كوريا الشمالية ومبادئ الساموراي

نشر في 05-01-2012 | 00:01
آخر تحديث 05-01-2012 | 00:01
No Image Caption
 يوريكو كويكي في السابع عشر من ديسمبر، أعلنت كوريا الشمالية أن قائدها الأعلى "العزيز" كيم جونغ إيل توفي في القطار الذي كان يحمله في واحدة من الجولات التفقدية العديدة التي تعود على القيام بها منذ إصابته بالسكتة الدماغية في عام 2008، من الواضح أن هذا كان جزءاً من الجهود التي بذلها النظام للقضاء على المخاوف بشأن حالته الصحية، والواقع أن وفاة "القائد العزيز" أفضت إلى انتقال وراثي للسلطة، ولم يكن اهتمام العالم منصباً على نجل كيم جونغ إيل وخليفته المختار كيم جونغ أون فحسب، بل أيضاً على تحديد الشخص الذي سوف يتبين في النهاية أنه الزعيم الحقيقي للبلاد.

ورغم أن كيم جونغ إيل تسلم الحكم من والده مؤسس كوريا الشمالية كيم إيل سونغ، فإن التاريخ يشير إلى أن الانتقال السلس للسلطة من الأب إلى الابن هو الاستثناء وليس القاعدة.

ففي القرن الثالث عشر، أصبح ميناموتو سانيتومو ثالث حاكم عسكري لليابان أثناء عصر كاماكورا، الأمر الذي وضعه بالتالي على قمة مجتمع الساموراي، ولم يكن قد تجاوز من العمر 12 عاماً بعد، ولكن السلطة الحقيقية انتقلت إلى يد هوغو ماساكو، زوجة ابن الحاكم الأولى، وغيرها من أعضاء عشيرة هوغو، بما في ذلك والدها هوغو توكيماسا، فقد كان سانيتومو ببساطة أصغر وأقل خبرة من أن يتولى قيادة الساموراي.

فبالنسبة إلى الساموراي كانت الخبرة القتالية والعمر من عوامل الشرعية الحاسمة، فالساموراي المحترف يشعر بالخزي والاستياء إذا تلقى الأوامر من شاب يافع لا يتمتع بأي خبرة قتالية فعلية، وكان هذا النظام المستند إلى القيم السبب في إتاحة الفرصة لعشيرة هوغو.

وينبئنا التاريخ الصيني بشيء مشابه، فقد كانت الإمبراطورة الأرملة تسي تشي الوصية على الإمبراطور جوانغ تشو، الذي أصبح الإمبراطور الحادي عشر من أسرة كينغ ولم يكن عمره قد تجاوز ثلاث سنوات، وحتى وفاته في عام 1908 كان الإمبراطور دمية تحركها تسي تشي.

والواقع أن كلاً من هذين المثالين للحكم بالوصاية قد يسلط الضوء على الصراع الدائر على الخلافة الآن في بيونغ يانغ، ففي سن الثامنة والعشرين (أو التاسعة والعشرين كما يحسب الكوريون العمر)، يُعَد كيم جونغ أون شاباً قصيراً بديناً لا يتمتع بأي خبرة قتالية على الإطلاق، وبالتالي فهناك شكوك كبيرة حول ما إذا كان القادة المسنون في جيش كوريا الشمالية، والذين حارب العديد منهم في الحرب الكورية قبل ستين عاما، قد يقسمون على الولاء لجنرال من ورق وعديم الخبرة.

وهذا يساعد في تفسير مسارعة الدعاية الكورية الشمالية إلى التغطية على السبب الحقيقي لوفاة كيم جونغ إيل، السرطان وليس نوبة قلبية، والواقع أن حالته الصحية ساءت إلى حد كبير أخيراً حتى إنه لم يعد قادراً على اتخاذ القرارات بنفسه قرب النهاية، لذا فإن قريبته الوحيدة الكاملة النسب شقيقته كيم كيونغ هوي كانت تتخذ القرارات بالنيابة عنه. أو بعبارة أخرى، حتى قبل وفاة كيم جونغ إيل كان الهيكل المزدوج للسلطة العليا في البلاد قد ترسخ في بيونغ يانغ.

