كيف يمكن إنهاء حكم الأسد؟
باختصار، يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد ليس قوياً بما يكفي لقمع المعارضة، ولكن المعارضة ليست قوية بما يكفي لإسقاط الرئيس، وهو السيناريو المثالي لنشوب حرب أهلية طويلة الأمد، فمن دون أي تدخل دولي، قد يبقى الأسد في السلطة طوال سنوات.
بينما ينشط قادة العالم داخل أروقة الأمم المتحدة لمناقشة إصدار قرار يطالب بتنحي بشار الأسد، يراهن بعض الخبراء على أنّ أيامه في السلطة أصبحت معدودة، فوفق أحد الدبلوماسيين الأميركيين، أصبح الرئيس السوري في أيامه الأخيرة، ويوافقه الرأي الجيش الإسرائيلي ومجموعة من الخبراء في مجال السياسة الخارجية.غير أن التقارير التي تتحدث عن نهاية الأسد تبقى مبالغاً فيها، فقد صمد الرئيس السوري بعد سنة على بدء التظاهرات وانتشار أعمال العنف، وإذا لم تضغط القوى الخارجية بما يكفي لتنحيته فقد يتمسك بالسلطة إلى أجل غير مسمى.يسهل تفسير الأسباب التي تدفع البعض إلى التفكير بأن زمن الأسد انتهى، فعلى الرغم من مقتل أكثر من 5 آلاف محتج واعتقال آلاف آخرين، يصر السوريون على تحدي النظام بكل شجاعة، ويبدو أن هذا النظام يعجز عن ترهيب الشعب ودفعه إلى الاستسلام، فبعد أن صمد المحتجون في وجه حملات القمع، انهار الدعم الدولي للأسد. صحيح أن العالم لم يبذل الكثير في بداية الأحداث، حين كان النظام يطلق النار على شعبه، لكن سرعان ما أعلن الرئيس باراك أوباما في شهر أغسطس أن "الوقت حان كي يتنحى الرئيس الأسد". ثم انضم الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة وفرض عقوبات شاملة ضد النظام السوري، وقد شملت تلك العقوبات عمليات بيع النفط أيضاً.في غضون ذلك، كررت جامعة الدول العربية دعواتها إلى وقف إطلاق النار وحاولت التوسط لفرض اتفاق يضمن أن يسلم الأسد السلطة، واتخذ بعض القادة العرب (مثل ملك الأردن عبدالله الثاني) خطوة غير مسبوقة حين طالبوا برحيل رئيس الدولة السورية.في المقابل، رفض الأسد تلك الدعوات إلى تغيير النظام، لكن انقلب عدد كبير من السوريين ضده بسبب انهيار قطاع التجارة والاستثمارات وهروب الرساميل الضخمة، وسيصعب على النظام الذي يعاني ضائقة مالية كبيرة دفع رواتب الأجهزة الأمنية قريباً. بدل الرضوخ لأوامر قتل المواطنين، فضّل آلاف الجنود الانشقاق عن الجيش السوري، فبدأت حدة الأحداث تتصاعد، ويقبع عدد إضافي من الجنود في الثكنات لأن النظام لا يثق بهم، وعلى صعيد آخر، زادت قوة الجيش السوري الحر الذي يتألف من المنشقين وبدأ ينشط بكل حرية في أجزاء إضافية من البلد.أدت هذه التطورات إلى تصدع النظام ولكن الأسد لم يتخاذل ولم يستسلم، ولا يزال يملك نسبة جيدة من الموارد التي تعزز موقعه.في المقام الأول، لا بد من تحليل مدى ولاء الجيش والأجهزة الأمنية للنظام، فيزداد جيش المعارضة قوة ولكنه يفتقر إلى الدبابات والأسلحة الثقيلة الأخرى، ولا يمكنه الصمود في أي معركة مفتوحة.