هل سنشهد حكم الأصولية السلفية بعد الدكتاتورية القروسطية؟

نشر في 14-12-2011
آخر تحديث 14-12-2011 | 00:01
No Image Caption
 د. شاكر النابلسي - 1 -

أصبح حكم الأصولية في بعض البلدان العربية، التي تخلّصت من حكم الدكتاتورية القروسطية في حكم المؤكد، بل إن بلداً كمصر، يمكن أن يخضع لحكم الأصولية السلفية المتمثل بحزب "الحرية والعدالة" (الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) وحزب "النور" السلفي، بعد إتمام المرحلة الثالثة والأخيرة من الانتخابات التشريعية المصرية في يناير 2012.

ولهذا، أصبح من الحيوي، والمفيد، الحديث عن الأصولية، وأبعادها، وأهدافها الحاضرة، ولم تعد الأصولية بالمسألة العارضة في الفكر السياسي المعاصر، والدليل على ذلك أن جامعة شيكاغو، كانت قد أقامت ورشة عمل بحثية وفكرية كبيرة، نتج عنها إصدار خمس مجلدات ضخمة في موضوع الأصولية، وفي بداية القرن العشرين، تبلورت سمات الأصولية، حسب الفيلسوف المصري مراد وهبة، على النحو التالي:

1- التسيلم بأن ثمة حلولاً قادرة على إحراز انتصار دولي، وعلى حل المشكلات الاجتماعية، وأن أي فشل يلحق بأي حل أصولي، فمرده إلى مؤامرات الأشرار.

2- التسليم بأن المؤسسات السياسية للدول الرأسمالية "جزء من المؤامرة الشيوعية"، ومن ثم فقيادتها "مشكوك في وطنيتها".

3- أي تنازل عن المبادئ الأساسية "خيانة للحق".

4 - رفضُ أي تأويل للنص الديني.

- 2 -

لعل أقصر وأسرع التعريفات للوصول إلى حقيقة الأصولية، أنها هوس بنقاوة العرق، ونقاوة الهوية، ونقاوة اللسان من اللحن والدخيل من الألفاظ، ورُهاب التطور والتجديد، ومن ناحية أخرى، فإن الأصولية رفضٌ للحداثة، ورد فعل هاذٍ عليها. ويقول الفيلسوف المصري مراد وهبة في كتابه "الأصولية والعَلْمانية" إن الأصولية هي الإيديولوجيا التي تتعلق بالحقيقة المطلقة، بينما الحداثة إيديولوجيا تتعلق بالحقيقة النسبية.

- 3 -

ولكن، لماذا يقول بعضنا لا، للأصولية السلفية الدينية؟

إن حجة بعضنا في معارضة الأصولية السلفية الدينية، تتركز في:

1- أن نقطة ضعف المشروع الأصولي هي الإرادوية Voluntarisme التي تريد ما لا يريده التاريخ، والإرادوية مصطلح سياسي يعني الاستعلاء، وفرض إرادة الحاكم، ونزعته الدكتاتورية، التي يحاول بها أن تغلب إرادة التاريخ. إذن، فهي إرادة ما لا يريده التاريخ. والإرادوية أيضاً، تعني وضع الرغبات فوق التاريخ؛ أي أنها قد تحيد عن مسارات التاريخ الحتمية؛ أي عن تاريخانيته، أو عن انعطافاته ومفاجآته غير المتوقعة، لأن الرهان عليها مجرد أضغاث أحلام، والإرادوية ادعاء مزدوج بمعرفة المستقبل، وبالقدرة على تحقيقه طوعاً أو كرهاً، والإرادوية في القاموس الاشتراكي، تعني تغليب العنصر السياسي على الاقتصادي، واعتماد الفكرة التي تقول إن البناء الفوقي المتقدم يقيم البناء التحتي.

2- تحاول الأصولية السلفية– من خلال الإرادوية- أن تفرض على المجتمع الذي تحكمه ولادة قيصرية، لا يمكن لها إذا تحققت، إلا أن تكون إجهاضاً قاتلاً للجنين، والأم معاً. وهذه الإرادوية الهاذية، جعلت العنف مبرمجاً في البرنامج الأصولي النكوصي السابح ضد تيار عصره. فهو يريد للمرأة أن تعود إلى عصر الحريم والقرون الوسطى، (قال حازم أبو إسماعيل زعيم "حزب النور" السلفي والمرشح لمنصب رئاسة الجمهورية أخيراً، إن المرأة غير المحجبة ليست مسلمة) وحين رفضت المرأة ذلك، استجابة لمتطلبات عصرها، ردَّ المشروع الأصولي السلفي على هذا الرفض بالعنف الأعمى.

