قشريات تصنع الحرير تحت الماء
حرير العنكبوت مادة مثيرة للإعجاب، فهو مرن وخفيف جداً وأقوى من الفولاذ. كذلك يُعتبر غراء الصدف مادة مميزة أيضاً، فهو من صنع حيوان بحري كان أسلافه يسبحون بكل حرية في البحر وصولاً إلى الصخور التي تضربها في العادة أمواج قوية. بالتالي، ما سيكون نتاج الخلط بين المادّتين؟ من The Economist المقال التالي.
يأمل فليتز فولراث من جامعة أكسفورد في اكتشاف نتيجة المزج بين حرير العنكبوت وغراء الصدف، وقد وجد وزملاؤه، أنّ نوعاً من القشريات البحرية الصغيرة، اسمه «كراسيكوروفيوم بونيلي» (Crassicorophium bonellii )، ينتج مادة تتمتع بخصائص لاصقة موجودة في غراء الصدف والخصائص البنيوية الموجودة في ألياف حرير العنكبوت. تكون هذه المادة مقاوِمة للمياه ومرنة، لكنها لزجة قليلاً، وتستعملها الحيوانات لبناء «منازل أنبوبية» في رواسب قاع البحر.أظهرت دراسات فولراث لهذا النوع من القشريات أن المادة المُكتَشفة تُفرِزها غدد مشابهة لتلك التي يستعملها الصدف لتصنيع مادّته. بما أن الصدف ونوع «كراسيكوروفيوم» ينتميان إلى فصيلة القشريات - مع أنّ بعض أسلافهما المشتركين وُجدوا منذ 100 سنة - يتّضح وجود أصل واحد للقدرة على تصنيع هذا النوع من المواد اللزجة. قد يفسّر هذا الأمر اللغز المتعلق بالطريقة التي استقرّ فيها الصدف في المقام الأول.ربما استعملت الفصيلة التي سبقت نوع «كراسيكوروفيوم» هذه المادة للالتصاق بالصخور وكانت تقتات من كائنات تمرّ أمامها من خلال التقاطها بأقدامها، تماماً كما يفعل الصدف المعاصر. (على الأرجح ظهرت اللوحات الواقية في مرحلة لاحقة). تركيبة كيماويةلتحليل العلاقة القائمة بين المادة اللزجة المُكتشفة حديثاً وغراء الصدف، ألقى زميلا فولراث، كاثرين كرونينبيرغر وسيدريك ديكو، نظرة على التركيبة الكيماوية للنوعين. تبيّن أن البروتينات في غراء الصدف يطغى عليها حمضان أمينيان هما البرولين والإيزوليوسين. يميل هذان النوعان إلى إقامة روابط بين جزيئات البروتين وإلى ضمان تماسك هذه الجزيئات. في المقابل، تطغى أحماض الليسين والغليسين والأسبارتيك على المادة اللزجة التي تفرزها قشريات «كراسيكوروفيوم». هذا ما يشجع جزيئات البروتين على التمطط وإنتاج الألياف.فضلاً عن ذلك، بينما يفرز الصدف مادّته ببساطة، تعالج قشريات «كراسيكوروفيوم» مادّتها عن طريق الحياكة التي يطبّقها العنكبوت. تظهر المادة اللزجة من فجوات موجودة في أقدام القشريات ويتم تدويرها حتى ظهور خيوط رفيعة، ذلك عبر إلصاقها بسطح معين ثم سحبها على شكل خيوط.من الملاحظ أن هذه الطريقة في حياكة الحرير تشبه الطريقة التي تستعملها العناكب، إذ تسحب هذه الأخيرة المادة من أجسامها عبر استعمال أقدامها. لكن ينجم ذلك التشابه على الأرجح عن تطور متقارب، لا عن أصل مشترك، بما أنّ آخر سلف مشترك بين قشريات «كراسيكوروفيوم» والعناكب كان موجوداً منذ فترة طويلة تسبق بكثير الفترة التي ظهر فيها أسلاف قشريات «كراسيكوروفيوم» والصدف.عدا عن الفضول الذي يثيره حرير «كراسيكوروفيوم»، قد يترافق اكتشاف هذا الحرير مع منافع عملية عدة. في المجالات التكنولوجية الحيوية، من الأفضل استعمال الحرير على شكل مادة صناعية، وقد تصبح هذه المادة شائعة جداً بسبب خفّتها ومرونتها وقوتها. ستساهم الإضافة التي يقدمها حرير «كراسيكوروفيوم»، أو على الأقل المعارف المكتسبة من تحليل هذا الحرير، في توسيع نطاق استعمالاته. يعتبر فولراث مثلاً أن قوة تحمّل حرير «كراسيكوروفيوم» للماء المالحة تعني أنه قد يُستعمَل في تطبيقات طبية تستلزم أن يحتكّ بسوائل مالحة.مع قليل من الحظ إذاً، قد تساهم هذه الأبحاث الغامضة التي انطلقت بدافع الفضول في تقديم منافع مهمة إلى البشرية.