تمارين رياضيَّة خلال العمل!

نشر في 10-11-2011 | 00:01
آخر تحديث 10-11-2011 | 00:01
صحيح أن طبيعة عمل اليوم لا تتطلّب من صاحبها بذل جهد جسدي كبير، إلا أن غالبية الوظائف تفرض على أصحابها الجلوس وراء مكاتبهم من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساء مؤثّرة بذلك في حالتهم الصحية. ماذا كتبت الـ{واشنطن بوست» في هذا المجال؟

وفقاً لتقديرات دراسة نشرتها مجلة PloS One الإلكترونية في شهر مايو الفائت، أنه في العقود الماضية التي كان فيها عدد الوظائف المكتبية أقل، كان الأميركيون يحرقون يومياً في مكان عملهم 100 سعرة حرارية أكثر من تلك التي يحرقونها اليوم.

في هذا الإطار، يقول تيم تشيرش، المؤلف المشهور والباحث في التمارين الرياضية في مركز أبحاث بيتيغتون للطب الحيوي الواقع في بايتون روج: «حصلت تغييرات ضخمة في محيط مكان العمل أسفرت عن خسارة الوظائف التي تتطلّب نشاطاً جسدياً».

تبيّن لتشيرش وزملائه أن معدّل الأشخاص الذين يشغلون وظائف تتطلّب نشاطاً جسدياً معتدلاً تراجع من 48% في عام 1960 إلى 20% في عام 2008. كذلك وجد الباحثون علاقةً بين تراجع عدد السعرات الحرارية المحروقة وارتفاع الوزن المتوسط في العقود الخمسة الماضية.

قليلون هم الباحثون الخلاقون الذين توصّلوا إلى أفكار تساعدهم في زيادة نشاطهم البدني في مكان العمل. فعلى سبيل المثال، روّج الدكتور جايمس ليفين، الاختصاصي في الغدد الصماء والذي يعمل في عيادة مايو كلينيك، لمكتب التدويس الذي يسمح للموظّف بالمشي مشياً بطئياً أثناء عمله على جهاز كمبيوتر موصول بجهاز التدويس. ويبدأ سعر نماذج هذا الجهاز المصنوعة في المعامل اعتباراً من 2000 دولار. كذلك ثمة آلات تدويس توضع تحت المكتب مثل آلة Gamercize PC-Sport التي يبلغ سعرها 195 دولاراً والتي تتطلّب، لكي تعمل، تدويساً دائماً وإلا توقّفت فأرة الكمبيوتر أو لوح المفاتيح عن العمل. وللقيام بتمارين للمناطق العلويّة من الجسم، ابتكر العلماء آلة GymyHum التي يبلغ سعرها 599 دولاراً، وهي عبارة عن كرسي مجهّز بعصابات مقاومة مدمجة.

لكنك لست مضطراً في واقع الأمر الى إنفاق هذه المبالغ للقيام بتمارين رياضية. ذلك أن الاختصاصيين في اللياقة البدنية يروّجون لخيارات بخسة – وإن كان يبدو شكلها مضحكاً أحياناً- لتحسين لياقتك البدنية خلال ساعات العمل المكتبي.

أعدّت توني يانسي، باحثة في مدرسة الصحة العامة في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس، وألّفت كتاباً بعنوان «استراحة قصيرة» عرضت فيه تمارين رياضية روتينية لا تستغرق ممارستها مدة 10 دقائق. وقد شمل الكتاب تدريبات قوية وتمارين هوائية يمكن ممارستها في حدود غرفة صغيرة مثل الركلات التي تشغّل العضلات الثلاثية الرؤوس، وحركات رفع الركبة وتشغيل أوتارها.

في هذا السياق، تقول يانسي: «إنها حركات بسيطة يستطيع أيٌ كان القيام بها حتى الأشخاص الذين يعانون البدانة أو الإعاقات الجسدية»، مضيفةً أن هذا المفهوم قد تبنّته مئات المكاتب والمدارس وغيرها من المنظّمات.

