نزار فرنسيس: أنا في مواجهة مستمرّة لكل ما يسيء إلى الأغنية اللبنانيّة
نزار فرنسيس شاعر لم يكتب أغنية إلا ونجحت، سواء بصوت فنانين مخضرمين أو صاعدين. يحمل في رصيده أكثر من ألفي أغنية باللهجة اللبنانية المتعصِّب لها جدًا. قرّر راهنًا الانتقال من أغاني الحب والرومنسية إلى الأغاني الاجتماعية، من دون التوقّف عن عطائه المستمر، حاملاً الفن رسالة يمكن من خلالها مداواة آفات المجتمع. عن أعماله ومشاريعه تحدّث فرنسيس الى «الجريدة».
مع من تتعاون راهنًا؟ لدي ستة أعمال جاهزة للموسيقار ملحم بركات، وأغنية لماجدة الرومي من ألحان بركات عنوانها «وبتتغير الدقايق»، وأغنية «طمّعتك فيّي» لنجوى كرم من ألحان رواد رعد، كذلك أتعاون مع ملحم زين ووليد توفيق وزين العمر ونانسي عجرم وإليسا وعاصي الحلاني في ألبومه الجديد، وأحضّر أوبريت إضافة إلى طرح مواضيع اجتماعية وثقافية. هل يختلف التعاون بين فنان وآخر؟ لكل فنان لونه ونكهته الخاصة. مثلاً، يحتاج الموسيقار ملحم بركات إلى كلمات مختلفة عن كلمات عاصي الحلاني، التي بدورها تختلف عن كلمات راغب علامة. لماذا اتجهت نحو الأغنيات الاجتماعية؟ أنهيت مرحلة تقديم الأغنية الترفيهية للانتقال إلى مرحلة الفن الرسالة، لأنه يحقّ لي معالجة مشاكل اجتماعية نعاني منها انطلاقًا من كون الأغنية تساهم في الشفاء من الداء. ليست الأغنية اللبنانية لطرح مواضيع الحبّ والغرام فحسب، إذ يمكن أن نغني للوطن ونعبِّر عن حبنا له من دون أن يكون ثمة حرب ودمار. كم تحمل في رصيدك من أغنيات وهل تميِّز بينها؟ أكثر من ألفي أغنية أحبّها كلّها على رغم نجاح بعضها على حساب أغنيات أخرى لم تصل إلى الناس كما يجب. ما الذي يؤمن نجاح أغنية دون سواها؟ الأغنية نتيجة عمل فريق والعناصر المكوّنة لها وهي الكلمة واللحن والأداء وتنفيذ العمل مع توزيعه وتسجيله وتسويقه في الإعلام عبر الصورة في التوقيت اللازم. فإذا لم يكمّل اللحن كلمات الأغنية تفشل حتى لو نُفذّت بشكل رائع وغنّاها فنان جيّد، وذلك بسبب هبوط أحد العناصر المكوّنة لها. برأيك هل يظلم التسويق الأغنيات الجميلة؟ طبعًا. يفضّل الفنان أحيانًا أغنية من الألبوم على حساب أغنيات أخرى تبدو استكمالاً للعدد، فيضيء عليها دون سواها ويسوّقها على رغم أن تلك ربما أجمل من الأخريات. ساهمت في تحقيق نجومية فنانين كبار مثل عاصي الحلاني ونجوى كرم ونوال الزغبي وإليسا ووائل كفوري، فماذا أضاف ذلك إليك؟ أفخر بأننا بدأنا معًا فوصلوا إلى النجومية وأنا معهم بفضل صوتهم وكلمتي. من المهم أن يعترفوا بهذا الأمر كما أعترف أنا، لأن هذه الأصوات كانت سبب نجاحي. علامَ تركّز في أعمالك؟ يهمّني تقديم أغنية لا تخدش الأذن وتعبّر عن أخلاقنا ومجتمعنا وطبيعتنا وحياتنا، لأن أغنياتنا هي مرآة حضارتنا، لذلك لا يمكن أن نغني مواضيع غير متوافرة لدينا أو موجودة بنسبة 20 في المئة فحسب، فنركّز عليها في أعمالنا. ألهذا السبب تنطلق إلى مواضيع أبعد من الحب؟ طبعًا لأن الفن يحمل رسالة المحبة والتآخي والتسامح والوطنية والغرام والفراق والبكاء والمجد والعز ومن خلالها جميعها تتلاقى الحضارات الإنسانية. ما رأيك بمستوى الأغنية اللبنانية؟ ثمة أغنيات جيدة وسيئة كما في كل العصور. في زمن عبد الوهاب وأم كلثوم وفيروز ووديع الصافي، قدّم بعض الفنانين مستوى متدنيًا من الأغنيات لكننا لا نذكرهم لأن الإعلام لم يضئ عليهم، كون الفنان غير الراقي لا يعيش. راهنًا يزداد المستوى الرديء بسبب الإعلام والفضائيات المتحكّمة بالعالم والتي أضاءت على الجيد والسيئ بتساوٍ، إلا أن الأغنيات السيئة لن تدوم ولن يذكرها أحد. ما رأيك بنوعية الشعر المغنَّى؟ لا يمكن محاسبة من يكتب نوعية رديئة لأنه يظنّ نفسه شاعرًا، وهذا النوع من الشعراء لديه ملحّنوه وفنانوه الذين يتعاونون معه فيستخدمون المال لتسويق أعمالهم عبر الفضائيات. هل ترفض التعاون مع فنانين معينين؟ ثمة فنانون وفنانات، راقصون وراقصات لا يشبهونني بشيء، لذلك يعرفون أنني لا أردّ على اتصالاتهم. تحصر كتابتك باللهجة اللبنانية، لماذا؟ لأنني متعصّب جدًا لها، كوني لبنانيًا بطبيعة الحال والفن حضارتنا، إلى ذلك أريد الحفاظ على هويتي، لا يعني ذلك أنني أكره الآخرين، فأنا أستمع إلى الأغنية المصرية «المطبوخة» من فنانين مصريين وإلى الأغنية الخليجية. أكتب اللهجة البدوية أيضًا التي هي امتداد لبلاد الشام وتدخل ضمن ثقافتنا وليست غريبة عنّا. علمًا أن كتابة الأغنيات بلهجات عربية مختلفة تؤمن انتشاراً أوسع. أريد الانتشار بأغنيتي اللبنانية ورأسي مرفوع، أترك هذا النوع من وسائل الانتشار لفنانين لبنانيين يغنون اللهجة المصرية أكثر من لهجتهم اللبنانية، وأبقى خارج حساباتهم المادية. هل يساهم حسّك في الانتماء إلى اللهجة اللبنانية في رفع مستوى الأغنية المحلية؟ طبعًا، لأن الأغنية اللبنانية ليست وليدة الصدفة، فثمة من تعب من أجلها وكوّنها وبناها حرفًا حرفًا ونغمة نغمة وكلمة كلمة، وسبقتنا مدارس كبيرة مثل عاصي ومنصور الرحباني وزكي ناصيف وفيلمون وهبه وسعيد عقل وميشال طراد، هؤلاء العمالقة صنعوا الأغنية اللبنانية ووضعوها في مرتبة ذهبية، فهل يمكن أن نضعها في الحضيض؟ يهوى كثر مثلي الأغنية اللبنانية ويتمسّكون بها ويريدونها في الطليعة. هل يعني ذلك أنك في مواجهة مع المستوى الهابط؟ طبعًا، أنا في مواجهة مستمرة لكل ما يسيء إلى الأغنية اللبنانية في مكوناتها كافة، إن على صعيد الكلمة أو اللحن أو التنفيذ أو الأداء، لأن «المحن» لا يليق بها. كيف تصف شعرك المغنَّى؟ إنه جزء منّي أعشقه وهو وليد إحساس أعيشه، لأن الشاعر ابن بيئته لذلك أكتب عن تجارب يعيشها الناس وأمور خبرتها أو أحلم بأنني أعيشها، فأسقط الخيال وأرسمه. هل يفرض الشعر المغنّى إيقاع الأغنية؟ كلا. تفرض نوعية الكلام الإيقاع، ويترجم الملحّن هذا الكلام في النغم عبر إحساسه الخاص. ثمة أغنيات هادئة جميلة مثل «حبك وجع» و{لو ما تجي على نوم عينيّ» لإليسا، «حبيتك أنا» لرامي عياش و{حبيبي» و{خبيني بالقلب» لماجدة الرومي، وأغنيات إيقاعية مثل «بارودتي» و{صوت الحِدى» لعاصي الحلاني. ألا يحول هذا التنوّع دون تركك بصمة محددة؟ تظهر روح الشاعر وتصبح معروفة كما بصمة الملحّن، إنما لا علاقة لهذا الأمر بإيقاع الأغنية. إلى أي مدى تؤثر العلاقة الشخصية بالفنان في نجاح التعاون؟ بداية يجب أن أحب الفنان لأكتب له. هل تكتب الشعر وتبحث عن الفنان المناسب له، أم تكتب لفنان معيّن؟ يجب أن أرضى عن عملي، أولاً، قبل أن أتوجّه إلى الملحّن والفنان المناسبين، إلى ذلك ثمة أغنيات أكتبها بنكهة الفنان الخاصة. هل تختلف الكتابة في نقل الإحساس بين الرجل والمرأة؟ الإحساس هو نفسه عند الاثنين وكذلك مستوى الشعر على صعد الحبّ والحنين والعشق، إنما ثمة مفردات معيّنة قد تكون غير لائقة على لسان الرجل أو المرأة. نلاحظ غياب شاعرات الأغنية في لبنان، ما رأيك؟ ثمة محاولات أفضل من السابق وأنا أرى ضرورة وجودهنّ لأن الإحساس الشعري هو واحد. هل أنت راض عن مستوى الكلمات التي تغنيها الفنانة اللبنانية؟ يجب أن يكون الكلام لائقًا غير منحرف بحق الفتاة اللبنانية، كما يحصل راهنًا. بالنسبة إلي أختار الأصوات التي تغني وتتّكل على صوتها وأغنيتها. ينبغي أن تكون الأغنية راقية تعبّر عن المجتمع ككل وليس عن الفنانة فحسب. هل تؤيد مبدأ التزام الشاعر بالتعاون مع فنانين سبق أن تعاون معهم أم عليه أن يبحث عن أصوات جديدة؟ إذا اقتنعت بأصوات جديدة أقدّم لها أغنية، مثل «مش عاجبك لون السما» للفنان جهاد محفوظ الذي أحببت صوته فكانت تجربتنا جميلة. مع مَن تفضّل التعاون مِن الملحنين؟ سمير صفير وملحم بركات وثمة تعاون متكرّر مع رواد رعد بعد «شو بيشهبك تشرين» و{هاليومّا» و{يا ريتني أنا ولا إنت». إلى أي مدى يساهم هذا التناغم في نجاح الأغنية؟ التناغم هو نتيجة عشق متبادل بين الكلمة واللحن، لذلك أفضّل أن تولد الأغنية كلمة ولحنًا في الوقت نفسه، فأضع اتجاه الأغنية ومقدّمتها وأجلس مع الملحّن في انتظارها. تشهد العلاقة بين المطربين مدًا وجزرًا، فكيف هي الحال بين الكتّاب؟ أحبّ من يقدّم أعمالاً جديدة وجميلة ومن يكتب باللهجة اللبنانية، بغض النظر عما إذا كان محترفًا للشعر أم لا، لأنني أحاسب على نتيجة الأغنية وليس على اسم الفنان. هل لديك قصائد كلاسيكية؟ نعم، لكن يصعب تلحينها، وهي قصائد ألقيها عندما أُدعى إلى منابر أو مناسبات معيّنة. هل ثمة مشروع لديوان شعري؟ كلا، أنا مأخوذ بالأغنيات فيما الوقت يداهمني. أريد في النهاية اختيار أجمل ما كتبت لتكوين ديوان واحد. ما طموحك كشاعر أغنية؟ الاستمرارية والحضور وإثبات الوجود والمتابعة. كيف يكون ذلك؟ عبر التجدّد الدائم والحيوية في العطاء والتركيز على النوعية واختيار الأفضل واصطياد الكلمة الجميلة. كيف تتفادى الوقوع في التكرار؟ عندما أقع في التكرار يعني أنه حان وقت اعتزال الكتابة. بالنسبة إليّ الشعر بحر لا ينضب. يعاني الفنانون من غياب الحقوق الفكرية، كيف يمكن معالجة هذه المشكلة؟ عبر توحيد كلمة المبدعين، أي الشعراء والملحنين والموزّعين وناشري الموسيقى، لنتعاطى مع الثقافات الأخرى في هذا الإطار، لأن ثمة تبادلا فنيًا حضاريًا لا يجوز أن يكون مجزأً في لبنان. يجب أن تكون معاناتنا من أولوية الدولة، إنما هذه الأخيرة معذورة لأن رغيف الخبز والأمن أهم، لذلك نحن صابرون في ظل زيادة التجاذب السياسي. هل تشعر بأن الأغنية اللبنانية قيّمة في العالم العربي؟ كانت أهم في المرحلة السابقة لكنها جيدة راهنًا. هل من تواصل مع فنانين عرب؟ أقدّر صابر الرباعي الذي غنّى «عزة نفسي» و{عالطاير» و{الله يحميك» و{على نار»، باحتراف. لدي صداقات لا اتصالات مع فنانين عرب، ربما أنا مقصّر في هذا الإطار، لكنني راضٍ عمّن غنى وسيغني أعمالي وأعتزّ به كثيرًا ولست نادمًا أبدًا.