تقرير اقتصادي: تبني الحكومة لزيادات الرواتب نقض صريح لتقرير "الاستشارية الاقتصادية"

نشر في 07-03-2012 | 21:01
آخر تحديث 07-03-2012 | 21:01
No Image Caption
-مجلس الوزراء يحذرنا من نمو الإنفاق الاستهلاكي ويتبنى موازنة متضخمة بالاستهلاك!

-من يتذكر تقرير لجنة إصلاح المسار قبل 11 عاماً؟ وأين هي الآن؟

الحكومة أثبتت بموافقتها على زيادات الرواتب أنها تسير على نفس النهج السابق في إدارة الدولة منذ 20 عاماً أو ما يزيد من حيث تأسيسها أو تكليفها للجان اقتصادية إعداد دراسات عن الاقتصاد الكويتي تكون كل نتائجها تحذيراً من الاستمرار في النهج الحالي ثم تقوم بعدها بنقض ما جاء في التقارير المتخصصة.

لم يكد يمر اقل من شهرين على تقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية الذي رفعته الحكومة بداية العام الجاري الى سمو امير البلاد حتى شرع مجلس الوزراء في نقض الفلسفة التي قام عليها التقرير باعتماد مجلس الخدمة المدنية لزيادة جديدة في الرواتب والاجور تبلغ قيمتها الاجمالية السنوية نحو 600 مليون دينار.

ورغم ان التقرير حذر بشكل واضح من استمرار سياسات الانفاق، بل ورغم ان سمو رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك ووزير المالية مصطفى الشمالي اكدا وقت استلام تقرير اللجنة اهمية تطبيق كل ما فيه فإن الحكومة اتخذت قراراها رغم كل تحذيرات التقرير من الموافقة على زيادات الرواتب التي كانت تشكو من تراكمها قبل نحو 45 يوما!

فتقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية الذي اعدته مجموعة من المختصين والاقتصاديين بهدف معالجة الاختلالات الرئيسية في الاقتصاد الكويتي شدد صراحة على ان الاستمرار في اليات الانفاق الحالية يعني دخول الدولة دائرة العجز المالي بحلول عام 2020 بواقع 3.4 مليارات دينار واستفحال العجز التراكمي الى 174 مليار دولار في 2030 ناهيك عن عدم قدرة الدولة على توفير فرص العمل او الخدمات.

شراء ولاءات

وصحيح ان المعلومات الواردة في التقرير مهمة لكن الاهم هو ان الحكومة اثبتت بموافقتها على زيادات الرواتب انها تسير على نفس النهج السابق في ادارة الدولة منذ 20 عاما او حتى اكثر من حيث تأسيسها او تكليفها للجان اقتصادية اعداد دراسات عن الاقتصاد الكويتي تكون نتائجها كلها تحذيرا من الاستمرار في النهج الحالي ثم تقوم الحكومة بعدها بنقض ما جاء في التقارير المتخصصة لتقر ما يضمن لها الاستمرار السياسي عبر شراء ولاءات النواب والمواطنين.

فمن يتذكر تقرير لجنة إصلاح المسار الاقتصادي الذي أعدته قبل نحو 11 عاما عن مواطن الخلل في الاقتصاد الكويتي؟، لكن ايا من توصيات اللجنة لم ينفذ حتى اليوم بل ان السياسات الحكومية في الادارة والاقتصاد كلها ناقضت هذه التوصيات وغيرها من اللجان الرئيسية والفرعية ناهيك عن دراسات البنك الدولي والمؤسسات المالية التي تطلب الحكومة منها اعداد دراسات عن الاقتصاد الكويتي بمقابل مادي لتضع معظمها على الرف بلا تنفيذ.

ورغم ان الحكومة الحالية نفسها انتقدت فلسفة اعداد الموازنات العامة بالدولة فإنها عادت لتعتمد مشروع موازنة جديدة بنفس الفلسفة السابقة في الانفاق التي يغلب عليها الاستهلاك اكثر من البناء او الاستثمار، وأيضا بزيادة كبرى في المصروفات تبلغ 22 مليار دينار وهي لا تتضمن الزيادة على المرتبات المقترحة التي تبلغ 600 مليون دينار.

أولم يحذرنا وزير المالية في جلسة مجلس الامة الخاصة بمناقشة كادر المعلمين من خطورة سياسات الانفاق المتنامية على الكوادر والزيادات التي قد تؤدي الى تعويم الدينار رغم ان كلفة كادر المعلمين فقط تصل الى 240 مليون دينار وهو في حكومة تتبنى اليوم مشروع زيادات رواتب بـ 600 مليون دينار؟

الفكرة ليست في معارضة الكوادر او الزيادات المالية من عدمها، ولكن في مدى ايمان الحكومة ببرامج الاصلاح الاقتصادي او بالتقارير التي اعلنت تبنيها قبل فترة وجيزة، فمن يتبنى توصيات بحجم تلك التي وردت في تقرير "الاستشارية الاقتصادية" لا يمكن ان يتبنى مشروع زيادة للرواتب دون ان يوضح على الاقل الاعتبارات التي دعته الى زيادتها.