ووفقاً ليانسي، تشمل حركات كثيرة أعضاء الجسم السفلى التي تتميّز بعدد كبير من العضلات القادرة على حرق سعرات حرارية أكثر من عضلات أعضاء الجسم العليا. في الحالات المثلى، يتعيّن على الناس ممارسة التمارين الرياضية مرّتين يومياً- مرّة في فترة منتصف الصباح ومرّة في فترة الظهيرة- لكسر فترات الجلوس الطويلة.

يلقى برنامج التمارين هذا إقبالاً كبيراً من الموظّفين العاملين في وزارة الصحة التابعة لمقاطعة لوس إنجليس الذين مضى على تطبيقهم هذا البرنامج ما يزيد على الخمسة أعوام. وتذكر سينتيا هاردينغ، مديرة قسم صحة الأم والطفل والمراهق في وزارة الصحة الأميركية، أن بعض العاملين يجد أن التمارين الرياضية أكثر قدرة على إيقاظه وتنشيطه من فنجان قهوة، لافتةً الى أن عمّالاً كثراً يولون أهمية كبيرة لصحتهم.

محيط الخصر

في دراسة نُشرت عام 2008 في مجلّة Preventing Chronic Disease ، أُجري اختبار على 271 موظفاً في وزارة الصحة المكسيكية مارسوا تمارين يانسي الرياضية لمدة 10 دقائق في كل يوم عمل. بعد مرور عام، لاحظ العلماء أن محيط الخصر لدى المشاركين في الاختبار قد انخفض بمعدّل 1.6 سنتمتر. كذلك لاحظوا أن ممارسة التمارين الرياضية ساعد الرجال على نحو خاص في تخفيض مؤشر كتلة جسمهم في حين ساعد النساء في تخفيض ضغط الدم الانبساطي لديهن.

واليوم، أصبحت يانسي وزملاؤها الباحثون في جامعة كاليفورنيا في العام الثالث من دراسة مدتها خمسة أعوام مموّلة من معاهد الصحة الوطنية الأميركية هدفها دراسة الأماكن في مقاطعة لوس أنجليس التي يُطبّق فيها البرنامج الرياضي بغية مقارنة حالة المشاركين في البرنامج الصحي بحالة أولئك غير المشاركين فيه. وقد أظهرت بيانات نسخة الدراسة التجريبية التي عرضت خلال اجتماع عقده المعهد الوطني للقلب والرئة والدمّ في عام 2009، أن الموظفين الذين شاركوا في البرنامج الرياضي نجحوا في الحفاظ على مؤشر كتلة جسم مستقر، في حين أن الذين لم يشاركوا شهدوا ارتفاعاً في معدّل مؤشر كتلة الجسم لديهم.

في هذا الإطار، تنصح أليس بيورون، المتحدّثة باسم المجلس الأميركي للتمارين الرياضية، بممارسة بديل أكثر كثافة عن تمارين يانسي الرياضية: تمارين القوة الارتدادية وهي عبارة عن حركات سريعة وقوية تشمل تمارين تشغيل العضلات الجانبية في الجسم وقفز القرفصاء. ووفقاً لبيورون، تتطلّب هذه التمارين تشغيل عضلات عدة وتستلزم طاقة عالية وتحرق سعرات حرارية كثيرة.

تنصح بيورون قائلة: «إذا استطعت، جد طريقة لتحريك أعضاء جسمك العلوية والسفلية في آن». كذلك تنصح الموظّفين برفع الأثقال بواسطة ذراعهم (ليس ضرورياً حمل الأوزان الثقيلة إنما يمكن حمل زجاجة ماء أو كبّاسة) خلال ممارستهم حركات تشغيل مناطق الجسم السفلى، «عندما تضيف حركة الذراعين، تزيدُ التمارين الرياضية قوةً».

