لماذا الصمت على ما يحدث في سورية؟

نشر في 25-10-2012 | 00:01
آخر تحديث 25-10-2012 | 00:01
No Image Caption
 Jonathan Freedland نعلم أن الحكومة لا ترغب بالتحرك، لكن ماذا عن الجهات الأخرى؟ بعد عام على مقتل معمر القذافي، يبدو أن فرص حدوث جولة جديدة من التدخل العسكري الغربي على طريقة ليبيا شبه معدومة في سورية. حتى ميت رومني المؤيد لاستعمال القوة لا يتعهد بخطوة مماثلة، كذلك، يتراجع عدد السياسيين الذين يتحدثون عن الخيارات غير العسكرية، فكيف بالحري عن خيار استعمال قوة السلاح؟

هم لا يقولون شيئاً لأن أحداً لا يضغط عليهم ويحثهم على رفع الصوت. في جميع أنحاء العالم، يسود صمت مطبق باستثناء بعض الدعوات اليائسة التي يطلقها عدد ضئيل من المغتربين السوريين والمطالب الأخيرة بتقديم المساعدات الإنسانية من جانب وزير الخارجية التركي. نحن نعلم الوقائع الحاصلة ونعرف ما فعله بشار الأسد منذ أن اندلعت التظاهرات في الشوارع احتجاجاً على حكمه منذ 19 شهراً.

 لقد أطلق الأسد مع قواته العسكرية حملة وحشية غير مسبوقة، حيث استعمل طائرات مقاتلة لقصف الأحياء المدنية واعتقال الأطفال وتجويعهم وتعذيبهم، حتى من كان في عمر السادسة وفق منظمة "أنقذوا الأطفال"، وقد أوقعت تلك الحملة حوالي 30 ألف ضحية.

يعرف الناس جميع هذه الأمور ولكنهم يلتزمون الصمت رغم كل شيء، ولا يعني ذلك ضرورة أن يطالبوا بتحرك عسكري فوري. بعد تجارب أفغانستان والعراق وليبيا، من المبرر أن يشعر الناس بالتعب والقلق، وأن يعتبر الكثيرون منهم أن التحرك في سورية شبه مستحيل من الناحية العملية.

أنا أتفهم ذلك، لكن ما لا أفهمه هو تراجع ضغوط الرأي العام على الجهات التي ترتكب أعمال القتل، بدءاً من نظام الأسد، فيبدو الرأي العام غير معني بما يحدث، وكأن أعمال الذبح الحاصلة في حلب وحمص ودمشق لا تزعجه.

لم تحدث أي تظاهرات حاشدة خارج السفارة السورية في لندن، ونادراً ما تظهر هذه الأحداث على الصفحات الأولى من الجرائد أو في عناوين الأخبار، حتى لو وقعت أعمال وحشية صادمة مثل مجزرة داريا التي قتلت 400 شخص في شهر أغسطس، تبقى تلك الأحداث عابرة.

ما من دعوات وجّهتها "لجنة الطوارئ في حالات الكوارث"، خلال مؤتمر حزب العمال، حصلت اجتماعات هامشية حول جميع المواضيع الممكنة، بدءاً من عادات الإنفاق عند المراهقين وصولاً إلى وضع الحيوانات الأليفة المحلية. لكن لم تُعقَد ولو جلسة واحدة تركز حصراً على سورية، علماً أن ذلك الحزب يجاهر بانفتاحه على المسائل الدولية.

لا تعكس تلك المواقف مساراً ثابتاً في السلوك العام بمعنى أننا لا نتأثر مطلقاً بسقوط الأبرياء في الشرق الأوسط، بل إننا نفعل، منذ أربع سنوات تقريباً، أطلقت إسرائيل "عملية الرصاص المصبوب" التي كانت تهدف إلى وقف إطلاق الصواريخ من غزة. أدت تلك العملية إلى مقتل حوالي 1400 شخص فلسطيني. طوال شهر تقريباً، وردت تلك القصة على الصفحات الأولى وكانت تظهر في بداية النشرات الإخبارية المتلفزة هنا وفي أنحاء العالم. حصلت تظاهرات واسعة وحادة. أنشأت "لجنة الطوارئ في حالات الكوارث" صندوقاً خاصاً وسعت إلى بث حملة متلفزة رفضتها قناة "بي بي سي" (BBC).

