الأدب في مصر على سكين السياسة

نشر في 07-11-2012 | 00:01
آخر تحديث 07-11-2012 | 00:01
إقصاء علاء الديب من «القاهرة» وتحويل الأدباء إلى موظفين
«علاء الديب، أدباء الأقاليم، دور النشر الحكومية».. ثلاثة عناوين لأبرز الأزمات والمحن التي تواجه الوسط الثقافي المصري راهناً، فالأديب الكبير علاء الديب صاحب قمر على المستنقع، وزهر الليمون تم إقصاؤه من جريدة «القاهرة» التابعة لوزارة الثقافة توفيراً لراتبه، في حين دعا البعض إلى إلغاء مؤتمر أدباء الأقاليم السنوي بزعم توفير نفقاته، أما دور النشر الحكومية فتلقت منشوراً من وزارة المالية تطلب منها عدم النشر للمبدعين والكتاب إلا بعد موافقة رؤسائهم في العمل. أثارت الأزمات الثلاث السابقة جدلاً واسعاً، وأشاعت إحباطاً وتحسراً كبيرين لما آلت إليه حال الثقافة في مصر.
في كبرياء تليق به، رفض الأديب الكبير علاء الديب الرد على قرار إقصائه من الكتابة والإشراف على الصفحة الثقافية في جريدة «القاهرة» التابعة لوزارة الثقافة، واكتفى بالقول

لـ «الجريدة» إن المناخ العام طارد للإبداع، وأن ما يحدث هو «مذبحة للأدباء».

بدأت الأزمة عندما قرر سعد عبد الرحمن، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، وبصفته رئيساً لمجلس إدارة الصحيفة إنهاء علاقة علاء الديب بها، مبرراً ذلك بأنه «لا يعرف ماهية وظيفة المستشار الأدبي التي يشغلها الديب في صحيفة يتم توزيعها بسيف الحياء على قطاعات الوزارة، ولا تحقق الهدف المنتظر منها».

وأكد عبد الرحمن أن «القاهرة» تستنزف المال العام من دون تحقيق أهداف، وأنه لا بد من أن يتم تخفيف هذا النزيف، لافتاً إلى إجراءات عدة ستتخذ لأجل ترشيد الإنفاق، وحاول عبد الرحمن التخفيف من وقع تصريحاته بالقول إن عدم التجديد للكاتب علاء الديب باعتباره مستشاراً أدبياً، لا يعني قطع علاقته بالقاهرة، كما يظن البعض، وسيظل من كتابها الكبار.

أزمة الإقصاء ليست الأولى في مسيرة علاء الديب، كذلك علاقته مع مؤسسات الدولة ، بل شهد أزمة سابقاً في عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني قبل ثورة يناير حين دخل أحد المستشفيات لإجراء جراحة في القلب وتغيير بعض الشرايين، وحدث بعض المضاعفات بعد الجراحة فأجريت له عمليات عدة أخرى، ما أدى إلى أن المبالغ المتوجبة عليه تعدّت المبلغ المحدد على نفقة الدولة وقيمته 50 ألف جنيه فوقّع على إيصال أمانة بالمبلغ كي يخرج من المستشفى على أمل بأن يصدر قرار آخر بالعلاج المجاني يتمم هذا المبلغ، الأمر الذي لم يحدث فلجأ مسؤولو المستشفى إلى القضاء، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.

وأثار الحكم آنذاك انزعاجاً شديداً بين الكتاب وتدخلت وزارة الثقافة ونقابة الصحافيين وتم دفع المبلغ المطلوب والتصالح مع المستشفى.

أدباء الأقاليم والأدباء الموظفون

تصاعدت الأصوات المطالبة بإلغاء مؤتمر أدباء الأقاليم في مصر، المقرر إقامته هذا العام في مدينة شرم الشيخ، وتضامن مثقفون كثر مع بيان أصدره الشاعر سامح محجوب ذكر فيه أن المؤتمر يكلف الدولة مبدئياً نصف مليون جنيه متعجباً من إهدار المال العام، وقال: «سيُصرف نصف مليون جنيه على مجموعة من الأبحاث الهزيلة للصف الثالث من أساتذة الجامعة الذين يأخذون من هذه المؤتمرات سبوبة سنوية، وهم غالباً من أصدقاء موظفي الهيئة».

ووصف محجوب مؤتمر الأقاليم

بـ «دوري المظاليم» في الثقافة، وأنه يقام على حساب دافعي الضرائب المساكين، إلى جانب ضعف الفعاليات وضحالة محاورها، وانصراف الحضور عن المشاركة فيها.

تزامنت دعوة المثقفين إلى إلغاء مؤتمر أدباء الأقاليم والغضب لإقصاء علاء الديب مع منشور لوزارة المالية وصل إلى مؤسسات الدولة كافة، ومن بينها مؤسسات وزارة الثقافة، يؤكد ضرورة أن يحصل الكاتب على موافقة جهة عمله قبل أن يتقدم لنشر قصة أو قصيدة في إحدى مطبوعات وزارة الثقافة.

المراقبون الماليون في الوزارة طلبوا حسب الكاتب مسعود شومان في أخبار الأدب أن يأتي المبدع بموافقة جهة عمله، وهو ما يعني أن يذهب كاتب يعمل موظفاً في أي جهة أخرى إلى رئيسه ليقول له، ما رأيك في هذا النص؟ هل هو جيد؟ هل أستطيع الحصول على موافقتك لنشره.

 وحدد الشاعر يسري حسان الأزمة في التفسير الخاطئ للمراقب المالي في هيئة قصور الثقافة، وقال إنه تفسير خبيث ومتعمد، ولنفترض مثلاً أنني أعمل بالصرف الصحي هل مديري مهيأ لقراءة قصائدي؟ ماذا لو طلب مني حذف بيت؟ كيف يكون تصرفي؟ هذا تهريج الغرض منه، في ظني، وقف الأنشطة الثقافية في كل مكان، وما يسري على الهيئة يسري على كل قطاعات الوزارة  وأضاف: « إذا استمر العمل بهذا التفسير الخاطئ فهذا معناه توقف الأنشطة الثقافية في كل مؤسسات الدولة بشكل كامل، لأن تلك المؤسسات تعتمد على المبدعين من خارجها».

الروائي حمدي أبوجليل، رئيس تحرير مجلة «الثقافة الجديدة» وصف القرار بـ«المأساة»، وقال: «المبدعون يحصلون على مكافآت زهيدة وفقيرة، وشيء محرج جداً وأنا أمنحها للمبدع أن أطلب منه أن يحضر موافقة عمله. سيعطل هذا التصرف العمل في أنشطة مصر الثقافية، ثم إن نظرة المدير أو الرئيس ستكون معطلة بكل تأكيد. في رأيي، على الجهة التي أصدرت ذلك القرار مراجعة نفسها، فالعمل الثقافي يقوم على المشاركة الحرة».

ويعلق الناقد الأدبي الدكتور مدحت الجيار على المشهد الثقافي بقوله إن «نار السياسة تلتهم جنة الأدب، فالوسط الثقافي يشهد منعطفاً خطيراً في ظل هيمنة تيار الإسلام السياسي على الحكم في مصر، وما نراه من أزمات ومحن سببها رؤية سياسية وجماعة ذات مصالح ضيقة، فعلى نار السياسة تشوى جلود الأدباء والمبدعين وتحترق عظامهم وأعصابهم وأصابعهم.

back to top