يُذكر أن ممارسة تمارين القوة الارتدادية قد تجعل الموظّفين يتصبّبون عرقاً، لذا تنصح بيورون بالتخفيف من قوة التمارين الإجمالية بمزج تمارين القوة الارتدادية مع تمارين يانسي.

في المقابل، يقول تشيرش إن التمارين الممارسة في المكتب ليست أفضل وسيلة لتحسين لياقة الموظفين البدنية في مكان العمل. وينصح باعتماد حلّ أكثر بساطة: استعمال عدّاد الخطى.

يضيف تشيرش: «لا تعي مدى قلة حركتك إلا عندما تبدأ باستعمال عداد خطى». قد يظهر هذا الجهاز نتائج فظيعة تجعل الإنسان يقلب نمط حياته رأساً على عقب، كذلك تساعده في بلوغ اللياقة البدنية المنشودة.

يمشي الإنسان الأميركي العادي أكثر من 6000 خطوة – ما يقارب الـ4.8 كيلومترات- يومياً، علماً أن الكثير من أبحاث الصحة العامة قد أظهر أنه على المرء أن يمشي يومياً 10000 خطوة تقريباً أي ما يساوي ثمانية كيلومترات. ووفقاً لكاترين تيودور- لوك، الباحثة في سلوك المشي والمؤلفة، فإن الشخص الذي يمشي أقل من 5000 خطوة يومياً هو إنسان قليل الحركة، مشيرةً إلى أن أشخاصاً كثراً يجلسون أمام مكاتبهم يومياً يمكن إدراجهم في خانة قليلي الحركة.

صحيح أن حثّ الناس على المشي 10000 خطوة يومياً قد يبدو مهمة خيالية، إلا أن على الذين لا يمشون كثيراً عدم الشعور باليأس عند سماعهم بهذا الرقم، إنما زيادة إصرارهم على التحرّك. تقول تيودور- لوك إن زيادة عدد الخطوات التي نمشيها بمعدّل 2000 إلى 2500 خطوة يومياً قد تؤدي إلى تحسّن ملحوظ في الوزن وضغط الدم.

وقد بيّنت دراسة نُشرت في مجلة Journal of the American Medical Association في عام 2007 أن عدّاد الخطى يساعد في زيادة عدد الخطوات التي يخطوها الإنسان يومياً بمعدّل يفوق الـ2100 خطوة، وفي زيادة النشاط الجسدي الإجمالي بنسبة 27% تقريباً. وأظهرت مختلف الدراسات أيضاً انخفاضاً ملحوظاً في مؤشر كتلة الجسم وفي ضغط الدم الانقباضي والانبساطي.

تنصح دينا بيرفاتا، المؤلفة الأساسية للدراسة التي تناولت أهمية عدّاد الخطى، بتدوين عدد الخطوات التي يخطوها الإنسان يومياً، وبتحديد أهداف محدّدة، وبتطبيق استراتيجيات معينة تساعد الإنسان على زيادة عدد خطواته مثل ركن السيارة في موقف بعيد عن المكتب أو استعمال السلالم بصورة أكثر تواتراً. كذلك تنصح بعقد «اجتماعات مشي» أي اجتماعات يتباحث أطرافها في شؤون العمل أثناء تجوالهم في محيط المكتب عوضاً عن الجلوس حول طاولة مستديرة.

تشير تيودور-لوك: «يحسب عدّاد الخطى عدد خطوات الإنسان، إنه مجرّد أداة. بالتالي، إن لم يغيّر الناس سلوكم وعاداتهم الحياتية، سيضعون العدّاد في درج المكتب ولن يلاحظوا أي تحسّن في حالتهم البدنية».

في الأحوال كافة، يعتبر الباحثون أنه قلما يهم أيّ من المقاربات يرغب الناس في تبنّيها والعمل بها، ذلك أن الخطوة الأهم تكمن في النهوض والتحرّك.

في هذا الإطار، يعلّق تشيرش قائلاً: «القيام بأي شيء أفضل من عدمه».

back to top