جمع التبرعات

نشر في 03-08-2011
آخر تحديث 03-08-2011 | 22:01
No Image Caption
 أحمد عيسى الملاحظ أن هناك معركة شرسة تخوضها الجمعيات الخيرية لجمع التبرعات خلال شهر رمضان من خلال تقسيم وتوزيع المساجد فيما بينها، فهي تنطلق من رغبة الناس بفعل الخير والحصول على أجر مضاعف خلال الشهر الفضيل، معتبرة أن أسهل وسيلة لذلك تتمثل بتقديم تبرع نقدي مباشر واحتساب أجره عند الله بدلا من إجراء عملية تحويل بنكي طويلة ومعقدة.

منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 والعالم يحاول كبح جماح التدفقات المالية التي تُجمع باسم الدين بهدف تقنينها وتجفيف منابع ما يذهب منها لتمويل الإرهاب.

وعلى مدى عقد كامل من الزمان، ونحن نتابع في الكويت سنويا مسلسلا رمضانيا كوميديا دراميا اسمه "جمع التبرعات"، تتشارك في بطولته وزارة الشؤون وعدد من الجمعيات الخيرية، يبدأ قبل رمضان بشهر وينتهي بعده بشهر، تنطلق حلقته الأولى بإعلان وزارة الشؤون أنها ستضبط عملية جمع التبرعات في المساجد خلال شهر رمضان، وأن الطريقة الوحيدة لذلك ستكون عبر التحويلات المالية أو الدفع بالبطاقات البنكية، وأنها لن تسمح نهائيا بجمع التبرعات النقدية وستطبق القانون على المخالفين.

وبعد انقضاء شهر رمضان تعود الوزارة وتكشف عن رصدها مخالفات عديدة ارتكبتها جمعيات خيرية خلال جمع التبرعات، وأن بعضها لم يحصّل الأموال بالطريقة السليمة بدون سندات قبض، وأخرى تم تزوير سنداتها وأختامها، فتعود الوزارة للتأكيد أنها ستطبق القانون على المخالفين، ثم تجتمع مع ممثلي الجمعيات وتنتهي الحلقة الأخيرة من المسلسل بإعلان الوزارة أنها استمعت لملاحظاتهم وستعمل بها السنة المقبلة.

الملاحظ أن هناك معركة شرسة تخوضها الجمعيات الخيرية لجمع التبرعات خلال شهر رمضان من خلال تقسيم وتوزيع المساجد فيما بينها، فهي تنطلق من رغبة الناس بفعل الخير والحصول على أجر مضاعف خلال الشهر الفضيل، معتبرة أن أسهل وسيلة لذلك تتمثل بتقديم تبرع نقدي مباشر واحتساب أجره عند الله بدلا من إجراء عملية تحويل بنكي طويلة ومعقدة، ومستفيدة من الجو الروحاني لهذا الشهر وضرورة سرعة اتخاذ قرار المتبرع، فنجدها تستدر العطف على أبواب المساجد وعبر الإعلانات التلفزيونية في ساعات الذروة.

والمزعج أن أغلب هذه الجمعيات الخيرية تتاجر بالدين باعتبار شهر رمضان موسم حصاد غلة تنتظرها طوال العام، وكأنه سباق الرابح فيه من يجمع أكثر دون اعتبار لأي وجه ستنفق فيه هذه الأموال، فالأساس عندها جمع التبرعات ثم تقرير مصيرها لاحقا، لذلك يندر أن تشارك هذه الجمعيات في حملات إغاثة المحتاجين أو جمع التبرعات بعد رمضان، لأنها بكل بساطة تجمع غلتها في هذا الشهر وتختفي.

بالمقابل نجد أن الدولة تشرف على بيت الزكاة والأمانة العامة للأوقاف، ومن صميم عملهما جمع التبرعات والزكوات وإدارة الأوقاف، وكلاهما يخضعان لرقابة وزارة المالية وديوان المحاسبة ومدققي حسابات داخليين وخارجيين، ومن بعدهما هناك الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية التي أنشئت وفقا لقانون دولة الكويت وعلى أرضها، ثم جمعية الهلال الأحمر الكويتي.

إن الجهات الأربع السابقة تمثل المستويين الرسمي والشعبي، وجميعها يخضع لرقابة مسبقة ولاحقة على الصرف سواء من الدولة أو من جهات محايدة، وهي أولى بدعم جهودها وأعمالها كونها تعمل بالنور مدار العام وأرقام حساباتها معلنة ومعروفة، وتعلن سنويا ما حصلت عليه من تبرعات في رمضان وغيره من أشهر السنة، وتقدم أرقامها للرأي العام، وتبين أوجه صرفها بخلاف الجمعيات الأخرى التي تتعامل مع الدين وفقا لمنطلقات تجارية واقتصادية بعيدة عن مضامينه ورسالته، والتي ترى أن شهر رمضان قمة إيراداتها التي تنفقها بطريقتها طوال العام، واستثنائي هنا لن يتعدى عددا محدودا من الشخصيات التي تعمل بصمت وهدوء بعيدا عن الأضواء ولخدمة الإنسان أينما كان.

على الهامش:

عندما أعلن النائب علي الراشد في أكتوبر 2010 مسودة تعديلاته المقترحة على الدستور أقام نواب المعارضة الجديدة مأتما وأزعجونا بتصريحات حملت طابع التخوين والطعن بالنوايا، واليوم بعد عشرة شهور نرى أن نفس نواب المعارضة الجديدة بمعاييرهم المزدوجة لم يعلقوا حتى بالهمس على مقترح النائب محمد هايف بتعديل المادة الثانية من الدستور.

back to top