الباحثة د. ليلى السبعان: المجامع اللغويَّة في العالم العربي بعيدة عن الشارع

نشر في 03-06-2011 | 00:01
آخر تحديث 03-06-2011 | 00:01
No Image Caption
في بادرة هي الأولى لمجمع اللغة العربية في القاهرة، جلست امرأة على منصة المحاضرين في مؤتمراته وأدلت بدلوها في موضوعاته. إنها الباحثة الكويتية الدكتورة ليلى خلف السبعان، أستاذة علم اللغة في كلية الآداب في جامعة الكويت، التي شاركت ببحث بعنوان «دور المؤسسات المدنية في تفعيل القرارات العربية - مؤسسة البابطين - نموذجاً» في الدورة السابعة والسبعين التي عُقدت أخيراً في القاهرة حول «اللغة العربية ومؤسسات المجتمع المدني».

عن مشاركتها في المؤتمر كان الحوار التالي معها.

حدّثينا عن علم اللغة، مجال تخصّصك الأكاديمي.

إنه أحد العلوم الحديثة في العالم العربي (1970)، ويهتم بالعلوم العربية كافة نحواً وصرفاً وأصواتاً ودلالةً وبناءً... وهو علم يتتبّع كل جديد يطرأ على اللغة العربية من تطوّرات وتغيرات سواء سلباً أو إيجاباً.

ما فائدة هذا العلم في دعم اللغة العربية؟

هذا التخصّص يفيد كثيراً في دعم اللغة العربية وتطويرها، إذ يتتبع ما يطرأ عليها من تغيرات، من بينها ما يخالف معايير اللغة الأساسية وقوانينها، وثمة ما يكون على المعيار الصحيح، فهو العلم الذي يهتم بهذه المتغيرات كافة.

معروف أن عضوية مجمع اللغة العربية مقصورة على الرجال، فما دورك في هذا المؤتمر؟

أنا على اتصال بالمجمع لأكثر من 20 عاماً، إذ كنت أستعين به في تثبيت أو تصحيح أو توثيق أية ظاهرة لغوية، خصوصاً أن مادتي أصلية لا مراجع لها تعتمد عليها. كذلك، أتابع اجتماعات المجمع كافة وأحضر الدورات السنوية كمستمعة منذ 10 سنوات، ووُفّقت في هذه الدورة لأجلس للمرة الأولى على المنصة وأشارك ببحث حول موضوع المؤتمر.

ما رأيك في نشاط المجمع لتعميم اللغة العربية السليمة؟

ثمة جهود مبذولة لا تُنكر، لكن أعتقد أننا في حاجة إلى جهود أكثر ليكون صوت المجمع مسموعاً في أنحاء العالم العربي كله، ونتمكن فعلاً من أن نفخر بتنفيذ كل ما يصدر عنه من قرارات وتوصيات على أرض الواقع وتفعيلها داخل المجتمع.

يقال إن ثمة هوة بين المجتمع والمجمع، هل ذلك صحيح؟

المجامع كلّها في العالم العربي، وليس مجمع القاهرة فحسب، ما زالت بعيدة عن الشارع العربي. لكن أعتقد أن مجمع اللغة العربية في القاهرة بدأ في اتخاذ خطوات إيجابية في تقصير هذه المسافات بينه وبين المؤسسات المدنية، وأولى هذه الخطوات أنه جعل موضوع مؤتمره هذا العام عن العلاقة الجيدة التي لا بد من أن تجمع بين المجمع وبين المؤسسات لتحقيق الأهداف المرجوة.

إذاً، ما السبب في ظاهرة الضعف اللغوي التي تفشّت داخل مجتمعاتنا؟

في الحقيقة، ثمة تقاعس من الجهات الرسمية التي يرسل إليها المجمع ما اتخذه من قرارات، وقد كنت أعمل مستشارة لوزارة التربية في الكويت لمدة أربع سنوات في قطاع المناهج والبحوث، وكنت أسأل عما يصدره المجمع من قرارات واكتشفت أنه يرسل قراراته بشكل متواصل إلى قطاع المناهج وهو أكبر قطاع قد يفعل هذه القرارات، خصوصاً في بناء المناهج وإعداد الكتب وأي تغير لغوي يحدث، لكن هذا القطاع يتقاعس في أداء دوره. لذلك علينا أن ننهض ونحرك مثل هذه المؤسسات كي تقوم بدورها، وأنا أتفق معك على أن ثمة ضعفاً لغوياً وهو نتيجة عدم اهتمامنا بالمجامع اللغوية التي تجتهد في الحفاظ على اللغة من الضياع. بالتالي تحفظ لنا هويتنا وحضارتنا ومكانتنا بين حضارات العالم.

