قوى ثلاث كبرى تستطيع المساهمة في إنقاذ أفغانستان

نشر في 11-10-2012
آخر تحديث 11-10-2012 | 00:01
ربما لم نخسر الحرب في أفغانستان بعد ولكننا لم نربحها أيضاً، في عام 1986، تذمر ميخائيل غورباتشيف قائلاً: «قام مليون جندي بعبور أفغانستان، ولن نتمكن من شرح سبب عدم استكمال المهمة أمام شعبنا. لقد تكبدنا خسائر فادحة! وما كان المقابل؟».
 ذي تيليغراف منذ 11 سنة على وجه التحديد، أقدمت الولايات المتحدة وبريطانيا على غزو أفغانستان حين كانت الجراح التي خلفتها اعتداءات 11 سبتمبر لا تزال حيّة وحديثة العهد، فوصلت القوات العسكرية وهي في حالة غضب وجمعت الحلفاء ووسعت طموحاتها. اليوم، يبدو أن ذلك الغضب تلاشى، وأن هؤلاء الحلفاء تعبوا وأن تلك الطموحات استُنزفت. تُعتبر هذه الحملة أصلاً الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، وهي تفوق بأشواط مدة حرب الاستقلال الأميركية وحرب فيتنام.

صحيح أن القوات المقاتلة لن ترحل قبل سنتين، لكن يبدو أن العد التنازلي بدأ، ففي الشهر الماضي مثلاً، أوقف حلف الأطلسي تدريب الشرطة الأفغانية المحلية وانسحب من الدوريات المشتركة الروتينية. حصل ذلك نظراً إلى صعوبة مواجهة سقوط الضحايا طوال عقد من الزمن على يد عدو مبهم يملك مخابئ آمنة في باكستان، لكن الأصعب من ذلك هو التعرض للغدر من أقرب الحلفاء.

حتى هذه المرحلة من السنة الراهنة، قُتل 51 عنصراً من قوات حلف الأطلسي على يد حلفائهم الأفغان خلال اعتداءات داخلية (كان العدد يقتصر على 35 في السنة الماضية). قُتل ربع الضحايا البريطانيين وأكثر من عُشر جنود حلف الأطلسي بهذه الطريقة خلال الأشهر العشرة الماضية، ولا شك أن تلاشي الثقة بالزملاء الأفغان يمسّ جوهر استراتيجية الحرب التي كانت تقضي بتحويل قوى الأمن الأفغانية إلى معسكر يتصدى لحركة "طالبان".

يمكن إلقاء اللوم على جهات كثيرة مع أن الحكومة الأفغانية يجب أن تتحمل أكبر نسبة من المسؤولية، ويبدو أن بعض المسؤولين فيها فضلوا ملء جيوبهم بالمال بدل تطبيق الإصلاحات. تم تهريب أموال نقدية بقيمة 8 مليارات دولار تقريباً إلى خارج البلد في السنة الماضية. حين يتحدث الدبلوماسيون الغربيون عن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، غالباً ما تشبه لهجة الكلام تلك التي أحاطت بالأجيال السابقة التي شملت عملاء غير فاعلين للولايات المتحدة، مثل نغو دينه ديم في جنوب فيتنام أو شيانغ كاي شيك الذي كان ينتمي إلى القوميين الصينيين.

 يتهامس الدبلوماسيون في ما بينهم عن أن كرزاي شخص متهور ومصاب بجنون العظمة، لكن حتى بعد رحيله في عام 2014 كما هو مقرر، ستكون الدولة التي يسلّمها إلى خلفه عبارة عن فوضى كارثية مبنية على مركزية الحكم.

سيكلّف الجيش الأفغاني حوالي 8 مليارات دولار سنوياً، لكن من أين ستأتي تلك الأموال؟ اعتبر 69% من الأميركيين الذين شاركوا في استطلاعات الرأي في شهر مارس أن الولايات المتحدة يجب ألا تخوض الحرب في أفغانستان بأي شكل. أظهر استطلاع آخر هذا الشهر أن 49% منهم أرادوا تنفيذ انسحاب فوري. على صعيد آخر، من المعروف أن الدول الأوروبية غارقة في مشاكلها الاقتصادية الخاصة.

