثم تم نقل الجثمان إلى المسجد لأداء صلاة الجنازة ملفوفا بالعلمين المصري والجزائري ثم منه إلى قرية البضائع بالمطار حيث الطائرة العسكرية التي تنتظر وردة بأمر من الرئيس الجزائري بوتفليقة، وقد دخل بعض معارف وردة لإلقاء النظرة الأخيرة عليها في المطار بصحبة السفير الجزائري.

في الجزائر

هناك في الجزائر كان الاستقبال الشعبي لوردة بوصفها رمزاً من رموز الغناء وهناك كان رياض ينهي كل الإجراءات الخاصة بمراسم دفن وردة في مقبرة «العالية» التي يتم دفن كل الشخصيات الشهيرة والزعماء بها كيف لا وهي أحد الرموز الفنية الجزائرية، وهناك وضع جثمان وردة بقصر ثقافة «مفدي زكريا» بعدما تم نقله من مطار هواري بومدين والذي كان يتواجد به وزير الخارجية الجزائري بصحبة وزراء الثقافة والاتصال كذلك عدد كبير من المثقفين والأدباء والفنانين والقائم بأعمال السفارة المصرية في الجزائر، كل هؤلاء من أجل نظرة وداع على وردة أحد رموز الغناء، وتم وضع الجثمان بقصر ثقافة «مفدى زكريا» كي يسمح لأبناء الشعب الجزائري بإلقاء نظرة الوداع عليها قبل أن يتم دفنها بمثواها الأخير، تلك اللحظات التي اختلطت فيها الدموع بين الجميع، فحكاية وردة مع الزمان انتهت وقد ودعها ابنها رياض الذي كان في استقبالها بالجزائر وكذلك ابنتها وداد، وقد أقيمت جنازة رسمية من أجل وردة شارك فيها جموع وطوائف الشعب فكان المواطن الجزائري البسيط إلى جوار الفنان الجزائري والمسؤول الجزائري كل هؤلاء من أجل تشييع جنازة الراحلة، ولأنها كبقية الرموز الفنية في الجزائر وأيضا إحدى الشخصيات العامة التي لطالما أثرت مجالها فكان مثواها الأخير في الدنيا إلى جوار هؤلاء المشاهير وهذه الشخصيات البارزة بمقبرة «العالية» حيث وضع جثمانها ليسدل الستار على أميرة الغناء العربي والتي ستظل أغنياتها حاضرة في أذهاننا باقية في ذاكرتنا ووجداننا.

هكذا كانت الأيام الأخيرة من حياة وردة طافت خلالها البلاد الثلاثة التي عاشت فيها وأحبتها

ولها فيها آلاف بل ملايين الذكريات، حرصت خلالها (عمدا أو سهوا لا يهم) على أن تلتقي أصدقاءها المقربين لكنها حرمت من وداع أبنائها، وكأن القدر كتب عليها أن تفارقهم للأبد.

back to top