زهرة السينما

نشر في 14-10-2011
آخر تحديث 14-10-2011 | 00:01
No Image Caption
 محمد بدر الدين يُحسب لـ «مهرجان الإسكندرية السينمائي» 2011 تكريمه زهرة العلا، الفنانة وممثلة السينما المصرية المرموقة، التي جاء التقدير لها والتكريم الذي تستّحقه متأخّرين.

قدمت زهرة إلى السينما المصرية عبر المسرح بسمات خاصة ولتنجز أدواراً مهمة، فقد تتلمذت على يد أستاذ المسرح الكبير زكي طليمات حين درست في المعهد العالي لفن التمثيل في أواسط أربعينيات القرن العشرين، وتخرّجت في المعهد ضمن الدفعة الأولى عام 1947، وساهمت في تأسيس فرقة «المسرح الحديث» بقيادة أستاذها طليمات ابتداءً من عام 1951.

تفسّر هذه المقدّمات والأسس التي انطلقت منها زهرة الكثير مما نلحظه في شخصيّتها وطريقة أدائها المرهفة الواعية للأدوار. كان طليمات على رأس مدرسة ترفض الصخب والمبالغة في الفن، سواء في الإخراج أو الأداء التمثيلي، وكثيراً ما حارب بضراوة وإيمان عميق ممثّلي مدارس الميلودراما الصارخة والأداء الخارجي المبالغ فيه والمصطنع.

تعلّمت زهرة من طليمات أن هذا هو الاتجاه الصحيح، لذلك نراها تهتمّ في أجمل أدوارها، بل مجمل أدوارها، بالأحاسيس الداخلية أكثر من الخارجية وتبدو هادئة كنسمة حتى حين كان داخلها يشتعل بغضب عارم أو يعتمل بحزن عميق.

بطبيعة الحال، كانت زهرة تتألّق أكثر كلّما كان الفيلم متميزاً وناضجاً على المستويات كافة، وكلما كان المخرج قديراً ممتلكاً ناصية عمله ومتمكناً من حرفته ومبدعاً جماليات سينمائية حقيقية.

هكذا نجدها تتألّق في نماذج أدوار: هنادي في فيلم «دعاء الكروان» (1959) للمخرج هنري بركات، سامية في فيلم «في بيتنا رجل» (1961) للمخرج نفسه، «درية» في فيلم «الوسادة الخالية» (1957) للمخرج صلاح أبو سيف، وفي أفلام: «نهر الحب» و{رد قلبي» إخراج عز الدين ذو الفقار، «جميلة الجزائرية» إخراج يوسف شاهين، «سواق الأتوبيس» إخراج عاطف الطيب...

كمية الحزن والغضب التي اعتملت في نفس درية، ضمن أبطال «الوسادة الخالية»، كانت هائلة هادرة، مع ذلك كانت طوال الوقت كطيف أو نسمة صيف. على رغم معرفتها أن قلب زوجها مقيم على الدوام مع حبّه القديم (أو الأول) المتمثّل في المرأة التي جسّدت دورها لبنى عبد العزيز، ومع إحساسٍ قاسٍ بأنها في معركة وجدانية مستمرة، من يغلب من الحبيبين؟ إلا أن قلبها الذي يغار ويتأجّج، حفل في الوقت نفسه بالشفقة على الزوج الرقيق المتألم، فتلتمس له عذراً وتمنحه تفهماً وترجو له السلامة، مع أملها في أن يصلا معاً في نهاية المطاف إلى مرفأ أمان وسلام روحي يجمعهما ويهدّئ من روعهما. وهذا ما يتحقّق فعلاً في نهاية الفيلم، فترتاح نظرتها إلى عينه المحبة بعد جراحة صعبة أجريت لها لتلد مولودهما الأول... وتصبح حبّ الرجل الحقيقي والمتكامل بعد حبّ أول قضّ مضجعه وجعله يشعر بوسادة خالية إلى جانبه، مستغرقاً في حلم أو وهم الحب والحبيب الذي كان.

تتفهّم زهرة العلا دور هنادي الصعب في «دعاء الكروان»، وتدرك الممثلة هنا بخبرتها ولماحيتها الفارق في المشاعر بين الحبّ الذي جمعها بالمهندس (أحمد مظهر)، وبين أنها لم تكن رخيصة في نظر نفسها أو نظره، وتعلم أنها ستدفع حياتها ثمن هذا الحب كاملاً، فتنتظر دفع الثمن راضية قبل أن تعقد شقيقتها (فاتن حمامة) العزم على خوض رحلة ومغامرة طويلة وشاقة للانتقام لهنادي، فإذا بها تقع في المحظور ذاته، الحبّ الممزوج بالأسى، والنهاية في لحظة البداية ذاتها.

تتألّق زهرة وهي تعبّر بنظرة و{إيماءة» وهدوء عميق عن شخصية هنادي المكتوب على جبينها المسار والمصير القاسي، لكن الذي لا مناص منه أو فكاك.

في الفيلم الوطني الناجح «في بيتنا رجل»، تجسّد زهرة شخصية سامية بأداء سلس صادق، من القلب ويدخل القلب، وهو مقتبس من رواية للأديب البارز إحسان عبد القدوس، بينما «دعاء الكروان» عن رواية عميد الأدب العربي طه حسين، فكان ذلك العصر الذهبي لتعانق فن السينما وفن الأدب.

تنظر سامية بإكبار إلى نماذج محترمة، مثل الشاب الفدائي إبراهيم حمدي (عمر الشريف) الذي يختبئ في منزل عائلتها، وتتردّد بل تخشى الارتباط بقريبها (رشدي أباظة)، نظراً إلى الخواء الثقافي الذي يتّسم به والفراغ الروحي اللذين قد يدفعانه إلى خيانة الوطن. لكن الشاب يتدارك، ويتغلّب عليه معدن أصيل في آخر المطاف، فيكتسب احترامه لنفسه واحترام سامية له. جسّدت زهرة هذه الحالة بلماحية وإحساس صادق بسيط وفهم نافذ لمكوّنات الشخصية وجوهرها.

تبقى زهرة العلا نموذجاً جميلاً رقيقاً في السينما المصرية... نعم هي «روح خاصة»... ووقع وطيف لا ينسى... و{زهرة السينما».

back to top