كف القمر... بين الواقع والرمز

نشر في 21-11-2011
آخر تحديث 21-11-2011 | 00:01
 محمد بدر الدين لم يكتشف خالد يوسف، أو نكتشف فيه، فجأة اهتماماً بالسياسة والشأن الوطني العام عندما قصد ميدان التحرير ليشارك في الثورة الشعبية، منذ يومها الأول (25 يناير) حتى آخر يوم من أيامها الـ 18 الاستثنائية الأسطورية. إنما شارك هذا المخرج الشاب في احتجاجات أبناء جيله على سياسات السلطة الحاكمة، حتى قبل أن يتجه إلى السينما والكاميرا ليعبر بها، كأداة، عن رؤيته للمجتمع والحياة.

على رغم تنوع أفلامه وابتعاد بعضها عن الشأن العام على غرار «ويجا» و{خيانة مشروعة» اللذين حققا نجاحاً جماهيرياً، إلا أنه منذ فيلمه الأول «العاصفة» (2001) تناول يوسف قضايا وطنية وقومية في منتهى الخطورة، وكانت الذروة مع «هي فوضى؟» (2007) الذي شارك فيه أستاذه يوسف شاهين إخراج آخر أفلامه، كذلك  قدم «حين ميسرة»، وأعقبهما بـ «دكان شحاتة»، ثم «كف القمر» آخر أفلامه قبل ثورة 25 يناير، وإن كان عرض ضمن أفلام موسم عيد الأضحى التي يغلب عليها طابع الفكاهة، بينما يقف «كف القمر» كاستثناء تراجيدي وحيد.

هذه الأفلام كافة التي كتبها السيناريست الموهوب المقتدر ناصر عبد الرحمن، تكاد تعبر عن رؤية واحدة لعالم واحد، هي رؤية الكاتب بقدر ما هي رؤية المخرج في آن.

السلطة، التسلط، السطوة، الاستبداد... هي الشغل الشاغل في العالم الذي يجسّده «كف القمر»، من خلال قمر (وفاء عامر)، أم صعيدية قتل زوجها وترك لها خمسة أولاد بعدد الأصابع في كف قمر.

لكن لا يلبث الابن الأكبر (خالد صالح) أن يتحوّل  إلى أب بديل، إلى سلطة أبوية تتحكم في الجميع. هنا ينطلق حديث الفيلم عن إشكالية السلطة والسطوة والاستبداد.

يتميز «كف القمر» عن سلسلة أفلام المخرج والكاتب السابقة، مع أنه يتماثل مع فيلمهما «دكان شحاتة» في الرحلة التي يقطعها الأبطال من أعماق الصعيد إلى قلب القاهرة، حيث يذوب فيها أولاد قمر ويصارعون الحياة في دروبها القاسية.

كذلك يرصد الفيلم تمرد الأخ الأصغر (هيثم أحمد زكي) على تسلّط الأخ الأكبر وطغيانه، هنا ينطلق حديث التمرّد والثورة.

«كف القمر» سواء تألق في تناول إشكالية السلطة والاستبداد أم قضية التمرد والثورة، شكَّل أول الأسباب في اعتماد المخرج النهج الواعي عبر إعطاء البعد الأول في الفيلم حقه تماماً، وهو بعد واقعي يروي حكاية عائلة قد تكون بمعزل عن السياسة أو أي قضية عامة.

وكم من أفلام أهدرها عدم إعطاء البعد الأول الواقعي حقه من تجسيد درامي وفني لحساب بعد آخر رمزي، فتقع من دون أن تحقق إقناعاً أو إشباعاً في هذا البعد أو ذاك.

هنا يلفت نظرنا تماماً قول وفاء عامر: «لم أقرأ قمر كما قد يراها المشاهد، ولم اعتبرها «مصر»، إنما تعاملت معها على أنها قمر الأم المرفوعة الرأس، المسؤولة القوية التي تبني ولا تبكي، الحنونة التي تحبّ ولا تكره. وعندما فكرت أن أقرأها كشخصية سياسية، انتقدني خالد يوسف قائلاً: «مش عايزكم تشوفوا سياسة في الفيلم... تعاملوا مع القصة لتصل أولاً إلى المشاهد البسيط».

ومع ذلك البعد الرمزي أو السياسي العام لا تخطئه عين في الفيلم، إلى حدّ أن يقول خالد يوسف نفسه: «حين جاء البعث في صورة ربيع الثورات العربية لم تكن تلك هي المفارقة، لكن المفارقة التي أدهشتني شخصياً هي أنني حين شرعت في التفكير في بناء الفيلم، جعلت الأخ الأصغر هو الذي يقدم على هذا البعث والبناء من جديد وقد كان، إذ جاءت البداية من تونس، التي فجرت ثورتها وثورات مصر والعرب، وأطلقها الجيل الأصغر من الشباب ثم انضمت إليهم أطياف الشعب وشرائحه العمرية، ولم يكن هذا الأمر ناتجاً من تحليل عميق للواقع فحسب إنما نتيجة إحساس بأن الأمر متجه في هذا الاتجاه».

إلى جانب الإخراج والسيناريو، تألق المصور الكبير رمسيس مرزوق في التصوير والإضاءة، أحمد سعد في الموسيقى، جمال بخيت في الأشعار.

أكدت وفاء عامر أنها في مرحلة نضج فني حقيقي بدأ مع مسلسل «ملح الأرض» ومسرحية «جواز على ورق طلاق»، واستمر حتى مسلسل «الملك فاروق» وفيلم «حين ميسرة» مع خالد يوسف، بالإضافة إلى الحضور والأداء الدقيق خالد صالح، غادة عبد الرازق، هيثم أحمد زكي، حورية فرغلي، حسن الرداد، خالد طلعت وياسر المصري.

أما الماكياج، الذي أضرّ بلحظات أو لقطات لوفاء عامر، فهو المشكلة المستمرّة التي لم تجد لها السينما المصرية حلاً بعد.

back to top