من دون حصول انشقاقات هائلة، سيبقى النظام أقوى من المعارضة، فلا يزال الضباط تحديداً موالين للنظام ويتولى أنسباء الأسد المناصب العليا الأساسية. كذلك، ينتمي معظم الضباط إلى الأقلية العلوية مثل الأسد، ومن المعروف أن فرداً واحداً من كل عائلة علوية تقريباً يعمل في الأجهزة الأمنية، كذلك، يملك العلويون (أقلية دينية يرفضها معظم المسلمين السنّة بسبب شعائرها الدينية المغايرة) سبباً جوهرياً لمقاومة تغيير النظام. مع أن العلويين يشكلون عُشر الشعب السوري فقط، تُعتبر هذه الطائفة قاعدة دعم قوية للنظام، فمن المعروف أن العلويين مسلحون وناشطون، وهم لا يخشون أن يؤدي سقوط الأسد إلى خسارتهم للامتيازات فحسب بل إلى نهايتهم بطريقة وحشية أيضاً. حشد النظام الميليشيات العلوية إلى جانب القوى العسكرية لتشكيل مجموعات من القناصة و"الشبيحة" ضد المواطنين السنّة، ومع تصاعد حدة العنف، ترتفع وتيرة القتل الطائفي أيضاً.يطغى العرب السنّة على جماعات المعارضة، لكن لطالما حاول الأسد التعايش مع أقليات أخرى مثل المسيحيين والدروز والأكراد (فضلاً عن كسب دعم بعض العائلات السنية) بهدف منع نشوء جبهة موحدة ضد النظام، إلا أن أي طائفة منها لا تبدي الولاء للنظام بقدر العلويين ولا تملك أي جماعة شيئاً لتخسره (لكن لا يعني ذلك أنها ستنضم إلى المعارضة). تراقب الأقليات ما حصل في العراق تحديداً بخوف شديد وتشعر بالقلق من أن يؤدي انهيار النظام ونشوب الحرب الأهلية إلى وقوع مجازر بحقها.أدت العقوبات إلى تراجع شعبية النظام بشكل ملحوظ، لكن مع تزايد صعوبة الوضع، سرعان ما يترسخ "حكم القوي على الضعيف"، فمن يملك الأسلحة يفرض سيطرته على البلد ويبدو أن المعارضة هي الحلقة الأضعف، فتحمّل العراق في عهد صدام حسين عقوبات هائلة لأكثر من عشر سنوات، ولكنه استطاع الالتفاف على الوضع واستعمل العائدات الضئيلة لمكافأة مناصريه ومنع وصول المساعدات إلى أعدائه. كذلك، كانت حصيلة الخسائر البشرية بمنزلة أداة فاعلة في مجال العلاقات العامة لإعاقة كل من يريد عزل النظام دولياً. باختصار، كان لا بد من غزو خارجي للإطاحة بالدكتاتور العراقي.بالطريقة نفسها، يبدو أن الأسد لم يصبح وحيداً بعد، فتحرص إيران على دعم سورية كونها حليفتها العربية الوحيدة، ويمكن أن تقدم طهران (مع أنها تخضع للضغوط بدورها) للنظام السوري طوق نجاة اقتصاديا وأسلحة وذخائر كافية لمتابعة إطلاق النار على المحتجين (هذه الموارد تُحدث فرقاً كبيراً في أي صراع). في الجوار، يشكل شريك الأسد وإيران، "حزب الله"، حليفاً آخر للنظام السوري وهو يقدم له قناة اقتصادية مهمة لتهريب الأسلحة والموارد من لبنان.قد يرغب العراق في تقديم الخدمات إلى طهران، ما قد يدفعه إلى الإغفال أيضاً عن عمليات تهريب السلع والأسلحة إلى سورية من الأراضي العراقية، ثم يبرز دور روسيا التي توفر الأسلحة وتحرص على استعمال حق النقض في الأمم المتحدة لإعاقة الجهود الدولية الرامية إلى عزل النظام.