الصين والهبوط الناعم

نشر في 21-10-2011
آخر تحديث 21-10-2011 | 00:01
No Image Caption
 ستيفن س. روتش إن اقتصاد الصين آخذ في التباطؤ، وهذا ليس بالأمر المستغرب بالنسبة إلى اقتصاد يقوم على التصدير ويعتمد على الطلب العالمي المتراجع الآن، ولكن التباطؤ الصيني الذي يلوح في الأفق الآن من المرجح أن يكون موضع ترحيب وتحت السيطرة. والواقع أن المخاوف من الهبوط الخشن مبالغ فيها إلى حد كبير،

ولا شك أن البيانات الاقتصادية أصبحت ضعيفة بوضوح، فالآن تهدد مؤشرات مديري المشتريات ببلوغ عتبة الـ"50"، والتي طالما ارتبطت بنقطة التعادل بين التوسع والانكماش، هذا فضلاً عن اتجاهات هبوطية مماثلة باتت واضحة في نطاق واسع من المؤشرات الرئيسة، التي تتراوح بين توقعات المستهلك، والمعروض من المال، وسوق الأوراق المالية، إلى إنتاج الصلب، ومبيعات المنتجات الصناعية، ومشاريع البناء الحديثة.

ولكن هذا ليس عام 2008، فآنذاك، كانت التجارة العالمية منهارة، حتى أن حجم التجارة العالمية في عام 2009 سجل هبوطاً بلغت نسبته 10.7%، وكان ذلك أكبر انكماش سنوي منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وفي استجابة لهذا الهبوط، تأرجح أداء صادرات الصين من نمو بلغت نسبته 26% على أساس سنوي في يوليو 2008 إلى انكماش بنسبة 27% بحلول فبراير 2009، كما تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 10% كثيرا، وهو ما يُعَد توقفاً كاملاً بالمعايير الصينية.

كما ذكرت التقارير خسارة أكثر من 20 مليون عامل مهاجر لوظائفهم في إقليم جوانغ دونغ الذي يعتمد على التصدير، وبحلول أواخر عام 2008، كانت الصين قد أصيبت بالمعادل الوظيفي للركود الكامل.

وبفضل التحفيز المالي الهائل، نجحت الصين في الابتعاد عن الهاوية في أوائل عام 2009، ولكنها دفعت ثمناً باهظاً لهذه الطفرة الاستثمارية التي مولتها البنوك، فقد ارتفعت مديونية الحكومات المحلية، وارتفعت معدلات الاستثمار الثابت إلى مستوى غير مسبوق (50% من الناتج المحلي الإجمالي). ثم طفت المخاوف إلى السطح تحسباً لأزمة مصرفية أخرى، والانهيار الوشيك للفقاعة العقارية الضخمة، والتضخم الجامح، وإذا أضفنا إلى هذه المعادلة الأزمة الأوروبية الطاحنة، فسوف يتبين لنا أن تكرار سيناريو 2008 لم يعد أمراً بعيد الاحتمال.

على الرغم من وجود مسحة من الحقيقة فيما يتصل بكل هذه المخاوف الخاصة بالصين، فإنها لا تعني في حد ذاتها هبوطاً خشنا. لا شك أن القروض المتعثرة سوف تتزايد في استجابة لتعرض القطاع المصرفي لنحو 1.7 تريليون دولار من الدين الحكومي المحلي، والذي تراكم قسم كبير منه أثناء فترة التحفيز 2008-2009، ولكن التدهور المتوقع في نوعية القروض مبالغ في تقديره.

والسبب هو: في ضوء التوقعات بتجاوز عدد المهاجرين من الريف إلى المناطق الحضرية 310 ملايين شخص على مدى الأعوام العشرين المقبلة، فهناك من الأسباب ما يجعلنا نعتقد أن قسماً كبيراً من التأثير الواضح المتخلف في المعروض من المساكن سوف يتم استيعابه بشكل مضطرد، وكما حدث مع شنغهاي بودونغ في أواخر التسعينيات، فإن "مدن الأشباح" الصينية اليوم من المرجح أن تتحول إلى مراكز حضرية نابضة بالحياة في المستقبل غير البعيد. ومن ناحية أخرى، فإن البنوك الصينية الغنية بالودائع تمتلك القدر الكافي من السيولة لاستيعاب الخسائر المحتملة؛ ونسبة القروض إلى الودائع على مستوى النظام بالكامل لا تتجاوز 65%- وهي نسبة أدنى كثيراً من مستويات ما قبل الأزمة التي كانت أقرب إلى 120% عادة، وذلك وفقاً لتحليل أجراه أخيراً فريق زيريون التابع لشركاء بيريلا واينبرغ.

فضلاً عن ذلك فإن سوق العقارات الصينية ليست على وشك الانهيار، صحيح أن الأمر يشتمل على طفرة بناء وتجاوزات من المضاربين، ولكن قبل عام ونصف العام تحركت الحكومة بقوة لكبح المشتريات المتعددة للعقارات، الأمر الذي أدى إلى رفع الدفعات المقدمة إلى 50% للمسكن الثاني و100% للمسكن الثالث، وفي حين أدى ذلك إلى توقف أنشطة المضاربة إلى حد كبير، فإن أسعار المساكن ظلت عند مستويات مرتفعة، وهو ما يسلط الضوء على القضية المتمثلة بقدرة أبناء الطبقة المتوسطة الصاعدة في الصين على تحمل التكاليف المترتبة على ذلك.

