فريد شوقي... زواج البنات ورحيل الأب وطلاق الحبيبة
لم تكن تلك المعجبة البيضاء وحدها التي اكتشفت فجأة أن فريد شوقي فنان مسرحي كبير وله تاريخ طويل على خشبة المسرح، لكن الأجيال الجديدة من جمهوره تجهل أيضاً هذا التاريخ المسرحي الطويل بسبب هجر فريد شوقي أبا الفنون طويلاً وتفرّغه للسينما.في كواليس مسرحية «دلع البنات» جاء الى فريد من يخبره بأن رجلاً أجنبياً يريد مقابلته:
- واحد أجنبي بيتكلم إنكليزي اسمه «سمر» عاوز يقابل حضرتك.* أجنبي!! واسمه سمر... واحد ده ولا واحدة.- لا راجل.* بس أنا معرفش حد بالإسم ده... هاتو خلينا نشوف حكايته إيه دا راخر.كان الزائر المنتج التركي «مستر سمر» الذي جاء يقدّم لفريد عرضاً جديداً من نوعه على ممثل مصري عربي، لم يسبقه إليه أحد، وربما لم يحظَ به بعده أحد.راح المنتج التركي يحدّث فريد شوقي عن السينما التركية وتاريخها، وأنها على رغم ذلك تعاني من قلة الانتشار في المنطقة، خصوصاً المنطقة العربية، ما جعله يفكّر في الانتقال بها إلى خارج حدودها عبر مشاركة كبار النجوم والفنانين من دول لها تاريخ في السينما، ويتمتعون بشهرة واسعة:* أنا أعرف مع من أتحدث الآن... إنت نجم كبير، تتمتع بشهرة واسعة عبر العالم العربي... ومعروف لدى جمهورك باسم «وحش الشاشة» وستكون إضافة كبيرة الى السينما التركية.- أيوه أنا بشكرك على الكلام ده... بس إزاي؟ فيه حاجات مهمة إنت ناسيها أهمها مشكلة اللغة.* إنت ستقدم أفلاًما تركية باللغة العربية وسيشاركك فنانون أتراك وسيتم عمل دوبلاج لهم بالعربية عند عرض الأفلام في الدول العربية، وستتم دبلجة صوتك بالتركية لعرض الأفلام في تركيا.- ده كلام جميل... بس أنا ليا شروط.* الأجر اللي هتحدده هندفعه.- المسألة مش مسألة أجر... لأ... فيه شروط متعلقة بالعمل.* شروطك.- أولاً يكون مؤلف الأفلام مصرياً.* أوكيه.- والمخرج وكمان الماكيير و...وافق المنتج التركي على كلّ شروط فريد شوقي، الذي وجد الفرصة مناسبة لفتح آفاق جديدة للفنان المصري في بيئة مختلفة، خصوصاً في ظلّ تعثّر السينما المصرية بسبب أجواء حرب الاستنزاف التي تسيطر على كل شيء في البلد، وقضى الاتفاق على أن يلحق به فريد شوقي بعد ثلاثة أشهر، ينتهي خلالها من ارتباطاته الفنية في مصر.نجح فريد شوقي في مسرحية «الدلوعة» بشكل لافت للنظر، جعل النقاد والصحافيين يشيدون بأدائه الكوميدي، وهذا ما لفت فريد نفسه الى الكوميديا، وعمّق هذا الإحساس بداخله هذا الإعجاب غير العادي من تلك المعجبة البيضاء التي امتدحت أداءه الكوميدي، وشاهد بنفسه ضحكها المتواصل طوال أحداث المسرحية، ما جعله يفكّر جدياً في تقديم الكوميديا من خلال السينما، غير أن المنتجين والمؤلفين أصروا على تقديمه في صورة «وحش الشاشة»، فخطرت له فكرة تقديم بالون اختبار يغيّر فيه من نفسه وصورته أمام جمهوره الذي تعود منه على صورة محدّدة، ففكّر في نقل مسرحية «دلع البنات» من المسرح إلى السينما، على أن تشاركه بطولة الفيلم الفنانة نيللي أيضاً، بالإضافة إلى أستاذه الكبير الفنان يوسف وهبي ومحمود المليجي وتوفيق الدقن، إخراج حسن الصيفي.