كيف ترين مستقبل اللغة العربية؟

أراه مضيئاً، خصوصاً أن اللغة العربية مرتبطة بلغة القرآن الكريم وكل منهما حفظ الآخر. لذلك تجد أن الأديان التي ترتبط بلغتها، كالعبرية مثلاً، تظل حية. لكن سنّة الحياة هي التغير والتطور وما يحدث اليوم في اللغة العربية هو مجرد نقلة سريعة للشباب من وإلى، وهي مسألة تحتاج إلى الدراسة والبحث عن حلول.

بالنسبة إليّ، لست أحد المتشائمين في هذا الشأن، خصوصاً أنني عانيت من صعوبة دراسة اللغة العربية واستطعت تجاوزها وأدرِّسها للطلاب بأفضل مما مضى، لكن المسألة أكبر من هذا بكثير، إذ يجب أن تتكاتف الجهود كي تأخذ اللغة العربية مكانتها مجدداً وهذا لا يعني البقاء على اللغة القديمة.

معنى ذلك أنك تشجعين على تداول اللغة المعاصرة.

فعلاً، فاللغة المعاصرة الآن تفي بالاحتياجات وقد درست ذلك في رسالتي للدكتوراه في علم اللغة المعاصرة ما لها وما عليها من انحرافات ومعايير، وإلى أي مدى تبتعد عن الفصحى القديمة وتقترب منها.

يجب الإبقاء على المعايير وعلى قواعد اللغة العربية وأبنيتها، لكن ينبغي أن تتطوّر هذه اللغة بألفاظها وبتراكيبها كي تستطيع أن تفي بحاجة العصر. كذلك، علينا أن نأخذ من كلمات الثقافات الأخرى، فاللغة تؤثر وتتأثر بغيرها من اللغات، لكن علينا أيضاً احترام بعض المصطلحات. مثلاً، يستعمل البعض كلمة «الحاسوب» فيما أن «المجمع» أقرّ كلمة «ناسوخ» وهي التي يجب أن تتداول في العالم العربي.

هل تساهم وسائل الإعلام، لا سيما الإلكترونية منها، في تقوية اللغة أم تضعفها؟

المفترض أنها تساهم في تقوية اللغة ونشرها لا إضعافها، لكن للأسف هي تفعل العكس لأن بعض القنوات التلفزيونية لا يلتزم حتى بأدنى قواعد اللغة العربية البسيطة، وأنا ألاحظ هذا الأمر في غالبية المحطات المصرية ما عدا نشرات الأخبار وبرامج الثقافة والأدب.

لو التزمت وسائل الإعلام بسلامة اللغة فمن المؤكد أنها ستكون أكبر آلية تعيننا في نشر اللغة العربية السليمة وتحافظ عليها داخل المجتمع.

يتخوّف البعض من انتشار العربية الفصحى على اعتبار أنها ليست لغة تحاور بين الناس، فما رأيك؟

يجب أن يلتزم الناس بحد أدنى من اللغة العربية السليمة، ولا نقول اللغة القديمة، فيبقون على سلامة النطق بها وبمعاييرها، وفي الوقت نفسه يلجأون إلى الألفاظ العصرية لأن اللغة متطورة مثل الإنسان، تموت منها كلمات وتحيا كلمات أخرى جديدة تفرضها مجريات الحضارة.

لماذا لا تصدر جهات التشريع في البلدان العربية قانوناً بتجريم من يستخدم اللغة العامية؟

حتى لو اتخذت قرارات سياسية فلن تجدي إن لم يتوافر إيمان بهذا الدور حتى من الفرد العادي، فكل إنسان يحقق ما يستطيع من موقعه. عموماً، ثمة جهود في هذا المجال، لكنها جهود ضئيلة لا ترقى إلى مستوى حاجات العصر.

نبذة

الدكتورة ليلى خلف السبعان أستاذة علم اللغة في كلية الآداب جامعة الكويت، صدرت لها مؤلفات عدة أبرزها كتاب بعنوان «اللهجة الكويتية دراسة دلالية ومعجم ألفاظ اللهجة»، وكتاب «اللغة المعاصرة» الذي رصدت فيه بعض الانحرافات عن اللغة العربية القديمة ووقفت عند ظواهر لغوية تستحق إلقاء الضوء عليها، ودراسات حول كتب التراث العربي. كذلك، صدر لها ثلاثة كتب: «أبحاث لغوية»، «المتنبي وابن الشجري»، و{الإيقاع والدلالة في شعر لبيب بن أبي ربيعة».

back to top