ولكن على الرغم من هذه المشكلة، فإن الاختلالات الكبرى في توازن أسواق العقارات الصينية سوف تثبت أنها الاستثناء على مدى العقدين المقبلين، ففي حين قد يكون هناك عدم توافق بين العرض والطلب في أي سنة معينة، وفي ظل متوسط يبلغ نحو 15 مليونا من المواطنين المرشحين للانتقال من الريف إلى المناطق الحضرية الجديدة، فإن الطلب لابد أن يرتفع لتغطية المعروض.

إن التضخم يشكل دوماً خطراً جدياً في الصين، خاصة في ظل الزيادات الكبيرة في مؤشر أسعار المستهلك والتي اقتربت من عتبة الـ6% هذا الصيف، ولقد استجابت الحكومة بقوة على أربع جبهات.

فأولا، عالجت الحكومة تضخم أسعار الغذاء، الذي يمثل نحو نصف الارتفاع الأخير في الأسعار الإجمالية، من خلال اتخاذ تدابير إدارية تهدف إلى خفض تكاليف الأسمدة وإزالة العقبات التي تعوق زيادة الإمدادات من اللحوم، وزيوت الطهي، والخضراوات، وثانيا، في إطار جهد للحد من الإقراض المصرفي المفرط، زادت الحكومة نسب الاحتياطي تسع مرات في غضون الأشهر الأحد عشر الماضية، وثالثا، زادت الحكومة من معدل رفع قيمة العملة، وأخيرا- وربما في المقام الأول من الأهمية- رفع بنك الشعب الصيني سعر الفائدة القياسي خمس مرات منذ أكتوبر 2010. وبمعدل 6.5% فإن الفائدة على الإقراض لعام واحد أصبحت أعلى من معدل التضخم الأساسي في أغسطس بنحو 0.3%.

وإذا تراجع التضخم في أسعار الغذاء بنسبة أكبر، وبدأ معدل التضخم الأساسي (من دون أسعار الغذاء) في الاقتراب من 3%، فإن النتيجة سوف تكون ما يعادل "التشديد السلبي للسياسة النقدية" بالقيم الحقيقية (المعدلة وفقاً للتضخم)، وهو على وجه التحديد ما يحتاج إليه الاقتصاد الصيني الميال إلى التضخم.

وكل هذا يسلط الضوء على جانب مشرق محتمل من الأمر، ذلك أن الاقتصاد الصيني غير المتوازن على نحو متزايد لم يعد قادراً على تحمل استمرار نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10%، والآن هناك أسباب وجيهة للأمل في هبوط نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل سلس إلى نحو 8%، ما لم تتكرر الصدمة الحادة التي تعرض لها الطلب الخارجي في عام 2008، وهي نتيجة محتملة ما لم تتهاو أوروبا، والواقع أن التحول الهابط إلى هذه الوتيرة الأكثر استدامة يشكل نتيجة مريحة للاقتصاد المبتلى بالإفراط في استهلاك الموارد، والاختناقات في سوق العمل، وتراكم كميات ضخمة من الاحتياطيات من النقد الأجنبي، والضغوط التضخمية المتصاعدة.

إن التطورات العالمية الأخيرة تنطوي على مغزى أكثر عمقاً بالنسبة إلى الصين، فقط كانت بمنزلة طلقة التحذير الكبرى الثانية في غضون ثلاثة أعوام من هذا الاقتصاد القائم على التصدير، فقد انزلقت الولايات المتحدة، ثم أوروبا الآن- أكبر سوقين لصادرات الصين- إلى متاعب خطيرة، ولم يعد من الممكن الاعتماد على أي منهما كمصدر يمكن الاعتماد عليه للطلب الخارجي، ونتيجة لهذا برزت الآن تساؤلات كبرى حول قدرة نموذج النمو الصيني القوي القائم على التصدير على البقاء.

وعلى هذا فإن الصين لم يعد لديها خيار سوى التحرك بسرعة لتنفيذ المبادرات الداعمة للاستهلاك والتي أكدتها خطتها الخمسية الثانية عشرة التي بدأ العمل بها أخيرا، وإن الصين الحديثة تجسد القدرة على التحول الاستراتيجي، وهكذا كانت حالها طيلة الأعوام الثلاثين الماضية، أي منذ بدأ الإصلاح، ويتعين عليها الآن أن تؤكد طبيعتها هذه مرة أخرى، والواقع أن الهبوط السلس سوف يقدم للصين فرصة سانحة للمضي قدماً في تنفيذ المهمة الشاقة الملحة المتمثلة بإعادة التوازن إلى الاقتصاد.

* عضو هيئة التدريس بجامعة ييل، والرئيس غير التنفيذي لمؤسسة مؤجان ستانلي في آسيا، ومؤلف كتاب "آسيا المقبلة".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top