آسيا بعد حرب أفغانستان

نشر في 22-06-2011 | 00:01
آخر تحديث 22-06-2011 | 00:01
No Image Caption
 يوريكو كويكي لقد أصبحت منطقة آسيا والمحيط الهادي اليوم مركزاً للاقتصاد العالمي، وطبقا للبنك الدولي فإن ثلاثاً من القوى الاقتصادية الخمس الأولى في العالم (الصين واليابان والهند) ستكون قوى آسيوية خلال هذا العقد، وإن الانتعاش الاقتصادي الذي أدى إلى مثل هذا التحول هو نتيجة للوجود العسكري الأميركي والذي عمل على توفير الاستقرار.

سيشهد شهر يوليو حدثين مهمين في علاقات أميركا مع آسيا، والتي يمكن وصفها بالعلاقات الصعبة أحياناً: أولهما، هو بداية النهاية للصراع الذي استغرق عقداًً من الزمان تقريباً في أفغانستان- وهي أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية- إذ يعلن الرئيس باراك أوباما أول انسحابات القوات الأميركية، أما الحدث المهم الثاني فهو حلول الذكرى الأربعين على المهمة السرية لهنري كيسنجر إلى بكين والتي تعتبر نقطة تحول في الحرب الباردة، والخطوة الأولى في طريق الصين نحو التحديث والعصرنة، لكن في ذلك الوقت شكلت تلك الزيارة صدمة كبيرة لآسيا، لا سيما اليابان.

إن الانسحاب المرتقب من أفغانستان يجعل بعض الآسيويين على أقل تقدير يستحضرون ذكرى حدث ثالث شكل صدمة أكبر، وهو خروج أميركا الفوضوي من سايغون في أبريل من سنة 1975. لقد كان يبدو في ذلك الوقت أن تلك الهزيمة تبشر بانسحاب أميركي أوسع من آسيا، خصوصاً مع وجود رأي عام أميركي أتعبته الحرب وسئم منها ويسعى إلى التمتع بالراحة المفترضة من الميل نحو العزلة، وإن العصبية الآسيوية اليوم ليست فقط بسبب ما يبدو من تحقيق الانعزالية لمكاسب مرة أخرى في أميركا، لكن أيضا لأن استقرار أفغانستان لا يزال موضع شك بينما تتصاعد قوة الصين في غياب أي توافق أو بنية مؤسساتية لعموم آسيا.

لقد التفتت أميركا إلى شؤونها الداخلية بعد سقوط سايغون، كما أن إهمالها لأفغانستان بعد الانسحاب السوفياتي في سنة 1989 أدى إلى الفوضى، إذ كانت "القاعدة" على وشك السيطرة عليها، وعليه فإن من غير المستغرب أن العديد من القادة الآسيويين يسألون أنفسهم: ما الالتزامات التي ستبقي عليها الولايات المتحدة الأميركية بعد مغادرة قواتها لأفغانستان، وربما من المهم أيضا معرفة أن هناك العديد من الناس في آسيا منخرطون في جدل يتعلق بما إذا كانت المنطقة ستكون قادرة على استعادة توازنها لو خفضت الولايات المتحدة من وجودها العسكري. لحسن الحظ أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس قد طمأن أصدقاء الولايات المتحدة وحلفاءها في آسيا، بتأكيده أنه لا يتم التفكير حالياً في فك ارتباط إقليمي.

 لقد قام غيتس خلال الاجتماع الذي عقد أخيراً، وعرف بـ"حوار شانغري لا" في سنغافورة وبحضور وزير الدفاع الصيني الجنرال ليانغ غوانغلي، باستعراض أفكاره عن الاستمرار في التعاون الأميركي في آسيا ومع آسيا.

 لقد وعد غيتس بزيادة عدد السفن الحربية الأميركية الموجودة في سنغافورة كجزء من الاتفاقية الإطارية الاستراتيجية بين أميركا وسنغافورة وزيادة عدد زيارات البحرية الأميركية إلى الموانئ الآسيوية، وإقامة المزيد من التمارين البحرية المشتركة، وتحسين التعاون العسكري متعدد الأطراف.

إن ما يعتبر أكثر طمأنة هو المبادئ التي- حسب تأكيد غيتس- ستحكم استراتيجية أميركا المستقبلية في آسيا، وهي تجارة حرة ومفتوحة، ودعم لحكم القانون، وحقوق ومسؤوليات وسيادة الدول الآسيوية، وحرية الوصول إلى الممرات البحرية الآسيوية والدولية، والمجال الجوي والفضاء الإلكتروني، والتسوية السلمية لجميع الصراعات.

 إن هذه المبادىء مهمة لأن أستراليا واليابان وجنوب إفريقيا وتايلند والفلبين والهند وإندونيسيا وسنغافورة وماليزيا ونيوزيلندا وفيتنام وحتى منغوليا كلها دول تعتبر الوجود العسكري الأميركي في المنطقة ضرورياً من أجل موازنة القوة الصينية المتعاظمة.