3- إن مرض الأصولية السلفية هو إرادة ما لا يريده التاريخ. فالإسلام افترق عن السلطان منذ 15 قرناً؛ أي منذ الميثاق العَلماني بين معاوية بن أبي سفيان وعبدالله بن الزبير، ومعنى هذا عند ذوي العقول الراجحة، أن هذا الافتراق بات واقعة مقبولة، لاكتسابها شرعية تاريخية مديدة. لكن عند ذوي العقول الأصولية السلفية، يظل هذا مرفوضاً، و"مما عمّت به البلوى".

- 4 -

ولو قرأنا الفكر السياسي العربي المعاصر، لوجدنا أن الأصولية السلفية تضع في طريق التقدم البشري المعاصر عوائق كثيرة، منها:

العائق المعرفي، حيث يرى بعض المفكرين السياسيين العرب المعاصرين، أن العائق التراثي أمام المعاصرة، ليس متأتياً من قِبل التراث في حد ذاته، ولكن من قِبل الأصوليين السلفيين من حملة التراث وسدنته، الذين "لم يراجعوا هذا التراث، ولم يحاولوا تجديده من داخله بإعادة بناء مواده القديمة، وإعفائه بمواد جديدة"، كما يقول المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري في( "إشكاليات الفكر العربي المعاصر"، ص 35).

ومن المعروف أن الفكر العربي التحديثي، لم يخضع لقيد الاستعمار الخارجي القاسي، بقدر ما خضع لعامل آخر وهو الفكر الأصولي السلفي، رغم أن بعض الباحثين، يؤكدون أن "السعي الاستعماري الغربي إلى إبادة الثقافة العربية، وتحويل التراث العربي إلى مجرد شعوذة، هو الذي كان وراء تفكير إصلاحي عربي، يمثلُ محمد عبده والأفغاني رمزين أساسيين من رموزه". إلا أن الفكر العربي التحديثي غللته قيود التقاليد الأصولية السلفية الدينية والاجتماعية التي لم تكن على ضيق وشدة القيد الاستعماري الخارجي. ولكن القيود الأصولية السلفية الدينية والاجتماعية، كانت أبلغ في النفوس التي ألفتها بضع مئات من السنين من قبل، واستمرت كذلك حتى بعد انتهاء الاستعمار من العالم العربي.

ولكن علينا ألا ننسى، أن "منطق المدافعة" عن التراث الذي اتسم به الفكر العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، كان واحداً من الأسباب التي حالت دون تقدم حركة الحداثة في المجتمع العربي.

و"منطق المدافعة" هذا، يتلخَّص في أن التراث العربي الإسلامي- كما تقول الأصولية السلفية- يحتوي على كل القيم القديمة والجديدة التي تهبُ علينا من كل أنحاء العالم. وأن في تراثنا من القيم، ما يكفي الإنسانية جمعاء في ماضيها، وحاضرها، ومستقبلها القريب، والبعيد. فترى الأصولية السلفية أن الديمقراطية هي الشورى الإسلامية، وما حقوق الإنسان إلا من صميم الدين، وما حرية المرأة إلا ما جاء به الدين، وإذا قالوا إن الحداثة هي العقلانية والعَلمانية، قال آخرون من السدنة: "لماذا تذهبون بعيداً والفكر والثقافة العربية الإسلامية فيهما من المعاني العقلية والعلمية الشيء الكثير، وإن كانت لا تُسمَّى بهذه الأسماء، ولكنها تُعبِّر بشكل أو بآخر عن مضمونها، وفحواها؟"

ومن هنا، فقد كان مجمل الفكر السياسي العربي ردود فعل تمليها العقليات الإيديولوجية، أكثر مما هو تحليل للواقع، من أجل الانخراط في صناعة الحاضر والمراهنة على ما يمكن أن يحدث في المستقبل.

(وللموضوع صلة)

* كاتب أردني

back to top