مرسي خان آمال مصر لتمرير دستور يرضي الإسلاميين

نشر في 13-12-2012
آخر تحديث 13-12-2012 | 00:01
تعتبر الثورة اليوم أن مرسي فقد شرعيته لأن الأغلبية الهشة التي حصدها انبثقت من أطراف الثورة التي صوتت له لاستبعاد سلطة الجيش والنظام القديم، لكنه خان الثوار الآن وأصبحت يداه ملطختين بالدم.
 الغارديان في صباح يوم الأحد، حلّقت 10 طائرات مصرية من طراز F16 فوق ميدان التحرير. كان الجيش يضيف طبقة ثالثة إلى جدار الإسمنت الذي يحيط بالقصر الرئاسي، وأعلن متحدث باسم حزب النور السلفي "إطلاق ثورة إسلامية لفرض حكم إسلامي كامل في مصر إذا تعرض مرسي للخطر أو تم اغتياله هناك". بدأ ينشأ جو من الخطر وباتت الأزمة تلوح في الأفق، لكن لم تكن القوى العلمانية المصرية (اليسارية منها أو الليبرالية) هي التي عمدت يوماً إلى ارتكاب أعمال القتل بدم بارد، فلو كنتُ مكان مرسي، لتصرفتُ بحذر أكبر.

كان الرئيس مرسي يحاول إرضاء أطراف متعددة: جماعته الخاصة المتمثلة بـ"الإخوان المسلمين"، والإسلاميون الآخرون الذين يعتبرون أن "الإخوان" ليسوا إسلاميين بما يكفي، والأميركيون، ومفهوم "الدولة العميقة" (أو "السميكة" كما تسمّيها الثورة).

كانت مطالب الثورة واضحة: عيش وحرية وعدالة اجتماعية. فيما يخص "الحرية" رفض مرسي إعادة تنظيم بنية جهاز أمن الدولة. فقد عيّن في منصب وزير الداخلية الرجل الذي كان رئيس شرطة القاهرة في عام 2011، حين قُتل المحتجون في شوارع المدينة. كذلك، يستمر قتل الناس في السجون ومراكز الشرطة في أنحاء البلد.

فيما يخص الاقتصاد اتضح أن برنامج "الإخوان" يشبه برنامج مبارك: زار مرسي الصين برفقة عدد من أبرز حلفاء مبارك في قطاع الأعمال، وتتحدث أوساط البنوك عن صفقات سبق أن أبرمها مسؤولون رفيعو المستوى وأقرباؤهم، ولم يعد اقتراض الأموال من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي خطيئة مشينة فجأةً. في غضون ذلك، يستطيع الرئيس إصدار أفظع الإعلانات الدستورية لكنه يعجز عن اتخاذ أبسط الخطوات لتحديد الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور.

بالتالي، يتماشى موقفه من الأمن والاقتصاد مع مفهوم "الدولة العميقة" وهو يرضي الولايات المتحدة أيضاً، لكن يريد الإسلاميون تحقيق تغيير ثوري في الإيديولوجيا الاقتصادية والممارسات الأمنية. كيف يمكنه أن يهدّئ من روعهم؟ هو ينصب لهم الفخ الذي يستعمله كل واعظ ديماغوجي: "سننظف المجتمع وسنحكم استناداً إلى كلمة الله. نحن سنكتب الدستور وكل من يعترض عليه يعارض كلمة الله".

لكن للتهرب من تحقيق الوعود بـ"الحرية" و"العدالة الاجتماعية" خلال المرحلة الراهنة، يقوّي الرئيس موقعه بصلاحيات استثنائية كي يتمكن من طرح الدستور الضبابي للاستفتاء. (تخلى الآن عن هذه الصلاحيات ولكنه يصر على إجراء الاستفتاء).

كان من المتوقع أن يحتجّ مئات آلاف الناس، لكن ما لم يكن متوقعاً هو أن تهاجمهم عصابات على شكل ميليشيات سلّحها "الإخوان المسلمون" بالعصي والسكاكين والمسدسات، ولم يكن متوقعاً أن تعلن قيادة "الإخوان" أن القتلى المنتمين إليها أصبحوا في الجنة بينما ذهب القتلى من المحتجين إلى جهنم، أو أن يدعي المرشد الأعلى على التلفزيون أن الشاب الظاهر في الملصق وراءه كان أحد ضحايا "الإخوان المسلمين" مع أنه كان في الحقيقة أحد المحتجين أحمد فيصل. ولم يكن متوقعاً أن ينشر "الإخوان" جماعات لهم في المشرحة كي يحاولوا ادعاء أن الجثث تعود إليهم وكي ينظموا لهم مراسم تشييع "إخوانية"، وفق شهادة شقيق الضحية محمد السنوسي. القتيل من "الإخوان المسلمين" هو شهيد. أما القتيل المسلم فهو بلطجي! ماذا عن القبطي المصري كرم جرجس؟

لا بد من مقاربة هذا الصراع على الدستور بعيداً عن هذه الخلفية التي يحاول الرئيس من خلالها إرضاء الناخبين الإسلاميين وخطف هوية البلد.

لا شك أن أي زعيم يريد توحيد البلد كان سيحتكم إلى دستور عام 1971 إلى أن نتجاوز هذه الأوقات الصعبة، لكننا نواجه مجدداً رئيساً ينتظر أن يقتل المصريون بعضهم بعضاً في الشوارع قبل أن يضع السياسة الحزبية جانباً ويحاول لعب دور القيادة بما يخدم مصلحة الشعب.

تعتبر الثورة اليوم أن مرسي فقد شرعيته لأن الأغلبية الهشة التي حصدها انبثقت من أطراف الثورة التي صوتت له لاستبعاد سلطة الجيش والنظام القديم، لكنه خان الثوار الآن وأصبحت يداه ملطختين بالدم.

عمد أصحاب العقول الراجحة في "الإخوان" إلى مغادرة المنظمة بشكل تدريجي بعد أن أصبحت سياساتها المنحازة واضحة ودرجة التلفيق والمواقف المتبدّلة فاضحة.

أثناء كتابة هذه السطور، يحيط آلاف الإسلاميين بمدينة الإنتاج الإعلامي (مقر القنوات التلفزيونية غير الحكومية). التقطت إحدى كاميرات الفيديو رجلاً ملتحياً ضخماً وهو يضع يده على فم إحدى المحتجات، شاهندة مقلد، وهي ناشطة سياسية محبوبة ومعروفة في ساحات الاحتجاج. يمكن أن نرصد هذا الرجل نفسه في صورة رسمية حول الرئيس، وفي الفيديو، تُبعد شاهندة يد الرجل عنها: لا يمكن إسكاتنا!

back to top