لماذا نعتبر المخاطر في الهند أعظم منها في الصين؟

نشر في 13-01-2012
آخر تحديث 13-01-2012 | 00:01
No Image Caption
 ستيفن س. روتش اليوم، تتعاظم المخاوف من أن تكون الصين والهند على وشك التحول إلى الضحيتين المقبلتين للمجزرة الاقتصادية العالمية الجارية، ولو تحققت هذه المخاوف فإن العواقب سوف تكون هائلة. لقد سجلت الاقتصادات النامية التي تحولت إلى الصناعة حديثاً نمواً بلغ 8.5 في المئة سنوياً في المتوسط طيلة العامين 2010 و2011؛ ما يقرب من ثلاثة أضعاف معدلات النمو في أي مكان آخر من العالم، وإذا كانت الصين والهند الضحيتين التاليتين، فإن آسيا سوف تكون عُرضة للخطر الشديد، وسوف يصبح تجنب الركود العالمي أمراً بالغ الصعوبة. قد تكون هذه المخاوف مفهومة من أحد الجوانب المهمة: ذلك أن الاقتصاد في كل من البلدين يعتمد بشكل مكثف على المناخ العالمي الأوسع، فالصين حساسة لمخاطر الجانب السلبي على الطلب الخارجي، وهو أمر أكثر أهمية من أي وقت مضى لأن أوروبا والولايات المتحدة مثلتا مجتمعتين نحو 38 في المئة من إجمالي الصادرات في عام 2010، ولكن الهند، في ظل عجز الحساب الجاري الضخم واحتياجها إلى التمويل الخارجي، تصبح أكثر عُرضة للظروف القاسية التي تمر بها الأسواق المالية العالمية.

بيد أن المخاوف من الهبوط العنيف في أي من البلدين (الهند والصين) مبالغ في تقديرها، وخاصة فيما يتصل بالصين، صحيح أن الصين تدفع الآن ثمن الحوافز الاقتصادية القوية التي تعهدت بها في خضم أزمة الرهن العقاري الثانوي، ولقد مول النظام المصرفي القسم الأعظم من الإنفاق الإضافي، فأصبح عُرضة بالتالي لأي تدهور في جودة الائتمان قد ينشأ عن مثل هذه الجهود، وهناك أيضاً المخاوف بشأن أسواق العقارات الهشة والتضخم المتصاعد. وفي حين لا ينبغي لنا أن نستخف بأي من هذه المشاكل، فإنها من غير المرجح أن تؤدي إلى هبوط عنيف، ذلك أن صناع القرار السياسي الصينيين، الذين ركزوا لمدة طويلة على الاستقرار، كانوا يتسمون بالسرعة في اتخاذ التدابير الوقائية. ويتجلى هذا بشكل واضح في الحملة الناجحة التي شنها المسؤولون الصينيون في مكافحة التضخم، فقد نجحت التدابير الإدارية في القطاع الزراعي، والتي هدفت إلى تخفيف اختناقات العرض من اللحوم وزيوت الطهي والخضراوات الطازجة والأسمدة، في دفع تضخم أسعار المواد الغذائية إلى الانخفاض، وهذا هو السبب الرئيس وراء تراجع معدل تضخم المستهلك الأساسي من 6.5 في المئة في يوليو 2011 إلى 4.2 في المئة في نوفمبر. ومن ناحية أخرى، أصبح لدى بنك الشعب الصيني، الذي رفع مؤشر أسعار الفائدة على القروض لعام واحد خمس مرات في غضون الأشهر الاثني عشر التي انتهت في أكتوبر إلى 6.5 في المئة، أصبح لديه مجال واسع لتخفيف القيود النقدية في حال تدهورت الظروف الاقتصادية. ويصدق نفس القول على الاحتياطيات الإلزامية في القطاع المصرفي، حيث قامت الحكمة بالفعل بخفض خمسين نقطة أساسية من نسبة الاحتياطي المطلوب التي سجلت مستوى قياسيا (21.5 في المئة). والواقع أن العجز المالي الضئيل نسبيا- نحو 2 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010- يضيف إلى الصين بعداً جديداً من المرونة السياسية في حال أملت الظروف ذلك. ولم تقف الحكومة الصينية موقف المتفرج إزاء تجاوزات المضاربة المتزايدة في سوق العقارات السكنية، ففي شهر إبريل 2010، طبقت قيوداً تنظيمية صارمة جديدة، فرفعت الدفعات المقدمة من 20 في المئة إلى 30 في المئة للمسكن الأول، وإلى 50 في المئة للمسكن الثاني، و100 في المئة في حالة شراء ثلاث وحدات أو أكثر. ويبدو أن هذه الاستراتيجية ناجحة، ففي شهر نوفمبر، انحدرت أسعار المساكن في 49 مدينة من المدن السبعين التي تراقبها الحكومة الصينية شهريا.

وإنها لمبالغة خطيرة أن نزعم، كما يفعل كثيرون اليوم، أن الاقتصاد الصيني عبارة عن فقاعة عقارية هائلة الحجم. صحيح أن إجمالي الاستثمار الثابت يقترب من مستوى غير مسبوق من الناتج المحلي الإجمالي (50 في المئة)، ولكن العقارات السكنية وغير السكنية مجتمعة تشكل ما لا يزيد على 15 في المئة إلى 20 في المئة من تلك النسبة، وما لا يزيد على 10 في المئة من الاقتصاد الإجمالي. ومن حيث المساحة الأرضية فإن المباني السكنية تشكل نصف الاستثمار في العقارات في الصين، ويشير تحديد الحصة من العقارات السكنية التي تذهب إلى شركات خاصة في المدن الكبرى العشر أو ما إلى ذلك (والتي تمثل أغلب الحركة النشطة في سوق العقارات الصينية) إلى أن أقل من 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي قد يتعرض للخطر في حالة انهيار سوق الإسكان، وهو ما لا نستطيع أن نصفه بالهبوط الحاد بطبيعة الحال.

