تباطؤ التعافي الاقتصادي الأميركي
يتعين الإشارة إلى مزاعم الإدارات الاميركية السابقة عن تحقيق نمو في عدد الوظائف التي لم تكن تبدأ بصورة دائمة من يوم تسلم الحكم، بل من شهر أغسطس من سنة 2003 عندما وصل التوظيف في حقبة بوش إلى أدنى نقطة.
التعافي الاقتصادي من حالة الركود الذي حققته الولايات المتحدة كان بطيئاً الى درجة أن بدا وكأنه معدوما ولم يتحقق أصلاً، خصوصاً على صعيد الوظائف وفرص العمل، لذلك فإن الرئيس باراك أوباما سيواجه- في أفضل الحالات- تحديات تتعلق بطرح سياسته في هذا المجال، ومن ثم تقديم مقترحات جدية حول بدائل محتملة.ويقول المرشح الجمهوري ميت رومني إن الرئيس أوباما أسهم في تدمير قطاع الوظائف، وقال في تصريحه لشبكة "فوكس نيوز" إن "هذا رئيس فقد من الوظائف خلال فترة رئاسته أكثر من أي رئيس آخر منذ عهد هوفر، وقد وصل عدد الوظائف التي فقدت إلى مليوني وظيفة، ويسعدني أنني تمكنت خلال عملي في شركة "بين كابيتال" الخاصة من المساعدة على خلق 100 ألف وظيفة جديدة".غير أن حديثه عن سجل الرئيس أوباما يستدعي الإقرار بصحة فقدان 1.9 مليون أميركي لوظائفهم في الوقت الراهن عما كانت الحال عليه عندما تسلم أوباما مقاليد الحكم، ولكن الرئيس ورث اقتصاداً متهاوياً ولا يمكن تحميله مسؤولية خسارة وظائف خلال الشهور القليلة الأولى من عهده، وقبل أن تتاح لسياسته فترة كافية من الوقت لإحداث التأثير المرجو، وهنا يتعين أن نطرح السؤال حول عدد الوظائف التي فقدت- على سبيل المثال- في النصف الأول من سنة 2009؟والجواب هو: أكثر من كل العدد، وذلك لأن الاقتصاد خسر 3.1 ملايين وظيفة في الفترة ما بين شهر يناير وشهر يونيو من عام 2009، ثم كسب بعد ذلك 1.2 مليون وظيفة، وذلك ليس كافياً ولكنه يعارض الصورة التي طرحها رومني عن تبديد فرص العمل.وبالمناسبة يتعين الإشارة إلى مزاعم الإدارات السابقة عن تحقيق نمو في عدد الوظائف التي لم تكن تبدأ بصورة دائمة من يوم تسلم الحكم بل من شهر أغسطس من سنة 2003 عندما وصل التوظيف في حقبة بوش إلى أدنى نقطة، غير أن الرئيس أوباما ومن خلال ذلك المقياس يستطيع القول إنه تمكن من إيجاد 2.5 مليون وظيفة منذ شهر فبراير عام 2010.وفي هذا السياق نستطيع القول إن مزاعم المرشح الجمهوري رومني حول سجل الرئيس أوباما في مجال الوظائف ليست زائفة بصورة دقيقة، ولكنها مضللة بشكل عميق، غير أنه على الرغم من ذلك فإن الجانب المشرق يبرز عندما ننظر الى ما يقوله رومني عن نفسه خصوصاً في ما يتعلق بذلك الزعم عن خلق 100 ألف وظيفة جديدة. من أين أتت تلك الوظائف؟لقد حصل غلين كيسلر من صحيفة "واشنطن بوست" على جواب من حملة رومني، وهو مبلغ لأرباح وظائف في ثلاث شركات قام رومني بمساعدتها على الشروع في العمل أو النمو وهي: "ستيبلز" و"سبورتس أوثوريتي" و"دومينو". ثم أشار كيسلر على الفور إلى مشكلتين في هذه الرواية، فهي "تستند إلى أرقام التوظيف الحالية، وليس في الفترة التي كان رومني يعمل خلالها في الشركة المذكورة"، وهي أيضاً "لا تشمل فقدان الوظائف في شركات أخرى تعمل معها شركة "بين كابيتال" وعليه فإن أي واحدة من المشكلتين في حد ذاتها تجعل من الزعم بأكمله مجرد هراء.