التحديلم يكن فريد شوقي يطيق الابتعاد عن بناته وقتاً طويلاً، فقرّر أن يسافر بمفرده إلى تركيا ويخوض التجربة أولاً من خلال فيلم واحد، وينتظر النتيجة قبل التوقيع على عقود أكثر من فيلم.كانت نظرة الاستخفاف التي لمحها فريد في عيون الفنانين الأتراك دافعاً قوياً الى قبوله التحدي، وإثبات قدرات الفنان العربي، فقدّم أول أفلامه في تركيا بعنوان «بعت حياتي» تأليف الكاتب المصري عبد الحي أديب، إخراج محمد أصلان، وشارك فريد البطولة كل من الفنانة كاميليا ومجدي نظمي، غير أنه لم يلق النجاح الذي أمله، وهذا ما جعل فريد يقبل التحدي ويصر على النجاح، فقرر الاستعانة بالمخرج نيازي مصطفى وقدم معه فيلم «شيطان البوسفور». نجح الفيلم خارج تركيا نجاحاً كبيراً، ما شجّع النجوم الأتراك على مشاركة هذا الفنان العربي أفلامه، فقدّم بعده فيلم «عثمان الجبار» تأليف عبد الحي أديب أيضا، وشاركه البطولة النجمان التركيان هوليا كوسيت ومراد سويدان، وأخرجه التركي عاطف يلمز، ليكون الفيلم بمثابة قنبلة تنفجر في السينما التركية، فقد حقّق نجاحاً غير عادي، وأصبح الممثل المصري الذي أعاد الروح الى السينما التركية، حديث الصحافة وبقية وسائل الإعلام، ما جعل عقود الأفلام تنهال عليه من شركات الإنتاج كافة، خصوصاً بعد الأرباح الطائلة التي حققها «عثمان الجبار».على رغم النجاح الكبير الذي حققه فريد، إلا أن فرحته لن تكتمل بالنسبة إليه إلا عندما يشعر به الأهل والمقربون والأصدقاء، وتمنى أن تشاركه زوجته الفنانة هدى سلطان هذا النجاح، أن تكون بجواره في لحظات فارقة في حياته. أرسل في طلبها، لم تأت... ثم لبت أخيرا الدعوة وجاءت إلى تركيا، غير أنها لم تكمل شهراً معه وأخبرته بضرورة السفر فوراً إلى مصر:* إنت بتقولي إيه؟- اللي سمعته يا فريد.* إزاي... دا أنا عامل حسابي إننا هنفضل هنا مع بعض الفترة اللي جاية كلها... خصوصا إني عندي تعاقدات لسنتين قدام.- طيب إنت هتشتغل... أنا هعمل إيه... هقعد في البيت استنى سي فريد لما يرجع من الشغل؟* وماله... هو عيب؟- لا مش عيب... بس أنا بجد عندي ارتباطات يا فريد... لازم نبدأ تصوير «شيء في صدري» يوم السبت اللي جاي.* ارتباطات إيه وشيء في صدري إيه... اللي فهمته من كلامك إن دورك ثانوي... ضيف شرف يعني مش بطولة.- تقصد إيه يا فريد؟ أنا فنانة كبيرة وليا اسمي... وإذا كنت إنت فريد شوقي أنا برضه هدى سلطان.حزن فريد حزناً كبيراً، ليس لسفر هدى سلطان وتركه وحيداً ما قد يفسد عليه فرحته بنجاحه، لكن لأن هذه المرة الأولى التي يصل فيها النقاش بينهما إلى هذا المستوى، شعر بأن شيئاً ما انكسر بداخله، أن تغيراً ما طرأ على هدى، ليست هذه هدى التي أحبها، قد يكون مخطئاً، ولكنها هواجس كانت تدور في رأسه.التفاحة الذهبيةاستمر فريد في عمله ونجاحاته فقررت غرفة صناعة السينما التركية إقامة حفلة تكريم خاصة له، تسلّمه خلاله جائزة «التفاحة الذهبية» التي فاز بها في مهرجان «انتاليا» عن دوره في «عثمان الجبار».حدث مهم ورائع، لكن لا بد من أن يشاركه فيه أقرب الناس إلى قلبه، فأرسل خطاباً الى هدى يخبرها بأمر الجائزة والتكريم ويدعوها الى حضور الحفلة، غير أنها لم ترد ولم تعتذر، فأرسل ثانية، وثالثة، حتى بلغ ما أرسله من خطابات 13 خطاباً، ولم ترد بكلمة واحدة. حضر التكريم وتسلّم الجائزة وصفّقت له تركيا كلّها، غير أن هذا كلّه كان يمكن أن يكون مذاقه مختلفاً لو أن هدى كانت بجواره.