سياسة أوباما في الشرق الأوسط لا جدوى منها!
لا يأخذ القادة في أنحاء الشرق الأوسط المختلفة تهديدات أوباما على محمل الجد، فلا يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو حكام الدول العربية المختلفة أنه قد يختار الحل العسكري ليوقف برنامج إيران النووي خلال ولايته الثانية.
ثمة قول قديم عن أن الليبراليين الأميركيين يدعمون التدخل العسكري في أي صراع أجنبي شرط ألا يجنوا من ذلك، أي مصلحة شخصية. فإن كانت القضية إنسانية بحتة (إن كانت الفوائد المحلية لا تتعدى تعزيز المبادئ الأخلاقية الأميركية)، فقد يقبل الليبراليون اللجوء إلى القوة العسكرية بغية مساعدة شعب جائع، أو محتل، أو مظلوم.وهنا نأتي إلى القضية السورية المعقدة... فمثلما هو حال كثير من المراقبين لسلوك إدارة أوباما، أقف حائراً أمام لامبالاتها حيال اتخاذ حتى خطوات بسيطة قد تحسم نهاية نظام بشار الأسد. يشير المرصد السوري لحقوق الإنسان الى أن أكثر من 30 ألف شخص لقوا حتفهم منذ انطلاق الانتفاضة ضد الأسد، فضلاً عن أن أعداداً لم تُحص أصيبوا أو عذبوا أو اغتُصبوا.الثوار السوريون هم اليوم بأمس الحاجة إلى دعم تستطيع الولايات المتحدة أن تقدمه لهم، فبإمكان الأميركيين أن يعطلوا بفاعلية دفاعات سورية الجوية ويفرضوا منطقة حظر جوي ليعيقوا مروحيات الأسد من تنفيذ الهجمات. وكما أشار مايكل دوران وماكس بوت في مقال نُشر أخيراً في صحيفة "نيويورك تايمز"، وحدها الولايات المتحدة تستطيع قيادة جهود دولية لإنشاء ممرات آمنة بين الحدود التركية ومدينة حلب المحاصرة. وإن تمكن الثوار من السيطرة كاملاً على حلب، يكونون بذلك قد رسموا نهاية نظام الأسد وممارساته الوحشية.تفسير مبهمإذن بماذا يُفسَّر تردد الرئيس باراك أوباما؟لعل دعابة الليبراليين محقة. ففي ليبيا، حيث استعان أوباما بالقوات الجوية لإسقاط نظام معمر القذافي، الذي تُعتبر جرائمه مريعة، إلا أنها أقل وحشية من جرائم الأسد، ما كانت مصالح الأمن القومي المهددة كبيرة. ولكن في سورية، تُعتبر مصالح الأمن القومي بالغة الأهمية. ولا يبدو تردد أوباما منطقياً لأن مصالح الولايات المتحدة الشخصية واضحة وضوح الشمس. وما من مبرر مقنع لسلبيته هذه.أيُعقل أن أوباما يحاول تفادي التورط في صراع أجنبي خلال سعيه للفوز بولاية ثانية في البيت الأبيض؟ إذا صحّ ذلك، يكون أوباما متهماً بالإهمال الإجرامي. فهل يقبل أن يحرم شعباً بريئاً معرضاً للخطر من المساعدة فقط لأن توسيع تدخله قد يحد من فرص إعادة انتخابه؟ أشك في ذلك. إليكم تفسير محتمل آخر: قد لا يكون أوباما بارعاً في رسم استراتيجيات السياسة الخارجية، كما توحي لنا حملته، لا شك في أنه أصاب النجاح في مواضع كثيرة، ولي ملء الثقة من أنكم تعون ذلك. فقد مات أسامة بن لادن (قتله، على ما يبدو، أوباما الذي لا يستخدم أي سلاح غير شوكة وقلم رصاص). ورغم تأكيد الجمهوريين العكس، حقق أوباما نجاحات أكبر من سلفه، جورج بوش الابن، في عرقلة طموحات إيران النووية.