الكاتب والمسرحي فارس يواكيم: «حكايات الأغاني» رحلة قصائد غيَّر النغم ملامحها

نشر في 10-12-2012 | 00:02
آخر تحديث 10-12-2012 | 00:02
أصدر الكاتب والمسرحي اللبناني فارس يواكيم كتابه الجديد «حكايات الأغاني/ رحلة القصيدة من الديوان إلى الأغنية» عن دار «رياض الريس» في بيروت. ويتضمن مقالات عن أغان عربية شهيرة كلماتها في الأصل قصائد كتبها شعراء كبار، ولم يكن في بالهم عند كتابتها أنها ستستهوي أهل النغم، فيلحنها الملحنون وينشدها المطربون والمطربات، وتصير أعمالاً ذائعة الصيت. يشكل الكتاب مرجعاً للمهتمين في أحوال الأغاني، خصوصا تلك المكتوبة بالفصحى.
ما الذي جعلك تلجأ إلى تأليف كتاب حول الأغاني أو الشعر المغنى؟

قدمت قسماً من الكتاب خلال برنامج إذاعي في الإذاعة الألمانية عام 1989، وتضمن 12 حلقة. لاحقاً، أعجبتني الفكرة وقررت أن أطورها إلى كتاب، فبدأت رحلة التقصي والبحث في الدواوين الشعرية والتسجيلات الصوتية في العواصم العربية. كذلك أجريت مقارنات بين أصل القصيدة المكتوبة وشكلها في الأغنية، وكانت النتيجة أني وجدت مئات التعديلات في النصوص. حتى إن ثمة شعراء تبنوا ما فعله الملحنون والمغنون في قصائدهم، وأعطي مثلاً على ذلك بشارة الخوري (الأخطل الصغير) الذي غنت فيروز كثيراً من قصائده وأجرى عليها الرحبانيان (عاصي ومنصور) تعديلات واسعة.

ألا تشعر أن الكتاب يغلب عليه طابع الإعداد الإذاعي على العمل الكتابي أو الحكائي؟

الأصل الإذاعي طغى عليه النموذج الصوتي، أي تقديم القصيدة بأصوات المطربين.

قصيدة «قارئة الفنجان» لنزار قباني لها حكاية طويلة، أطول بكثير مما أشرت إليه في كتابك، أليست مكتوبة عن الفنانة الراحلة سعاد حسني؟

لم أدخل الحكايات الاجتماعية في الكتاب لأن جوهره حكاية التعبير في الأساس. عندما تقارن بين قصيدة «قارئة الفنجان» كما غناها عبد الحليم حافظ والقصيدة كما نشرها نزار قباني، تجد الفرق شاسعاً بينهما، كأن قباني كتبها من جديد لتكون أغنية العندليب الأسمر. قباني أحد أبرز الشعراء العرب الذين عدلوا في قصائدهم المغناة، و{قارئة الفنجان» أحد الأمثلة الواضحة جداً في هذا المجال لأن التعديل فيها كان واسعاً، فثمة أبيات كثيرة نسمعها بصوت عبد الحليم غير موجودة في الديوان. بمعنى آخر، أعاد قباني كتابة القصيدة لتكون بصوت عبد الحليم حافظ.

ماذا عن أغاني أم كلثوم، فهي كانت متحررة ولاحقاً أصبحت ملتزمة، وأحياناً تضمنت كلمات «سوقية»؟

تحررت أم كلثوم من قيود الآخرين عندما أصبحت نجمة. في البداية، كانت تغني ما يمليه عليها الآخرون، ولم تكن لها اليد الطولى في شيء. عندما أصبحت نجمة وصاحبة شأن واسمها أكبر من أسماء الشعراء والملحنين، اختلفت الأمور في حياتها، بات الجميع يحتاج إلى رضاها. إذ تقول لا أريد هذه الجملة أو هذه العبارة، يقولون لها «حاضر». كان يهمّ الشاعر أن تغني من كلماته، والموسيقي أن تأخذ لحناً منه. وهي من دون شك كانت صاحبة ذائقة شعرية.

أشرت في بداية الكتاب إلى السبب الذي جعلني أتجنبّ الحديث عن القصائد المغناة المكتوبة بالعامية، فهي كتبت لتغنى ومصدرها المكتوب غير متوافر، أي رحلة القصيدة من الديوان إلى الأغنية، ولأم كلثوم في هذا المجال لمسات. فقد أخبرني المنتج السينمائي روفائيل جبور أنه ذهب برفقة بيرم التونسي إليها يوم أسمعها الشاعر كلمات «غني لي» وكان كتبها «غنيّ لي شوية شوية/ غني لي يا نور عينيّ». قالت: «وخذ عينيّ». قال بيرم «كدا أحسن». كذلك علمت أن أحمد شفيق كامل كان كتب مطلع «أنت عمري» (لحنها محمد عبد الوهاب) يقول: «شوقوني عينيك لأيام اللي راحو». قالت كوكب الشرق «رجعوني عينيك» واستعذب الشاعر التغيير. لأن الكلمة كانت أسلس وأسهل في الغناء.