كانت عودة فريد إلى القاهرة فيها الكثير من شقائه، فما إن عاد حتى تأكدت له هواجسه تجاه زوجته هدى سلطان، فقد تبدلت، لم تعد هي التي يعرفها، فتور في المعاملة والعلاقة:* مالك يا هدى... فيه إيه؟- مفيش.* الجوابات اللي بعتهالك كلها وصلت؟- آه.* طب ليه ماردتيش عليا ولو بكلمة واحدة.- أرد أقولك إيه... باعت تقوللي لو جواباتي زي الجوابات اللي كانت بتيجي من تونس على أستوديو نحاس... كنت اهتميت بيها وقرأتها بلهفة... عاوزني أرد على الكلام ده أقولك إيه... وتقصد إيه بالكلام ده؟ أنا مسمحلكش!!هبت عاصفة قوية على هذا العش الهادئ، وبوادرها تقول إنها ستقتلع في طريقها الأخضر واليابس، شعر فريد بأن ثمة أصابع خفية تحاول إفساد حياته الزوجية والفنية، فالكلام تبدّل، والمعاملة تغيّرت، الردود باقتضاب ولامبالاة، بدأت هدى تسيء معاملة ابنته منى من زوجته الأولى، زينب عبد الهادي، أصبحت تفرّق في المعاملة بينها وبين ابنتيهما ناهد ومها، غير أنه أرجع ذلك الى تعب أعصابها بسبب ضغوط العمل، لكن يبدو أن الضغوط لا تنتهي!تحوّل العش الهادئ إلى جحيم، فلم يعد فريد يطيق الجلوس في بيته، خصوصاً أن عدوى الخلافات انتقلت بالتبعية إلى بناته منى وناهد ومها واشتدت بينهن، فترك فريد البيت وأقام في فندق «عمر الخيام». تدخّل شقيقه اللواء أحمد شوقي لإعادته إلى بيته، لا سيما أن الملازم أحمد المرشدي، أحد الضباط الصغار الذين يعملون تحت رئاسة شقيقه، كان يريد التقدّم لخطبة ابنته ناهد، وكذلك المهندس محيي الدين جمال، نجل جمال باشا ضرغام، يريد التقدّم لخطبة ابنته الكبرى منى، لكن فريد أصرّ على البقاء بعيداً حتى تهدأ نفس هدى سلطان، وقد اضطر الى مقابلة العريسين والاتفاق على التفاصيل كافة معهما في الفندق.العاصفةقرّر فريد أن يكون زواج ابنتيه في ليلة واحدة وفي فندق واحد، غير أن هدى سلطان كان لها رأي آخر، فقد أصرت أن يكون زفاف ابنتها ناهد في ليلة منفصلة ومكان منفصل، وكي يمرّر فريد العاصفة وافق وأقام فرح ناهد أولاً، كأنه «ليلة من ألف ليلة» وعلى رغم مرض والده الشديد، إلا أن الأخير أصرّ على أن يحضر فرح حفيدته، فأحضره فريد على كرسي متحرّك، ليشارك الجميع فرحتهم، تماماً مثلما حدث في الأسبوع التالي في فرح مني، باستثناء وحيد، هو حضور هدى سلطان الفرح في ساعة متأخرة وقرب نهايته، ما ترك أثراً سيئاً في نفس فريد دفعه الى التفكير بأن العاصفة لا تزال مستمرة ولم تهدأ، غير أنه قرّر تجاوز ذلك كله، والقفز فوق المشاكل ونسيان ما فات، فيكون زفاف منى وناهد، بداية لشهر عسل جديد مع شهر عسل ابنتيه، قرّر أن يعود الى بيته، غير أنه فوجئ برد فعل هدى:* أنا مش هقدر أعيش في البيت ده.- ليه بتقولي كده؟ كل ده علشان شوية خلافات بسيطة. * لا مش بسيطة... احنا مش هينفع نعيش مع بعض تاني.- إيه؟! معناه إيه الكلام ده؟* معناه إنك تطلقني.- أطلقك... انت بتقولي إيه!!* اللي سمعته...- ليه... إيه اللي حصل؟* بعد الكلام اللي انت كتبته في الجواب عن جوابات تونس مينفعش نعيش مع بعض تاني... وع العموم فؤاد الجزايرلي كان جوزي في يوم من الأيام... مش عشيقي.