لكن من المفترض أن يتنحى غيتس عن منصبه قريباً، وهذا أمر يدعو إلى الأسف، لأن إدارة أوباما يبدو أنها لا تملك أي استراتيجية واضحة تتعلق بآسيا مما يعني أن تطمينات غيتس لن تطمئن لفترة طويلة، أما هذه الأيام، فإن السياسة الأميركية المتعلقة بآسيا تحتاج إلى نظرة استراتيجية وفطنة تشبه تلك التي بنى على أساسها كيسنجر محادثاته مع ماوتسي تونغ وشواين لاي قبل أربعة عقود. إن عدم وجود عقيدة واضحة ومقنعة يعني أن من المرجح أن بعض القادة الآسيويين على أقل تقدير سيبقون متشككين حيال قدرة أميركا على البقاء كقوة عسكرية مهيمنة في آسيا، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار متاعبها الاقتصادية والتقشف المالي المتوقع والالتزامات الخارجية الأخرى، وإن عدم وجود إيضاحات قد يصبح مشكلة لو قام القادة الصينيون بالتقليل من استمرارية الالتزامات الأميركية في آسيا.

إن تأمين بنية السلام في آسيا ليست مسؤولية أميركا فقط، فأصدقاء واشنطن وحلفاؤها بحاجة إلى التفكير بعمق فيما يتعلق بنوعية النظام الإقليمي الذي يريدونه، كما يجب عليهم بدء التعاون من أجل إحياء بنية للسلام يمكن من خلالها أن تنتعش عموم آسيا، بالإضافة إلى العمل على إيجاد شعور بالأمن.

الحكومة اليابانية على وجه الخصوص بحاجة إلى تحديد استراتيجة متماسكة ومتجانسة فيما يتعلق بآسيا، والتقيد بها بدلاً من الميل باتجاه الصين تارة واتجاه أميركا تارة أخرى، فيتعين على اليابان من أجل بناء استراتيجية قابلة للحياة، أن تقوم بإعطاء أولوية إلى تعزيز شراكة اليابان مع الديمقراطيات العظيمة في آسيا وهي الهند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية.

لكن السؤال الأكبر يتعلق بموقع الصين في نظام آسيوي توافقي ورغبتها بالتعاون مع جاراتها ومع الولايات المتحدة الأميركية من أجل خلق مثل ذلك النظام،  كما أن الشكوك تجاه النوايا الصينية عند العديد من الآسيويين لها ما يبررها خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار الطبيعة السرية لبناء القدرات العسكرية الصينية والنغمة العدائية المتعاظمة للقادة الصينيين في النزاعات الإقليمية مع الهند واليابان والفلبين وفيتنام.

 إن دعم الصين غير المشروط لنظام كوريا الشمالية المتقلب على الرغم من جرائمه المتكررة ضد السلام، هو سبب آخر للقلق حيال ما إذا كانت الصين ستحترم المخاوف الأمنية لجاراتها.

لقد أصبحت منطقة آسيا والمحيط الهادي اليوم مركزاً للاقتصاد العالمي، وطبقا للبنك الدولي فإن ثلاثاً من القوى الاقتصادية الخمس الأولى في العالم (الصين واليابان والهند) ستكون قوى آسيوية خلال هذا العقد، وإن الانتعاش الاقتصادي الذي أدى إلى مثل هذا التحول هو نتيجة للوجود العسكري الأميركي الذي عمل على توفير الاستقرار، علماً أنه يجب ألا يؤثر الانسحاب الأميركي من أفغانستان سلباً في ذلك الاستقرار.

ما سيحدث في أفغانستان حين تبدأ أميركا في سحب قواتها من هناك، سيكون بمنزلة اختبار لرغبة جميع القوى الآسيوية على العمل معا من أجل بناء نظام إقليمي آمن، وإن المصالح الطويلة المدى لتلك القوى في أفغانستان هي مصالح متجانسة في جوهرها، إذ إن تلك القوى- بما في ذلك الصين- لا ترغب في أن ترى أفغانستان وهي تتحول إلى ملجأ وملاذ للإرهاب مرة أخرى، لكن وجود توافق إقليمي قوي بشأن مستقبل أفغانستان فقط يمكن أن يجنب أفغانستان إمكان أن تشهد صراعاً متجدداً على السيطرة هناك. لو تم التوصل إلى مثل هذا التوافق، لشكل أساساً لمزيد من التعاون في بناء نظام لعموم آسيا قائم على التوافق وليس القوة العسكرية.

* وزيرة الدفاع اليابانية ومستشارة الأمن القومي سابقاً، وتعمل حالياً رئيسة للمجلس التنفيذي

للحزب الليبرالي الديمقراطي.

«بروجيكت سينديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top