لا لعقوبة الإعدام

نشر في 06-04-2012
آخر تحديث 06-04-2012 | 00:01
No Image Caption
 لمى فريد العثمان أعلنت الأغلبية في مجلس الأمة تقديم- بصفة الاستعجال- قانون الإعدام لمن يسيء للدين، هكذا تتم شرعنة قتل النفس التي حرم الله استناداً إلى تفسيرهم الخاص لـ"حد الردة"، رغم عدم الإجماع عليه من قبل الفقهاء، إذ اختلفوا حوله وقدم معارضوه الأدلة الفقهية التي تنفي وجوده في الإسلام.

أعرض في هذه المساحة الضيقة للمقال بعض ما جاء في دراسة شاملة ومفصلة عن الخلاف الفقهي لحد الردة للمفكر الإسلامي أحمد صبحي منصور، لكي يتبين لنا أنها قضية خلافية كمعظم الأمور الفقهية، فكيف سيؤسس تشريع يزهق الأرواح في قضية غير متفق عليها؟!

يبين د. أحمد صبحي منصور، مستدلاً بالأدلة الشرعية، أنه لا يوجد في القرآن الكريم ما يبين أن الإعدام عقوبة للردة، فالقاعدة التشريعية الكلية في القرآن الكريم تقول "لا إِكْرَاهَ فِي الدّينِ قَد تبَيّنَ الرّشْدُ مِنَ الْغَيّ"، والله تعالى منع النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ الصدقة من المنافقين الذين كانوا يتصدقون خوفاً ويصلون رياءً. أما العقاب فيتولاه الله تعالى كما ورد في الآية الكريمة التي لم يُذكر فيها كلمة قتل: "وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ". وقد ذُكر عن المنافقين الذين كانوا في عهد رسول الله وكفروا بعد إيمانهم في آيات عديدة، أمر الله تعالى لنبيه أن يُعرِض عنهم كما جاء في الآية "أُولَئِكَ الّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لّهُمْ فِيَ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً"، ويقول تعالى لرسوله: "وَلاَ يَحْزُنكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنّهُمْ لَن يَضُرّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الاَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ".

فنّد د. أحمد صبحي منصور نشأة ما يعرف بحد الردة استناداً على التاريخ والرواة وسيرتهم الذاتية، والتي سأتطرق إلى جانب من جوانبها باختصار شديد. لقد قام هذا المفهوم على حديثين روى أحدهما الأوزاعي والآخر رواه عكرمة، وهما من الأحاديث الآحاد التي رفض أبوحنيفة تأسيس الأحكام عليها.

كان الخليفة المنصور العباسي يقدر الأوزاعي ويعظمه (كما جاء في ابن كثير)، بينما كان يضطهد الإمام أبوحنيفة (الذي يختلف عن الأوزاعي بمنهجه وموقفه من السلطة) ليقتله الخليفة بعد سجنه وتعذيبه. وقد كان أبوحنيفة يرفض الأحاديث التي كان يرويها الأوزاعي الذي "أفتى لهشام بن عبدالملك الأموي بقتل غيلان الدمشقي، ثم أفتى بعد ذلك للعباسيين باستحلال دماء الأمويين". كما قال عنه الذهبي في "ميزان الاعتدال" إنه كان يحدث عن الرسول "مناكير".

أما عكرمة الذي روى "من بدّل دينه فاقتلوه" فقد كان مولى لعبدالله بن عباس ونقل عنه ذلك الحديث وغيره، وقد قال عنه محمد بن سعد في الطبقات الكبرى "ليس يحتج بحديثه، ويتكلم فيه الناس". وقال عنه سعيد بن جبير "إنكم لتحدثون عن عكرمة بأحاديث لو كنت عنده ما حدث بها"، وقال غيرهما الكثير من ضمنهم علي بن عبدالله بن عباس الذي اتهمه بالكذب على أبيه، كما ورد في دراسة د. منصور.

وعن حرب الردة يقول د. منصور إنها كانت حرباً سياسية استهدفت القضاء السياسي على الدولة الإسلامية، فلم يقل أبوبكر رضي الله عنه في حربه "من بدّل دينه فاقتلوه".

يستند المفكرون الإسلاميون الذين يدافعون عن الدين وركيزته الأساسية: حرية العقيدة التي تناقض مفهوم "حد الردة" إلى آيات بيّنة صريحة: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"... "فَذَكّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَكّرٌ. لّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ"... "وَلَوْ شَاءَ رَبّكَ لآَمَنَ مَن فِي الأرْضِ كُلّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّىَ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ"... "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ".

back to top