رئيس دار الكتب والوثائق المصرية.. د. زين عبد الهادي: المكتبة الوطنية مشروع جديد لمصر الثورة
بين عوالم الأدب والفكر والإدارة تتشابك خيوط حياة الروائي وأستاذ علم المكتبات د. زين عبد الهادي الذي لم تمض إلا أيام قلائل على توليه منصب رئيس «دار الكتب والوثائق القومية المصرية»، خلفاً لـ د. محمد صابر عرب بعد خروجه على المعاش. يحمل عبد الهادي وهو على أعتاب ولايته أفكار ثائر، وهو الذي جرب النضال الذي أفضى به إلى عالم الاعتقال السياسي منذ الشباب. أفكار قادرة على أن تفجر ثورة بناء داخل دار الكتب والوثائق المصرية لتحويلها إلى مكتبة وطنية تتحول إلى مركز إشعاع ثقافي في العالم العربي كله.
حول مشروع «عبد الهادي» ورؤيته لتطوير الدار ومستقبلها كان حوار «الجريدة» معه.ما هو المشروع الذي تضعه كأولوية في مستهل رئاستك للدار؟نقوم بمبادرة عالمية لتحويل «دار الكتب والوثائق» إلى مكتبة وطنية على غرار المكتبات الوطنية في العالم الغربي، لذلك سنغير اسم «دار الكتب» وهو ترجمة حرفية للمصطلح التركي «كتبخانة» إلى «المكتبة الوطنية».سيتضمن التغيير أيضاً المضمون والخدمة التي تقدمها الدار لجمهورها العريض. ستكون المبادرة بمثابة خطة عمل للدار في السنوات المقبلة ونعمل على نشرها بين مختلف الجهات المعنية والمانحة ووسائل الإعلام المختلفة. تتضمن المبادرة مشروع إعادة هيكلة وتطوير شامل لدار الكتب والوثائق القومية، من خلال إعادة تصميم مبنى دار الكتب المطل على كورنيش النيل ليتوافق مع أحدث وسائل العرض المكتبي في العالم. فنحن نريد مكتبة وطنية تليق باسم مصر وتعبر عن روح القاهرة الغني بالتنوع الذي يضم تراثاً قبطياً وإسلامياً وحديثاً متمثلاً في القاهرة الخديوية.ماذا عن محتوى الدار؟لا مشكلة في هذا المجال، فالدار تقتني أربعة ملايين كتاب و60 ألف مخطوط من ضمنها مجموعة من المصاحف المملوكية التي لا توجد في أي مكان في العالم، 25 مليون وثيقة مسجلين على قاعدة البيانات الإلكترونية، و130 ألف خارطة، بالإضافة إلى مجموعة من التسجيلات السمعية التي تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهي مجموعة نادرة لا توجد في الإذاعة المصرية. بالتالي، دعونا منظمة «اليونسكو» إلى إطلاق يوم عالمي للحفاظ على التراث المتمثل في المخطوطات وورق البردى، وقد خاطبنا وزير الثقافة الدكتور شاكر عبد الحميد في هذا الشأن.هذا من جهة المحتوى، أما المقر في كورنيش النيل فيحتاج إلى إعادة تأهيل ليتوافق مع مكانة «المكتبة الوطنية» الجديدة التي تستحقها مصر الجديدة بعد الثورة، لا سيما أن قاعات العرض يرثى لها يلزمها تطوير شامل يتجاوز فكرة تغيير الأثاث للوصول إلى مرحلة العرض المكتبي الفني.هذه هي أهم ملامح مشروع «المكتبة الوطنية» الذي نقدمه لمصر الثورة لنؤكد للعالم أن مصر تغيرت إلى الأفضل بعد الثورة، فالعالم لا يراك إلا حين تتكلم وكلام مصر تعبر عنه مؤسسات قوية تتعامل بالمثل مع المؤسسات المختلفة في العالم. لذلك سأقوم ووزير الثقافة د. شاكر عبد الحميد بعدد من الزيارات إلى المكتبات الوطنية العالمية لنشر فكرة مشروع المكتبة الوطنية من جهة، وللاطلاع على أحدث ما توصلت إليه من وسائل عرض الكتب وآخر المستجدات المتعلقة بإعادة بناء وترميم المكتبات الوطنية. نبدأ في فبراير المقبل بزيارة المكتبة الوطنية في كل من لندن وباريس ومدريد لأجل هذا الغرض.