على سبيل المثال، اكتسب جانغ سونغ تيك، مدير قسم الشؤون الإدارية في حزب العمال الكوري وزوج كيم كيونغ هوي، قدراً عظيماً من الاهتمام منذ وفاة كيم جونغ إيل. وعلى قائمة أعضاء لجنة الجنازة كان كيم جونغ أون في المقدمة، وكانت كيونغ هيو صاحبة الرقم 14 على القائمة، وجانغ سونغ تيك صاحب الرقم 19.

في سبتمبر حصلت كيونغ هوي على لقب جنرال في الجيش الشعبي الكوري، إلى جانب كيم جونغ أون. وهي أيضاً عضو في المكتب السياسي لحزب العمال الكوري، ولقد حصل زوجها على منصب نائب رئيس لجنة الدفاع الوطني، ويظل أيضاً مرشحاً لعضوية المكتب السياسي.

إن كيم كيونغ هوي التي تبلغ من العمر خمسة وستين عاماً ابنة كيم إيل سونغ وزوجته كيم جونغ سوك. ولقد توفيت والدتها عندما كانت في الرابعة من عمرها، فتولى تربيتها العديد من المربيات، وأصبحت ذات شخصية قوية صارمة بسبب علاقاتها المعقدة مع زوجة أبيها وإخوانها غير الأشقاء، وكثيراً ما أثارت المتاعب لأخيها كيم جونغ إيل، الذي تعمد على ما يبدو التصريح بالتالي: "لا أحد يستطيع أن يوقف أختي عندما تتصرف بغرابة، ولا حتى أنا أستطيع أن أفعل أي شيء حيال ذلك".

وحتى إذا تم تصوير خليفة كيم جونغ إيل ظاهرياً بأنه كيم جونغ أون، فإن السلطة الفعلية من المرجح أن تنتقل إلى كيم كيونغ هوي، المعروفة بغيرتها وحبها الشديد للفوز. وإذا رجعنا إلى السابقات اليابانية والصينية، فمن الأهمية بمكان أن نتذكر أن سانيتومو اغتيل في وقت لاحق، واستولت هوغو على السلطة، فانتهت السيطرة الفعلية إلى دكتاتورية كاماكورا العسكرية الإقطاعية، ثم اندلعت ثورة تشين هاي التي أدت إلى نهاية أسرة كينغ بعد ثلاثة أعوام فقط من وفاة الإمبراطورة الأرملة.

لا شك أن كوريا الشمالية في القرن الحادي والعشرين ليست اليابان في عصر كاماكورا أو الصين أثناء حكم أسرة كينغ، ولكن رغم أن التاريخ لا يكرر نفسه بالضبط أبدا، فإن مثل هذه المقارنات قد تكون مفيدة. ورغم أن أسرة كيم حولت اقتصاد كوريا الشمالية إلى دولة رجعية تنتمي إلى القرون الوسطى، فإن الوصول إلى الإنترنت والهواتف المحمولة أصبح أكثر انتشارا، فالآن يبلغ عدد خطوط الهاتف المحمول المستخدمة بالفعل المليون، والآن أصبح من الممكن التهرب من السيطرة الصارمة على المعلومات والرقابة من خلال تبادل المعلومات بالقرب من الحدود، حيث يتم نقل المعلومات الموثوق منها إلى كوريا الشمالية عن طريق استخدام البالونات لتوزيع المنشورات.

والواقع أن السابقات اليابانية والصينية سوف تكتسب أهمية متزايدة إذا استمرت هذه الاتجاهات، وفي هذه الحالة فإن ثورة كوريا الشمالية قد لا تكون بعيدة، وخاصة إذا ساءت العلاقات بين الجنرالات المسنين وأسرة كيم.

* وزيرة الدفاع ومستشارة الأمن القومي

السابقة في اليابان.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top