- انت بتحاسبيني على لحظة غضب انفعلت فيها؟* لحظة الغضب خرجت اللي جواك... واللي مش قادر تنساه... علشان كده مينفعش نعيش مع بعض تاني... طلقني يا فريد.ظنّ فريد أن شيطاناً سيطر على عقل هدى، وحتماً سيزول ويبتعد عنها، وما قالته كان مجرد تهديد كي لا يكرّر ما قاله في خطابه الذي أرسله إليها من اسطنبول، غير أنه أدرك أنها لم تكن تهدّد عندما عاد تلك الليلة ليجد أن هدى قد رحلت عن البيت ولم تترك فيه شيئاً يخصّها.فكّر فريد في أنها قد تكون ذهبت إلى بيت ابنتها نبيلة، وبالفعل صدق حدسه، غير أنها بالغت في رفضها العودة، وأصرت على الطلاق، فلم يكن أمام نبيلة إلا أن طلبت منه إمهالها فرصة تهدأ فيها أعصابها، وحتماً سينتهي بعدها كل خلاف.خرج فريد إلى الشارع لا يعرف إلى أين يذهب، ولا كيف يسير، لدرجة أنه لم يعد يرى شيئاً أمامه، لم يعد يريد سوى أحضان أمه، فلم يطق أن يعيش بمفرده، بعدما أخذت هدى ابنتهما مها معها إلى بيت نبيلة، عاد إلى حجرته القديمة في بيت والده، وترك فرصة أخيرة لشقيقه أحمد لإقناع هدى بالعودة... غير إنها أصرّت على الرفض!رحيل المُعلمترك فريد عمله حتى أنه لم يستطع استكمال فيلم من إنتاجه بعنوان «طريق الانتقام» كان بدأ تصويره فضاع كل ما أنفقه عليه، لم يعد يذهب إلى مكتبه، وعرف ثانيةً طريقه إلى حياة الشرب لنسيان ما يحدث له، فقادته الصدفة لأن يلتقي تلك الليلة بالإذاعي وجدي الحكيم الذي تحدّث إلى فريد بعنف:* بلاش الفلوس اللي راحت وضاعت بسبب الفيلم اللي وقفت تصويره... وبلاش الناس اللي بتاكل عيش من وراك... حرام صحتك انت كده بتضيع يا فريد.- أعمل إيه يا وجدي... مش قادر انسى... بحبها.* صدقني وهي كمان... بس هي ساعة شيطان.- مفتكرش!!* لا أفتكر ونص... وعلشان أثبتلك رح لها المسرح دلوقتي هي شغاله في بروفات مسرحية «جنون بطة» في مسرح الحرية... رح خدها من أيديها ورح على بيتكم... مش هتقولك لا.- انت شايف كده؟* مفيش غير كده.لكن حتى هذه المحاولة باءت بالفشل، غير أن الشكوك دبّت في قلب فريد في تلك الليلة، حول أسباب هذا التمرّد والعناد، عندما لاحظ نظرات غير مريحة من مخرج المسرحية حسن عبد السلام، فيما كان يصطحب هدى في يده ويخرج بها، قبل أن تعطيه الكلمة الأخيرة، بأنه لا بديل عن الطلاق!عاد فريد ثانيةً إلى بيت والده المريض، تمنى لو أنه ارتمى في أحضانه وشكا له آلامه، واستمع إلى نصائحه، غير أن القدر لم يمهله... فقد رحل أستاذه وصديقه وحبيبه، وكل شيء له في الدنيا... رحل والده... رحل الرجل الذي استمد منه فريد قوته وحكمته.من مسجد عمر مكرم بميدان التحرير، كان فريد في المقدّمة وعن يمينه مندوب رئيس الجمهورية، وعن يساره شقيقه اللواء أحمد شوقي، وبجوارهم الشقيق الأصغر ممدوح شوقي مدير الإنتاج الذي يدير مكتب فريد، لتشييع جثمان الوالد إلى مثواه الأخير.الطلاقحضرت هدى عزاء والد فريد، غير أنها لم تنتظر طويلاً، وما إن مرت أيام العزاء حتى فوجئ بمكالمة من المحامية مفيدة عبد الرحمن تطلبه إلى مكتبها ليطلّق هدى في هدوء، وينهي الشراكة بينهما في العمل.