ما من حل بسيط للمشكلة لكن يجب ألا يتردد حلف الأطلسي في طلب المساعدة، فخلال التسعينيات، حين اخترقت "طالبان" عمق أفغانستان، دعمت ثلاث قوى إقليمية (الهند وإيران وروسيا) خصوم "طالبان"، أي التحالف الشمالي. لا شك أن هذه المجموعة من الدول تُعتبر مثيرة للفضول. طوال سنوات، حاولت واشنطن منع الهند من التورط خوفاً من استفزاز باكستان. كذلك، قيل إن إيران، على الرغم من عدائها لطالبان، وفرت الصواريخ والتدريبات للمتمردين. من الواضح أن علاقات حلف الأطلسي متوترة مع روسيا أيضاً رغم محاولة باراك أوباما تفعيل سياسة "إعادة ضبط العلاقات" مع موسكو. مع ذلك، لدى هذه الدول الثلاث مصلحة جوهرية في إرساء الاستقرار في أفغانستان وإضعاف "طالبان".

تقدم الهند برنامج مساعدات بقيمة ملياري دولار في أفغانستان. في السنة الماضية، وقّعت دلهي وكابول أيضاً على شراكة استراتيجية: يتدرب الضباط الأفغان في الهند وثمة خطط لنقل المعدات العسكرية. إنه نوع المساعدات التي يجب أن يرحب بها البريطانيون الذين تعبوا من الحرب.

قد تبدو إيران حليفة غريبة، لكن في عام 2001، تعاون أعضاء من الحرس الثوري الإيراني (وهو الفريق نفسه الذي يدعم حملة القمع التي يشنها النظام السوري) مع وكالة الاستخبارات المركزية والقوات الأميركية الخاصة ضد "طالبان". حتى إن المسؤولين الإيرانيين كانوا مستعدين للعمل تحت القيادة الأميركية من أجل تدريب الأفغان، أما روسيا، فهي تملك 6 آلاف جندي في طاجيكستان وقد لعبت دوراً محورياً حين سمحت لقوات حلف الأطلسي بالحصول على الوقود والأسلحة بعد أن أغلقت باكستان ممرات الإمدادات في السنة الماضية، فلا ترغب موسكو في عودة القوى الأصولية إلى منطقتها الجنوبية. يجب ألا يؤدي التعاون مع تلك الدول إلى تقليص التزامنا بالتحاور مع "طالبان" للتوصل إلى تسوية سياسية، ويجب أن نسعى أيضاً إلى توسيع هامش الحرية في المحافظات الأفغانية بعيداً عن تدخل كابول. في غضون ذلك، من الضروري ألا ينهار الجيش الأفغاني. إذا لم نتعاون مع الدول التي تفكر مثلنا، ستقرر تلك الدول أن تعمل مع الميليشيات الفئوية الإثنية والمفضلة لديها، ما قد يؤجج الانقسامات داخل أفغانستان.

ربما لم نخسر الحرب في أفغانستان بعد ولكننا لم نربحها أيضاً، وفي عام 1986، تذمر ميخائيل غورباتشيف قائلاً: "قام مليون جندي بعبور أفغانستان ولن نتمكن من شرح سبب عدم استكمال المهمة أمام شعبنا، وقد تكبدنا خسائر فادحة! وما كان المقابل؟". خسر الاتحاد السوفياتي خمسة أضعاف الجنود التي خسرها حلف الأطلسي خلال فترة أقصر، لكن يمكن رصد مشاعر الخيبة التي شعر بها غورباتشيف اليوم.

في المجالس الخاصة، يفكر المسؤولون البريطانيون بسحب القوات البريطانية بوتيرة أسرع مما كان مقرراً، لكن علاج الصدمة ليس الحل، فلا يزال استقرار أفغانستان عاملاً مهماً، ولا يتعلق الأمر حصراً بسلامة الأفغان بل إن تجدد الحرب الأهلية سيؤجج التطرف في المنطقة، فلا يمكن أن يستمر حلف الأطلسي بانتقاء حلفائه على هواه، لا بد من تطبيق مبدأ الحد من الأضرار!

* شاشانك جوشي | Shashank Joshi

back to top