هل للعاملين في الدار نصيب من خطط التطوير؟رفع دخل العاملين في الدار إحدى أهم أولوياتي في المرحلة المقبلة، فلا يمكن الحديث عن تطوير للأداء أو الارتقاء بمستوى خدمات دار الكتب والوثائق في ظل تدني الأجور. لا بد من العمل على ارتقاء بمستوى العاملين في الدار ليكونوا شركاء في عملية النهوض بالمكتبة الوطنية، في ظل حرصنا على عدم استقدام أي خبرات من خارج الدار.كيف سيتم تمويل هذا المشروع الطموح في ظل الظروف التي تمر بها مصر حاليا؟لا يمكن للحكومة أن تتحمل تكاليف عملية التطوير في ظل الظروف الحالية، لذلك نبحث عن مصادر تمويل غير تقليدية، وما زلنا في مرحلة مخاطبة المؤسسات الدولية والمعنية للمشاركة في مخططات التطوير. كذلك نعمل على نشر مبادرة «المكتبة الوطنية» بين وسائل الإعلام وقد سمحت لنا مؤسسسة «الأهرام» باستخدام مقدراتها الإعلامية في هذا المجال، وأبدى المسؤولون في «البنك العربي الإفريقي» اهتمامهم بالمشاركة في دعم عمليات ترميم وثائق وكتب المعهد العلمي.هل ستفصلون «دار الوثائق» عن «دار الكتب» أم سيظلان تحت إشراف هيئة واحدة؟ أؤيد الفصل التام بين المكتبة الوطنية و{دار الوثائق» أو الأرشيف الوطني، ولا يوجد مبرر لهذا الدمج من الناحية العلمية، فعلى مستوى العالم كله الجهتان مفصولتان، باستثناء كندا التي تجمع الدارين في مبنى واحد. كذلك أشير إلى أن نوعي مصادر المعلومات مختلفة تماماً، وكل دار يتم التعامل مع مقتنياتها بطريقة مختلفة.لكن الفصل لن يتحقق إلا بعد إقرار عدد من التنظيمات، من بينها أن تُضم دار المحفوظات التابعة لوزارة المالية إلى دار الوثائق التابعة لوزارة الثقافة، لأن الدمج سيكون لمصلحة الوثائق التي لا بد من أن تشرف عليها مؤسسة واحدة متخصصة. كذلك سنصدر مشروع قانون الوثائق الذي ينص على تقديم الوزارات وثائقها التي انتهى التعامل بها للدار. كذلك نريد أن نصدر قانوناً جديداً يتيح للمكتبة الوطنية الإشراف على المكتبات العامة في مصر، فثمة 30 ألف جمعية أهلية في مصر، خمسة آلاف منها تملك مكتبات من ضمنها مئة جمعية لديها مكتبات توازي مكتبة المعهد العلمي ولا نعلم عنها شيئاً.سيقر القانون عملية الإشراف الفني للمكتبة الوطنية على هذه المكتبات من خلال إمدادها بالمعايير الأمنية والفنية وأمناء للفهرسة، على أن تصور المكتبة الوطنية الكتب والوثائق المهمة لدى هذه المكتبات لتحتفظ بنسخة منها تتيحها للجمهور.ما هي الآليات التي تتبعها «المكتبة الوطنية» للحفاظ على هذا التراث الضخم؟تحظى دار الكتب والوثائق بإدارة مركزية للمراكز العملية التي تضم مراكز التدريب والترميم وتحقيق التراث، ومركز مصر المعاصرة ومركز لبحوث وأدب الطفل. كذلك نعمل على إنشاء ثلاثة معاهد دولية تابعة للمكتبة الوطنية، هي معهد دولي لترميم الكتب والمخطوطات، ومعهد دولي لتحقيق التراث ومعهد دولي لرقمنة الوثائق. هذه مؤسسات تعليمية لا بد من أن تتبع المكتبة الوطنية لأنها ليست مكاناً لاقتناء الكتب فحسب بل تقدم كوادر بشرية على أعلى مستوى من الخبرة والعلم والمهارة.وسط القلاقل التي تمر بها مصر، هل وسائل الأمن كافية للحفاظ على الكنوز الموجودة في الدار؟