ومن يضمن غداً ألا توافق الحكومة مثلا على اسقاط فوائد الديون عن المواطنين بقيمة 1.45 مليار دينار مع ان وزير المالية اعلن اكثر من مرة رفضه لمثل هذا الاسقاط؟ لكن الخوف من الضغط النيابي ومحاولات شراء ولاء المواطنين من خلال استنزاف اموال الدولة سياسة حكومية معتمدة منذ سنوات طويلة، وبالتالي ربما ترضخ الحكومة تحت الضغط النيابي والسياسي في المستقبل لان لا احد يستطيع ان يراهن على مدى جدية حكومة تناقض نفسها بالاصلاح، فهي اليوم تتبنى مشروعا اصلاحيا وتعود خلال اسابيع لتنقض هذا المشروع وفقا لسياساتها القديمة.

في كل الدول التي تتبنى عملية زيادة الرواتب تكون هنالك معايير واضحة للاسباب التي تدعو الدولة لدراسة الزيادة منها على سبيل المثال نسبة التضخم، الا ان معايير احتساب التضخم في الكويت اصلا تعتبر اولية ولا تقارن بالمعايير العالمية في احتساب نسب التضخم وبالتالي لا احد يعرف ولا الحكومة تفصح عن المعايير الخاصة بالزيادة على الرواتب ليعرف المختصون جدواها من عدمه.

تحفيز الشباب

والغريب في الامر ان الزيادات تتضمن زيادة لرواتب موظفي القطاع الخاص بالاضافة الى ما تدفعه الدولة من خلال دعم العمالة الوطنية، وهو كما يقول وزير المالية لتحفيز الشباب على العمل في القطاع الخاص خصوصا بعد نمو رواتب موظفي الجهاز الحكومي!

وصحيح ان زيادة الرواتب للقطاع الخاص ستساهم في دعم توظيف الشباب في القطاع الخاص لكن هذا يجب ان يكون جزءا من مشروع متكامل يدعم مشاريع الشباب الصغيرة والمتوسطة، وينمي بيئة الاعمال خصوصا في وقت تقوم الشركات بتسريح موظفيها الشباب بسبب ضعف البيئة التشغيلية.

ان زيادة الرواتب في الكويت اذا كانت وحدها خارج اي مشروع تطوير عام لخدمات الجهاز الحكومي فلا يمكن ان تفي بالاغراض التي اقرت من اجلها الزيادة، فمثلا اكثر الفئات التي استفادت في وقت سابق من زيادات الرواتب الاطباء والمدرسون، ومع ذلك نجد بوضوح ان خدمات وزارتي الصحة والتربية من اسوأ الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين، لذلك يجب ان تكون اي عملية لزيادة الرواتب ضمن مشروع متكامل لرفع الخدمات وليس لارضاء نواب او كسب ولاء سياسي.

من المهم ان نعلم ان سياسات الانفاق الحالية فيها خطر كبير على الاقتصاد والمستقبل، فبالنظر الى الحالة المالية للدولة في عام 2010 نجد ان قيمة احتياطي الأجيال القادمة 213 مليار دولار، والنفقات العامة 37 مليار دولار، ما يعني أن الاحتياطي كان يغطي نفقات 5.76 سنوات من الإنفاق العام، بينما بلغ حجم الاحتياطي، في عام 2011، نحو 250 مليار دولار، في حين بلغت النفقات العامة نحو 61 مليار دولار، ما يعني أن الاحتياطي يغطي 4.1 سنوات إنفاق- المصدر الشال- وبالطبع فإن تناقص تغطية الاحتياطي للانفاق بواقع 1.66 سنة أمر خطير للغاية خصوصا في ظل تنامي المصروفات واحتمال تراجع اسعار النفط.

ختاما، لم يخطئ الخبير الاقتصادي جاسم السعدون عندما اعتذر عن المشاركة في اللجنة الاستشارية الاقتصادية لانه كان يعلم بأن الخلل ليس في الدراسات، وهي كثيرة ومتراكمة، بل في الية اتخاذ القرار وفي التناقض مع السياسات الحكومية وهو ما انكشف في تعامل مجلس الوزراء مع ملف زيادات الرواتب.

 

-وزير المالية حذر من كادر المعلمين بكلفة 240 مليون دينار ويتبنى اليوم مشروع زيادات رواتب بـ 600 مليون دينار

-لم يخطئ جاسم السعدون عندما اعتذر عن عدم المشاركة في "الاستشارية الاقتصادية" فالخلل ليس في الدراسات بل في آلية اتخاذ القرار

-دعم توظيف الشباب في القطاع الخاص ليس فقط بزيادة الرواتب هذا القطاع بل بتطوير بيئة الأعمال

back to top