استمر الجدل ساعات طوال بين فريد وهدى في حضور المحامية، انتهى إلى أن يكون نصيب فريد الشركة السينمائية، مقابل أن يتنازل لهدى عن حق الانتفاع بثلاثة من أهم أفلامهما معاً: «حميدو، رصيف نمرة 5، جعلوني مجرما» والسيارة، وقبل هذا وذاك... الطلاق!انهار كل شيء، الحب والزواج، الشركة والأفلام والنجاح، كل شيء ضاع في لحظة، بكى فريد وبكت ابنتاه ناهد ومها، على ضياع هذه الأسرة السعيدة، وعلى الزوجين اللذين أسعدا الملايين بفنهما، غير أنهما لم يستطيعا ضمان استمرار السعادة لنفسيهما.بعد مرور أسابيع عدة حاولت ابنتهما ناهد فريد شوقي القيام بمساع أخيرة، دعت الأم إلى العشاء، ودعت الأب للسبب نفسه من دون أن تقول لكليهما شيئاً، كان فريد على استعداد لقبول الصلح ونسيان ما فات، غير أن هدى كان لها رأي آخر:* لو أعرف اللي إنت عاوزه تعمليه ده أنا مكنتش جيت.- اقعدي بس يا ماما واهدي...* أنا هادية وكويسة حد قالك إني تعبانة؟- طيب الحمد لله... أعرفك الأستاذ فريد شوقي... يبقى بابا وجوز حضرتك.* ناهد!!. أنا دلوقت ست مطلقة مش متجوزة.- اللي أعرفه إن حضرتك لسه في فترة العدة... يعني ممكن...* كلمة واحدة مش هسمع... أنا لازم أنزل دلوقت... عندي مسرح وميعاد رفع الستارة قرّب.- ماما... حرام.* عن إذنكم.فشلت المحاولة الأخيرة، وفشلت كل محاولات فريد شوقي لاستعادة نفسه وحياته، عاد مجدداً الى حياة الشرب والسهر، أهمل كل شيء، أفلامه وشركته، تراكمت عليه الديون، أصبح مهدداً بالإفلاس، لا يذهب إلى مكتبه، ينام طيلة النهار ويسهر طيلة الليل يشرب ويدخّن بشراهة، يحاول أن ينتحر ببطء، فلم يعد لشيء معنى، ما قيمة أن يعمل ويسعد غيره، وهو لا يستطيع أن يسعد نفسه، بل إن قلبه يتمزّق.شعرت والدته بأن ابنها سيضيع منها، وأنه لا يريد العودة إلى بيته وأنه يكره الإقامة فيه، فقررت الانتقال هي وشقيقته الكبرى نفيسة وأولادها، وعمته شقيقة والده وزوجة الشهيد محمود إسماعيل، ليعيشوا جميعاً معه في الفيلا، ليملأوا عليه البيت ولا يتركونه لحظة بمفرده، أعادوا ترتيب حياته، وتدخّل شقيقه ممدوح لإعادة ترتيب عمله، وأقنعه الجميع بضرورة العودة الى حياته وفنه، خصوصاً بعد أن حضر مدير مكتبه وأكد له أن كل شيء سيضيع، ولا بد من أن يعود.ما شجّع فريد على العودة أن ابنتيه منى وناهد تعيشان في شقتين مفروشتين، وقد وعدهما بتأسيس بيت الزوجية، فلا بد من العودة الى العمل لإنجاز شقتي ابنتيه، وتنفيذ العقود التي ارتبط بها، خصوصاً أن ثمة عقوداً في اسطنبول لم ينفذها بعد، ولا بد من العودة الى تنفيذها... لا بد من أن يعود الى نفسه فثمة دنيا بأكملها في انتظاره.عاد فريد إلى مكتبه... دخل وجلس وشرب فنجان القهوة، وتصفّح جريدة «الأهرام»، ووقعت عيناه على خبر صغير في الصفحة الأخيرة من الجريدة:زواج الفنانة هدى سلطان من مخرج مسرحيتها «مجنون بطة» حسن عبد السلام.ابتسم فريد، طوى الجريدة، لم يعد حزيناً، شُفي الآن تماماً، أشعل سيجارة، ونفث دخانها في الهواء، دق باب حجرة مكتبه ودخل سكرتيره الخاص:* إيه يا حسن... فيه حاجة؟- فيه واحدة ست ومعاها والدها بتسأل على حضرتك.* ست مين؟ وعاوزه إيه؟- هي كانت جت قبل كده وسألت على حضرتك لما كنت ما بتجيش وقالت إنها هتبقى تيجي تاني.* متعرفش اسمها الست دي؟= أيوه هي قالتلي أقول لحضرتك سهير هانم ترك.البقية في الحلقة المقبلة