وفي ما يخص النقطة المتعلقة باستخدام التوظيف الحالي علينا أن ننظر إلى شركة "ستيبلز" التي تملك اليوم ضعف عدد المتاجر التي كانت لديها في سنة 1999 عندما ترك رومني شركة "بين كابيتال". هل في وسعه أن ينسب الفضل إلى نفسه في كل التقدم الذي حققته تلك الشركة خلال الـ12 سنة الماضية؟ وبشكل خاص هل يستطيع أن ينسب إلى نفسه الفضل في تحول الشركة الناجح من التركيز على الأسعار إلى التركيز على خدمة العملاء وهي الخطوة التي جرت بعد وقت طويل من مغادرته لعالم العمل التجاري؟ثم هناك الجزء المتعلق بالشركات المرتبطة بشركة "بين" والتي أضافت الوظائف المشار إليها مع تجاهل تلك التي خفضت قوتها العاملة أو توقفت عن العمل تماماً، وحقيقة الأمر أن على المراقب أن يحسب الإيجابيات والسلبيات في الوقت ذاته.وعلى أي حال، فإن من غير المعقول أو المنطقي أن نعمد إلى إلقاء نظرة على التغيرات التي حدثت في قوة العمل في واحدة من الشركات، ثم نقول إن ذلك يمثل مقياساً من أجل خلق وظائف في الولايات المتحدة ككل.وإذا أردنا أن نفترض- على سبيل المثال- أن إحدى الشركات تمكنت من تحقيق حصة في السوق على حساب عدد من الشركات المنافسة، وقد عمدت تلك الشركة إلى توظيف المزيد من الموظفين بينما كانت الشركات الأخرى تستخدم عدداً أقل من الموظفين فكيف ستكون عليه الحال؟ وما التأثير الإجمالي على الوظائف في الولايات المتحدة؟ هناك شيء واحد يمكن أن نشير إليه بشكل مؤكد، وهو أن ذلك يمثل أقل كثيراً من عدد العمال الذين تمت إضافتهم من خلال تلك الشركة.ولعل ما هو أفضل من ذلك أن نفترض بأن إحدى الشركات تمكنت من التوسع بشكل جزئي ليس عن طريق التفوق على شركات منافسة لها بل من خلال قيامها بشراء تلك الشركات، وفي هذه الحالة فقد تحول عمال تلك الشركات إلى موظفين لدى الشركة التي قامت بالشراء، والسؤال هو هل أسهمت في خلق وظائف جديدة؟إن النقطة المهمة هنا هي أن رومني عندما يتحدث عن دوره في خلق فرص عمل، فإن كلامه مجرد هراء حتى في حال كونه صادقاً في ما يتعلق بالأرقام التي ذكرها، وهذا لم يكن حاله في هذا السياق.وعند هذه المرحلة قد يسأل البعض من القراء حول ما إذا كان من الخطأ بالمثل أن نقول إن رومني عمل على تدمير فرص عمل. نعم ذلك خطأ غير أن الشكوى الحقيقية المتعلقة بالمرشح رومني وزملائه لا تتمحور حول تبديد فرص العمل بل حول تبديدهم لوظائف جيدة.وعندما ينقشع الغبار بعد أن تم خفض حجم الشركات التي أعادت "بين" هيكلتها أو أعلنت إفلاسها كما حدث في الكثير من الحالات، فإن الوظائف في الولايات المتحدة قد تصبح عند المستوى ذاته الذي كانت ستصل اليه على أي حال.غير أن الوظائف التي فقدت كانت تدر أجوراً أعلى وتشتمل على منافع أكثر من الوظائف التي حلت محلها، ورومني وأمثاله لم يدمروا الوظائف بل حققوا ثراء من خلال المساعدة على تدمير الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة الأميركية.