لكن سجل أوباما بشأن الشرق الأوسط يُظهر أن تفويت الفرص بات عادة متَّبعة في البيت الأبيض. وتُعتبر سورية المثال الأبرز لذلك. فالأسد من أهم داعمي الإرهاب (بخلاف القذافي الذي كان قد تخلى عن رعاية الإرهاب عندما ثار الشعب ضده)، ويُشكّل نظامه حليف إيران العربي المهم الوحيد. ولا شك في أن نزع مخالب الجمهورية الإسلامية هو اليوم شغل الولايات المتحدة الشاغل في الشرق الأوسط. وما من خطوة قد تعزل إيران (وحليفها حزب الله في لبنان) بقدر إسقاط نظام الأسد واستبداله بحكومة تتمتع بدعم الغالبية السنية في سوريا. كذلك يُعتبر منع المتطرفين الإسلاميين من السيطرة على الحكومة السورية المقبلة سبباً آخر بالغ الأهمية لتوسّع الولايات المتحدة تدخلها في سورية.ضعيف وغير فاعلما زال أوباما اليوم متمسكاً بسلبيته، التي باتت محوراً يتكرر في مقاربة الإدارة إلى شؤون الشرق الأوسط، شأنها في ذلك شأن "الاحتياط العدائي" (aggressive hedging)، مصطلح ابتكره شادي حميد من معهد بروكينغز ليصف تردد أوباما الغريب في الانحياز إلى أحد الأطراف خلال انتفاضات الربيع العربي.أخبرني حميد، الذي يدير مركز بروكينغز في الدوحة: "يسود المنطقةَ الاعتقادُ أن أوباما رئيس ضعيف وغير فاعل. لربما كرهت شعوب هذه المنطقة بوش، إلا أنها كانت تخشاه أيضاً، وندرك مما تعلمنا في الشرق الأوسط أن الخوف يكون أحياناً أمراً إيجابياً، لكن احتياط أوباما العدائي نفّر كلا الطرفين في الربيع العربي. فيعتقد الحكام المستبدون... أن أوباما يدعم بسذاجة الثورات العربية، في حين أن المتظاهرين والثوار العرب يظنون العكس، على ما يبدو".لا يأخذ القادة في أنحاء الشرق الأوسط المختلفة تهديدات أوباما على محمل الجد. فلا يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو حكام الدول العربية المختلفة أنه قد يختار الحل العسكري ليوقف برنامج إيران النووي خلال ولايته الثانية.ومع أننا لا نستطيع وصف تعاطي أوباما مع مفاوضات السلام في الشرق الأوسط بالسلبية، ولكن من الممكن اعتباره متهوراً. فقد طالب أوباما علانية نتنياهو بتجميد نمو المستوطنات في الضفة الغربية. وعندما استجاب نتنياهو بشكل جزئي ومؤقت لطلبه هذا، لم يحرك أوباما ساكناً في المقابل. أخطأ أوباما برسمه خطاً أحمر في مسألة المستوطنات، التي تُعتبر ثانوية (لو قبِلَ الإسرائيليون والفلسطينيون بترسيم الحدود لحلّت مشكلة المستوطنات تلقائياً). ولكن بما أنه جعل من مشكلة المستوطنات المحور الرئيس من دون أن يقدِم على خطوات لاحقة، أعاق عملية السلام. ومن وجهة النظر العربية، لم يلتزم أوباما بالسياسة التي أعلن عنها، ما أساء إلى صورته.يذكر حميد: "عامل نتانياهو وعدد من القادة الإسرائيليين أوباما بازدراء، مضعفين إياه ومسببين له الإحراج، وهم مقتنعون بأن أوباما لن يتخذ أي خطوات لإصلاح هذا الوضع".يُعتبر الشرق الأوسط مأساة الرؤساء الأميركيين، فقد سعى قليلون منهم، بمن فيهم أوباما، الى النجاح في تسيير الأحداث فيه بطريقة تعود بالفائدة على الولايات المتحدة.