أما عن البنوك الصينية، فيبدو أن المشكلة الرئيسة تتلخص في التعرض لديون الحكومات المحلية المتضخمة، والتي بلغ مجموعها وفقاً لبيانات الحكومة 1.7 تريليون دولار أميركي (ما يقرب من 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) بحلول نهاية عام 2010. وكان نصف هذا الدين تقريباً على دفاتر البنوك قبل اندلاع الأزمة،

وقد تنتهي بعض الديون الجديدة الناتجة عن التحفيز إلى التعثر، ولكن مشاريع التحضر المستمرة- التي تساعد في انتقال نحو 15 إلى 20 مليون شخص سنوياً إلى المدن- توفر قدراً هائلاً من الدعم في جانب الطلب على الاستثمار في مشاريع تنمية البنية الأساسية وتشييد المباني السكنية والتجارية، وهذا من شأنه أن يخفف من المخاطر التي قد تتعرض لها جودة الائتمان، وأن يعمل إلى جانب انخفاض نسب القروض إلى الودائع نسبياً عند مستوى 65 في المئة تقريباً على تخفيف الصدمات التي قد يتعرض لها النظام المصرفي الصيني.

أما الهند فهي أكثر تعقيدا، ولأن الهند صاحبة الاقتصاد الوحيد في آسيا الذي يعاني عجزا في الحساب الجاري، فمن غير الممكن الاستخفاف بالمشاكل المرتبطة بالتمويل الخارجي للهند. إن زخم النمو الاقتصادي فيها بدأ ينحسر، مثلها في ذلك مثل الصين، ولكن خلافاً للصين، كان الانحدار أكثر وضوحا، حيث هبط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى عتبة الـ7 في المئة أثناء الربع الثالث من عام 2011، كما هبط الناتج الصناعي السنوي بنسبة 5.1 في المئة في أكتوبر.

ولكن المشكلة الحقيقية هي أن السلطات الهندية، على النقيض من السلطات الصينية، تتمتع بقدر أقل كثيراً من المرونة السياسية، فعلى سبيل البداية، تقترب الروبية الآن من مشارف السقوط الحر، وهذا يعني أن بنك الاحتياطي الهندي- والذي رفع أسعار الفائدة القياسية ثلاث عشرة مرة منذ بداية عام 2010 في محاولة لعلاج مشكلة التضخم التي لاتزال خطيرة- أصبح غير قادر على تخفيف السياسة النقدية. فضلاً عن ذلك فإن عجز الموازنة الحكومية الموحد الهائل والذي بلغ نحو 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي يعمل على إعاقة قدرة السياسة المالية في الهند على المناورة.

وفي حين تُعَد الصين في وضع أفضل من الهند، فمن غير المرجح أن ينهار الاقتصاد في أي من البلدين من تلقاء ذاته، بل إن الأمر سوف يتطلب تلقي صدمة أخرى خارجية لتحريك الهبوط العنيف في آسيا.

من بين الاحتمالات الواضحة اليوم أن ينهار الاتحاد النقدي الأوروبي، وفي هذه الحالة، فإن كلاً من الصين والهند، شأنهما كشأن أغلب اقتصادات العالم، قد تنزلقان إلى مصاعب خطيرة، في ظل الانكماش الصريح للصادرات الصينية، كما حدث في أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009، وتصاعد الضغوط المفروضة على التمويل الخارجي بالنسبة إلى الهند.

ورغم أنني أظل متشككاً في اليورو، فأنا أعتقد أن الغلبة سوف تكون للإرادة السياسية المطلوبة لتعزيز عملية التكامل الأوروبي. وبالتالي فأنا أعلق احتمالاً ضئيلاً على تفكك اتحاد العملة، وما لم ينته الأمر إلى هذا السيناريو الأسوأ على الإطلاق بالنسبة إلى أوروبا، فإن احتمالات حدوث هبوط عنيف في أي من الهند أو الصين لابد أن تظل منخفضة.

لقد بدد الغرب قواه باستسلامه لإغراءات الازدهار الزائف التي قدمها الاقتصاد السياسي، أما آسيا فقد نجحت، مدفوعة في ذلك بالحس الاستراتيجي السليم والاستقرار، في البناء على قوتها الجديدة، ولكن الآن بات لزاماً على آسيا أن تعيد اختراع نفسها. ذلك أن الركود على النمط الياباني في العالم المتقدم من شأنه أن يفرض تحدياً هائلاً على آسيا التي تعتمد على التصدير إلى الخارج، وأن يدفعها إلى تحويل تركيزها إلى الطلب الداخلي، والواقع أن الضغوط السلبية التي تعتصر الصين والهند حالياً تؤكد بقوة هذا التحدي، ولعل اللحظة الحاسمة في تحديد مصير آسيا باتت قريبة الآن.

* عضو هيئة التدريس بجامعة ييل، والرئيس غير التنفيذي لمؤسسة مورغان ستانلي في آسيا، ومؤلف كتاب «آسيا التالية».

"«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top