بغض النظر عن المشيئة الإلهية والزلازل والبراكين، في ما يتعلق بالإجراءات الإنشائية الاحتياطات الأمنية كافة متبعة. يتوافر لدينا أنظمة للإنذار ضد السرقة والحرائق وأي كوارث صناعية، وانتهينا أخيراً، في فترة ولاية الصديق الدكتور صابر عرب، من تركيب جهاز جديد يعمل بنظام الضباب يستطيع أن يوقف أي حرائق من دون استخدام مياه أو مواد كيماوية قد تصيب الكتب بالتلف.في مؤلفاتك تهتم بالكومبيوتر وعلاقته بالكتب، هل نرى في الفترة المقبلة ربطاً لكنوز الدار بالعالم الافتراضي؟نعمل على الموقع الإلكتروني منذ أشهر، وكان من المتوقع تدشينه إبان فترة إدارتي لدار الكتب في بداية سبتمبر الماضي، إلا أني لاحظت من خلال تخصصي في مجال المعلومات وعلم المكتبات أن الموقع لا يعبر عن ملامح دار الكتب، لذلك أخرت عملية إطلاقه حتى نستكمل بعض مواضع النقص فيه.ينطلق الموقع خلال أسابيع قليلة باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، ليصبح همزة وصل بين الجمهور والدار ويعبر عن المحتوى الثقافي للمكتبة الوطنية، وثمة 11 مليون وثيقة مرقمنة على موقع دار الوثائق القومية، ومليون عنوان كتاب على موقع دار الكتب الإلكتروني.متى ستستفيد مصر من «المكتبة الوطنية» كمصدر للدخل القومي؟وقعت اتفاقية مع وزارة الاستثمار المصرية لتحويل الدار من الإطار الخدمي إلى جهة ربحية، ذلك عبر إنشاء إدارة للإنتاج الثقافي تابعة لهيئة دار الكتب والوثائق، يكون هدفها تسويق نماذج للأصول التراثية الموجودة في الدار توزع بالقرب من جميع الأماكن الأثرية المصرية التي يتردد عليها السياح، وطرحها لجمهور المصريين بأسعار مدعمة لنشر الثقافة بتراث الأجداد. فمثلاً، المتحف البريطاني الذي يزوره سنوياً 50 مليون سائح، يعد مصدر الدخل الثاني في الاقتصاد البريطاني على رغم أن دخوله بالمجان، فمن أين تأتي هذه الأموال؟! تأتي من خلال مبيعات المنتج الثقافي التراثي، وتدهش عندما تعرف أن معظم المتحف المباعة عبارة عن نسخ مقلدة للآثار المصرية الموجودة في المتحف البريطاني.لدينا مصادر دخل كثيرة علينا أن نحسن استخدامها وستدر علينا أموالاً كثيرة تنعكس على أداء الهيئة. لدينا مثلاً مصاحف ضخمة جداً ولو تمكنا من إنتاج نماذج منمنمة بأسعار رخيصة ونماذج من المصورات الموجودة في الكتب أو التسجيلات النادرة وبيعها للجمهور، فسنحقق دخلاً سواء للدار أو للأماكن الأثرية المنتشرة في مصر. كذلك سنصل بهذه النماذج إلى الشوارع والحواري المصرية لتشكيل حالة من الوعي الثقافي بين الشعب المصري، فالفترة التي نعيشها لا تحتمل أن نحيا في برج عاجي.حدثنا عن استعدادات الدار لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.مع حريق المعهد العلمي احترقت نسخته من موسوعة «وصف مصر»، لذلك قررنا بالتعاون مع الهيئة العامة للكتاب طرح نسخة زهيدة السعر من الموسوعة، على أن يكتب مقدمتها الدكتور شاكر عبد الحميد. كذلك أعد دراسة عن «وصف مصر» توضع في مقدمة الكتاب، وهي طبعة ستكون موجودة في المعرض المقبل بسعر زهيد لا يتعدى بضعة جنيهات حرصاً منا على توفير نسخة من هذا الكتاب في كل بيت مصري.سيتضمن المعرض أيضاً عدداً من الإصدارات الخاصة بسلسلة «الحرية والثورة» التي صدر منها حوالى 30 عنواناً.