ربما يعوّل الأسد بشكل أساسي على قلة تنظيم المعارضة، فلا وجود لأي قائد جذاب وقوي يمكن أن يوحد صفوف المعارضة، كذلك، تضم سورية هويات محلية وإقليمية متعددة ويعكس تعدد الفصائل ضمن المجلس الوطني السوري هذا الواقع الميداني. لم يتضح بعد عدد السوريين الذين يمثلهم هذا المجلس، لكن يدعي النقاد أن الإسلاميين هم من يسيطرون عليه وبالتالي لا يمثل المجلس شريحة واسعة من السوريين.على عكس الثوار الليبيين، ينشط المجلس الوطني السوري أساساً في المنفى لأنه لا يسيطر على أي منطقة سورية يمكن استعمالها كمركز له من دون التعرض للخطر، ومن الطبيعي إذن أن تتسع الانقسامات بين المعارضين المحليين الذين يؤكدون وحشية النظام والمعارضين الذين يعيشون بكل أمان خارج سورية ويمثلون بلدهم في المحافل الدولية.حتى الآن على الأقل، يحظى الثوار بتعاطف الحكومات الدولية لكن يبقى الدعم الفاعل من القوى النافذة محدوداً، فقد سارعت هذه الجهات إلى التأكيد أن خيار التدخل العسكري الدولي ليس مطروحاً.باختصار، يبدو أن الرئيس السوري ليس قوياً بما يكفي لقمع المعارضة، ولكن المعارضة ليست قوية بما يكفي لإسقاط الرئيس، وهو السيناريو المثالي لنشوب حرب أهلية طويلة الأمد.بالتالي، لا بد من دعم المجتمع الدولي لإسقاط الأسد، فأهم ما يمكن فعله هو بذل الجهود اللازمة لتقوية المعارضة السورية من خلال توحيد صفوفها وتدريب ميليشياتها كي تصبح فاعلة في ساحة المعركة. في الوقت نفسه، يجب إقناع المعارضة بضرورة تجنب الصراع الطائفي بأي ثمن، فقد يؤدي هذا الصراع المحتمل إلى تعزيز قوة وإرادة العلويين والأقليات الأخرى، وسيصعب في هذه الحالة حكم سورية بعد سقوط الأسد، ففي ليبيا، أقدمت القوى الغربية على خطوة مهمة عندما دعمت المعارضة الليبية وحولتها إلى مؤسسة فاعلة وتمثيلية.لكن يجب أن يكون خيار التدخل مطروحاً أيضاً لإقناع النظام بأنه لا يستطيع قمع المعارضة بالقوة، ويجب أن تحذر الولايات المتحدة وحلفاؤها من أن هذا الخيار سيصبح أقرب إلى الواقع إذا لم يقبل الأسد بالتنحي. سيساهم تصعيد الضغوط اليوم في إقناع الموالين للأسد بأن النظام لن يستطيع الصمود وبضرورة التخلي عنه فوراً. ومن الأفضل الإقدام على هذه الخطوة الآن قبل أن يثور غضب المعارضة وتصبح متعطشة للدماء والانتقام وأقل استعداداً للتوصل إلى صفقة مرضية. وحدها هذه الجهود الصارمة ستنهي حكم الأسد الذي أغرق بلده في كابوس مريع. أما التخاذل في المواقف والمبادرات، فسيعني استمرار سفك الدماء إلى مالا نهاية واحتمال انجرار الدول المجاورة (مثل تركيا وإسرائيل) إلى الصراع، مما سيؤدي إلى إعاقة جهود العراق لبناء دولة فاعلة، وتصعيد التوتر بين إيران والغرب، وتعزيز مصداقية الحكام العرب الاستبداديين الآخرين الذين يدّعون أن الخيار البديل عن الاستبداد ليس الحرية بل الفوضى!