علماء تحت راية الإسلام: ابن الهيثم... مكتشف أسرار الضوء
يعد أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم، المعروف بـ«ابن الهيثم» نموذجا للعالم المتكامل في الحضارة الإسلامية فهو عالم الهندسة والفيزياء والفلك والبصريات والموسيقى والطب الشهير الذي صحح الكثير من النظريات المتوارثة، وأرسى قواعد المنهج العلمي القائم على التجربة العلمية لا التفكير النظري، وخرج من أطر النظريات اليونانية القديمة في مجال البصريات ليضع أسس علم الضوء والبصر الحديث بتطبيقاتها الحديثة التي انتجت التكنولوجيا الحديثة من أجهزة تلسكوب وتلفاز وكمبيوتر.ولد ابن الهيثم في مدينة البصرة سنة 354هـ/1040م، في عصر مثل قمة العطاء الحضاري للمجتمع المسلم، وتلقى ابن تعليمه الأولي في مدينة البصرة التي كانت موازية لبغداد في العلم إن لم تكن تتفوق عليها، فقد كانت البصرة معقل المعتزلة الرئيس في العالم الإسلامي وكان هناك تمثيل للشيعة والسنة وعلماء الحديث فمن كل هذه التيارات أخذ ابن الهيثم علمه، ولما أتم تعليمه الأولي نبغ في العديد من العلوم وظل يدرس في مساجد البصرة لسنوات.
ولما بلغ الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله أن الحسن بن الهيثم يقول: «لو كنت بمصر لعملت بنيلها عملا يحصل النفع به في كل حالة من حالاته من زيادة أو نقصان»، فأمر الحاكم باستدعائه فورا من البصرة لتنفيذ مشروعه الطموح، مذللا أمامه جميع العقبات. غادر ابن الهيثم القاهرة صوب أسوان مقر مشروع السد المرتقب وفي أثناء الرحلة جنوبا شاهد ابن الهيثم عظمة آثار الفراعنة، وأدرك أن مشروع بناء السد لو قدر له أن ينجز لكان الفراعنة هم من أنجزوه، فلما وصل إلى أسوان وعاين الأمور على أرض الواقع أيقن أن تنفيذ المشروع مستحيل في ظل إمكانيات عصره. فلما مثل ابن الهيثم أمام الخليفة الحاكم ادعى الجنون هروبا من سيف الحاكم ونقمته، ومكث في بيته عشر سنوات في مدينة الفسطاط (مصر القديمة) مكبا على التأليف حيث انجز كتابه «المناظر».ويعد كتاب «المناظر» لابن الهيثم أهم مؤلف في علم البصريات في العصور الوسطى فقد أثبت فيه أن العين لا تبصر بذاتها ولكن لابد من سقوط شعاع الضوء على الأجسام ثم تنعكس على العين وهو ما أثبته عن طريق تجربة الشمعة الشهيرة، بالإضافة إلى ذلك مزج ابن الهيثم بين الهندسة اليونانية مع فرضيات أرسطو الفيزيائية غير المجربة ما شكل علم البصريات الفيزيائية الحديثة. كذلك كان ابن الهيثم أول من جعل اختراع الكاميرا والتلفاز ممكنا عندما أثبت أن شعاع ضوء واحد إذا مر عبر ثقب صغير فإنه سيحمل صورة كل شيء في الجانب الآخر من الثقب لتكون تجاربه في هذا المضمار هي الأولى التي مهدت لمعظم المخترعات الحديثة الغربية.تنبع عظمة ابن الهيثم في أنه لم يقف موقف التلميذ المقلد أمام تراث أرسطوطاليس وأقليدس وبطليموس، بل رد على هؤلاء الأعلام وفند نظرياتهم القائمة على الحدس والاستنتاج العقلي لا التجربة العلمية فمهد بذلك الطريق للنهضة الأوروبية عندما ترجمت أعماله وعلى رأسها كتاب «المناظر» فكان الاعتراف الغربي بهذه القامة الإسلامية الجبارة - والذي عرف عند الغرب بـ ALHAZENI- بأن أطلق اسمه على إحدى الفجوات البركانية على سطح القمر، هذا غير أن علماء عصر النهضة لقبوه بـ»بطليموس الثاني» وبـ»الفيزيائي» اعترافا بفضل هذا العالم المسلم الفذ على تطور العلوم في أوروبا.