كذلك غنت أم كلثوم بعض الأخطاء كما في أغنية «أراك عصي الدمع»، فالقصيدة تبدأ:

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر

أما للهوى نهيُ عليك ولا أمرُ؟

بلى، أنا مشتاق، وعندي لوعة

ولكنّ مثلي لا يذاع له سرُّ.

بلى أصبحت في الأغنية «نعم»، وهذه مخالفة لأن السؤال بصيغة «أما للهوى»؟ يستوجب الرد بـ{بلى». ولو كان السؤال «هل للهوى» لأمكن الجواب {نعم». وفي النسختين غنت أم كلثوم «نعم». ربما أرادت تفادي المدلول العامي المصري لكلمة «بلى» والتي تعني «بلاء». لكن في طبعة بيروت 1910  لديوان أبي فراس الحمداني نقرأ البيت كما غنته أم كلثوم.

لماذا لم يتضمن كتابك قصيدة «يا ريس» التي قرصنت من قصيدة للشاعر اللبناني عمر الزعني ولحنها عبد الوهاب وغناها وديع الصافي؟

قلت في مقدمة الكتاب إن القصائد التي تناولتها هي تلك المكتوبة بالعربية الفصحى، ذلك أن الأغاني التي مصدرها قصائد بالعامية هي في معظمها قصائد كتبت خصيصاً للغناء، وحتى وإن خضعت لبعض التعديلات. والأغاني التي يروي هذا الكتاب حكايتها قصائد ولدت والأغنية لم تصبح جنيناً بعد. وهي عندما لبست ثوب النغم تعرضت للتعديل.

لم أتطرق إلى الأغاني التي كتبها الشعراء بناء على طلب من ملحن أو مغن، ومن بينها مثلاً أغنية «يا شراعاً وراء دجلة» التي لحنها وأنشدها محمد عبد الوهاب أمام ملك العراق فيصل الأول بمناسبة زيارته بغداد، لأن أحمد شوقي نظمها لتلك المناسبة. أو قصيدة «سوف أحيا» التي كتبها مرسي جميل عزيز خصيصاً كي تغنيها فيروز، وقد سجلتها مع أغان أخرى انتجتها إذاعة «صوت العرب».

هل تفكر في إصدار جزء ثان عن القصائد المكتوبة بالعامية؟

لا أستطيع الإحاطة بكل شيء بمفردي، فالأمر يحتاج إلى مؤسسة. حتى الأغاني التراثية اخترت جزءاً منها لأنها كثيرة وتحتاج إلى بحث خاص.

ما الذي لفتك خلال رحلة بحثك؟

رحلتي الشخصية التي قمت بها بين الدواوين والتسجيلات المختلفة أمتعتني حقاً، وسمحت لي باكتشافات طريفة وأسعدني تدوين حكايتها في هذا الكتاب. من بين هذه الاكتشافات أبيات لأحمد شوقي غير مثبتة في دواوينه، وقصائد لشعراء ما كنت أتصور أن الملحنين جاؤوا صوبهم مثل عباس محمود العقاد وخليل مطران أو مثل الزعيم المغربي علال الفاسي.  كذلك اكتشفت أن خمسة مطربين عرباً غنوا قصيدة للشاعر اللبناني إلياس فرحات بألحان مختلفة، ولم يغن أحد من شعره في بلده. والمفارقة أيضاً أن عباس العقاد كان ينتقد بشدة أحمد شوقي ويدعوه إلى احترام وحدة القصيدة. ولكن حين لحن عبد الكريم الكابلي قصيدته «خذوا دنياكم» أعاد في الأغنية ترتيب الأبيات. فضلاً عن ذلك، أجرى تعديلاً في بعض الكلمات. بمعنى آخر، ما كان ينتقده العقاد رضي عنه في أغنية من كلماته.

يتناول المؤلف في كتابه قصائد للشعراء، أبرزهم: أبو فراس الحمداني، عمر الخيام، جبران خليل جبران، أحمد شوقي، أبو القاسم الشابي، أمين تقي الدين، علي الجارم، خليل مطران، على محمود طه، إبراهيم ناجي، إيليا أبو ماضي، أحمد فتحي، العقاد، السياب، كامل الشناوي، بشارة الخوري، علال الفاسي، إلياس فرحات، محمود اسماعيل، بولس سلامة، أحمد رامي، عبد المنعم الرفاعي، عبد الرحمن الخميسي، عمر أبو ريشة، محمد الفايز، نزار قباني، رياض المعلوف، فدوى طوقان، الهادي آدم، عبد الله الفيصل، محمود درويش، منصور الرحباني، سعيد عقل، جورج جرداق، سميح القاسم، سعاد الصباح، عز الدين المناصرة...

back to top