لكن تراجع هذا الزخم الآن، فلم يعد "تحالف أوقفوا الحرب" يدعو الآلاف إلى التجمع في وسط لندن للمطالبة بإنهاء القتال كما حصل حينها. بل على العكس من ذلك، يبدو أن تصريحات التحالف تكتفي بكل بساطة بمعارضة التدخل الغربي (وهو خيار مستبعد بالكامل) تزامناً مع رفض إدانة حرب الأسد على شعبه بكل تهذيب. لم تكتب كاريل تشرشل مسرحية جديدة بعنوان "سبعة أطفال سوريين" لتحليل عقلية العلويين التي تجعلهم قادرين على ارتكاب فظائع مماثلة مع أنها سارعت إلى كتابة مسرحية لتحليل نفسيّة اليهود في عام 2009. كذلك، لم تساهم أعمال الذبح الحاصلة في سورية في تحريك الشاعر توم بولين وحثه على الكتابة عن الموضوع. يبدو أن الضحايا السوريين لا يستحقون أي عمل فني، لقد صُدم روبرت فيسك (ليس مدافعاً عن إسرائيل) بتناقض الوضع فقال بكل أسف: "الرسالة بسيطة: نحن نطالب بالعدالة وبحق الحياة للعرب إذا تعرضوا للقتل على يد الغرب وحلفائه الإسرائيليين ولكننا لا نفعل ذلك حين يقتلهم العرب أنفسهم".

لكن يرفض الكثيرون هذا التحليل. يقول البعض إن جمود الرأي العام ومواقف اليسار المعادي للحرب ينجم عن واقع أن سورية عالقة الآن في حرب أهلية، ما يصعّب التمييز بين الصالحين والأشرار. لكن الهبات النقدية تدفقت إلى المنظمات غير الحكومية خلال أزمة كوسوفو: لم يعتبر الرأي العام تلك الأزمة مجرد مشكلة داخلية في البلقان. صحيح أن الحرب الأهلية السورية مستمرة اليوم وقد أصبح الفريقان مسلحين، لكن كان الوضع مغايراً طوال أشهر: فقد قُتل متظاهرون سلميون بدم بارد. لكن لم يدعم الكثيرون قضية الشعب السوري حينها أيضاً. يتساءل آخرون عما إذا كانت غزة في عامَي 2008 و2009 أثارت سخطاً أكبر لأنها شهدت اضطرابات واسعة انتهت خلال أسابيع. في المقابل، شكّلت سورية قصة رعب مريعة وقد بدأت منذ سنتين تقريباً، لكنّ هذه الحجة غير منطقية. من المشين أن نتحدث بهذه الطريقة، لكن معدل القتل كان أعلى بكثير في سورية: قتلت تلك المجزرة 400 شخص في يوم واحد!

كنتُ أتوق إلى الحصول على أجوبة وافية، فاتصلتُ بليندسي جيرمان من "تحالف أوقفوا الحرب"، وقد أخبرتني بأن المنظمة لم تنشط في الملف السوري لأن "ذلك الموضوع ليس من اختصاص الحركة". بل تركز هذه الحركة على "ما تفعله بريطانيا والولايات المتحدة". لكن في هذه الحالة، ما الذي يبرر أن تتخذ موقفاً حاداً من أحداث غزة؟ كان الغرب "يدعم الإسرائيليين بشدة، لذا كان الوضع مختلفاً جداً" بحسب قولها. (في الحقيقة، لم تدعم بريطانيا "عملية الرصاص المدعوم" ولكنها دعت إلى وقف إطلاق النار). تضيف جيرمان أن القضية الفلسطينية "لديها خصوصيتها وهي لا تنطبق على أي بلد آخر".

تكمن المشكلة في واقع أن هذا التفكير يؤدي حتماً إلى نشوء شكل محدود من الانفتاح الدولي (فهو يغفل عن جميع مناطق العالم حيث لا تكون حكومات الحركات الناشطة معنية بالموضوع)، لكن لم تكن تلك القاعدة مطبقة في جميع الحالات!

تتعلق الحجة الأخيرة بجانب آخر من الحرب الأهلية: أصبحت سورية الآن غارقة في صراع طائفي حاد يضع العلويين وحلفاءهم في مواجهة السنّة وبقية الأطراف، ما يصعّب على الجهات الخارجية أن تنحاز إلى أطراف معينة، لكن سرعان ما ينهار هذا المنطق بسبب الثغرة الأخلاقية التي حددها فيسك حيث تتراجع أهمية القتلى المسلمين إذا كان القاتل مسلماً.

نحن نشعر حتماً بنوع خاص من الغضب عند استهداف جماعة إثنية على يد جماعة أخرى، لكن ثمة مجازفة واضحة في هذا المجال. لا تنحصر المشكلة في الانحياز ضد اليهود واعتبار أن قتل العرب أو المسلمين يستحق الإدانة حين تكون إسرائيل مسؤولة عن الأعمال الوحشية، بل إنه أمر مهين بحق العرب والمسلمين أنفسهم لأن هذه المقاربة تعني تراجع الثقل الأخلاقي حين يقوم أعضاء من تلك الجماعات بالتقاتل في ما بينهم. لا يمكن الدفاع عن هذا الرأي، ولا سيما في أوساط الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم مثقفين أو تقدميين، لكل حياة قيمتها الخاصة بغض النظر عن مرتكبي أعمال القتل!

back to top