طفلي متأخر ... كيف أساعده؟

نشر في 18-02-2012 | 00:01
آخر تحديث 18-02-2012 | 00:01
No Image Caption
ثمة أشكال عدة من التأخر الذي قد يعانيه الأطفال، لكن لتشخيصها علينا أن نتمكن من رصدها أولاً. هنا يأتي دور أطباء الأطفال وأطباء العائلة الذين يعملون على متابعة طفلكم ويقومون بتحذيركم في حال وجود أية مشكلة ويقترحون الطرق المناسبة لحلها. أما أنتم، فتستطيعون مساعدته في مراحل نموه كافة من خلال بقائكم متنبهين إلى كيفية تطوره.

يرغب جميعنا في الحصول على أطفال «كاملين»، إلا أن الكمال ليس من هذا العالم من جهة، ومفهومه يختلف من شخص إلى آخر من جهة أخرى. وعلى رغم أن لكل طفل فرادته وطريقة نموه المختلفة عن الآخرين، غير البعض قد يتعرض لتأخر غير عادي ينبغي رصده بأسرع وقت ممكن بمساعدة الطبيب بغية إيجاد حلول مناسبة.

تأخر نفسي حركي

يتعلق الأمر بتأخر تبلور القدرات الحركية والكلام. يرتكز التشخيص على معلومات مستقاة من الأهل، وعلى مراقبة الطفل أثناء خضوعه لاختبار خاص من الطبيب وتسليط الضوء على قدراته الحركية الإجمالية والدقيقة. قد تتأكد إصابته بتأخر نفسي حركي بنتيجة خضوعه لاختبار يجريه طبيب متخصص في هذا المجال، ويؤدي الى تحديد مقدار التأخر على المستوى العام وتحديد ماهية مجالات التأخر: القدرة الحركية الإجمالية أو الدقيقة، اضطرابات مكانية زمنية أو اضطرابات مرتبطة بصورة الجسد...

قد يكون التأخر النفسي الحركي متلازمة معزولة تتعلق بوجود اضطراب معين في النمو، إلا أنه من الضروري البحث بشكل منهجي فيما لو كان التأخر متلازماً مع تخلف عقلي. العوامل التي قد تؤدي الى وجود تأخر نفسي حركي قد تكون جسدية (جينية، مشكلة حدثت بعد الولادة مباشرة) أو بيئية (في حال وجود اختلال تفاعلي مبكر أو نقص عاطفي)، أو قد يكون السبب هذه العوامل مجتمعة.

العلاج المتبع في حال وجود تأخر نفسي حركي ناتج من تخلف عقلي أو توحد أو اضطرابات متصلة باختلالات تفاعلية هو العلاج الذي يوصف لمعالجة هذه الأمراض المذكورة كافة. كذلك تشكل جلسات إعادة التأهيل النفسي الحركي والنشاطات الحركية والتعبيرية جزءاً من العلاج. أما في حال وجود تأخر نفسي حركي معزول أي غير مرتبط باضطرابات أخرى، فإنه يصبح من الضروري اللجوء إلى جلسات إعادة تأهيل نفسية حركية وجعل الطفل يمارس بعض الألعاب. كذلك ينبغي تقديم الدعم النفسي له ولعائلته. وأخيراً، يجب استخدام طرق محددة لتحسين قدراته المرتبطة بالتحصيل العلمي.

اضطراب التنسيق التنموي

يتعلق الأمر باضطراب تنموي يظهر على شكل صعوبات في إتمام الحركات الدقيقة، ما يؤدي إلى قلة الانتباه أو عدم الدقة أو البطء في الحركة. يتم التشخيص بناء على معلومات مستقاة من الأهل الذين يلاحظون تأخرًا دائمًا في مختلف مراحل التطور الحركي لدى طفلهم: في الجلوس والزحف والمشي. يتم إجراء اختبار للطفل المعني ووضع نقاط بعد الطلب منه أن يقفز ضاماً قدميه، أن يقفز على قدم واحدة، أن يقف على قدم واحدة، أن ينقر بإصبعه، أن يربط شريط حذائه، أن يلتقط طابة... يتم التأكد من إصابته بهذا الاختلال من خلال تقييم نفسي حركي، وتظهر الاختبارات النفسية الحركية تحقيق الطفل نتائج أقل في «الأداء» أو «التعبير غير اللفظي» منه في «التعبير اللفظي».

قد يؤثر هذا الاختلال بشكل كبير على الدراسة ونشاطات الحياة العادية، إذ يترافق غالباً مع اضطرابات أخرى: مشاكل في الكلام (اللفظ)، ومشاكل في القدرة على التعلم (الكتابة)، وصعوبات علائقية مع الأتراب (اللعب). وفي حال وجود أي نوع من أنواع التأخر، يتم التدقيق في وجود اضطرابات حسية أخرى (ضعف القدرات السمعية والبصرية)، ويستكمل التحليل بإجراء تقييم عصبي مع التدقيق في وجود أو عدم وجود شلل دماغي، أو اعتلال عضلي... العلاج المتبع في هذه الحالة متخصص في معالجة التأخر النفسي الحركي.

عدم استقرار نفسي حركي

يتعلق الأمر بإثارة الشغب، وافراط في الحركة والهياج، واضطراب فرط الحركة وفي الانتباه... تكون هذه الأمور غالباً سبباً لإخضاع أطفال الحضانة أو الصفوف الابتدائية لاستشارة طبية، إذ يشكل الأطفال الذين يعانون هذه المشاكل 3 الى 5% من عدد الأطفال حول العالم. لكن ينبغي أن نميز بين السلوك المرضي (له أسباب مختلفة جداً) وبين وجود أطفال «مفعمين بالحياة».

تبدأ الاضطرابات بين سن الخامسة والسادسة، ويصاب بها الصبيان بشكل أكبر بكثير من البنات (سبعة صبيان مقابل كل بنت). يرتكز التشخيص على المقابلة التي يتم إجراؤها مع الأهل وعلى محادثة يتم إجراؤها مع الطفل لوحده وعلى مراقبة العلاقة بين الطفل والأهل. كذلك يتم أحياناً استخدام بعض المقاييس أو إجراء بعض التقييمات (النفسية، النفسية الحركية، الكلامية) لتعليل التشخيص.

سريرياً، يمكن رصد الاضطرابات التالية:

1 اضطراب نقص الانتباه

- إفراط في الحركة غير مبرر وفوضوي وبلا هدف محدد في غالبية الأوقات.

- تحركات مستمرة تترافق مع إثارة الضجيج والقيام بتصرفات خرقاء.

- التعدي على مساحة الغير والتدخل المستمر في الحديث.

- عدم الانضباط وعدم القدرة على البقاء جالساً.

- فوضوية في التصرف: نشاط فوضوي وأخرق.

- اندفاع زائد: استغلال أي فرصة للتسلق والقفز والإمساك بالأشياء.

- فشل في أداء المهمات، إجابات سريعة غير مدروسة.

- التوبيخ المستمر وانزال العقاب لا يؤدي الى أية نتيجة.

2 عدم استقرار نفسي

- تشتت الطفل الذي تتجاذبه مختلف المحفزات الخارجية.

- قلة انتباه وصعوبات في التركيز.

- شرود الذهن.

- في المقابل، يستطيع الطفل أن ينجز عملاً ما بشكل جيد في حال تواجد شخص راشد الى جانبه للاشراف عليه.

3 أعراض أخرى تترافق مع الاضطراب وتختلف درجة قوتها بين شخص وآخر

- قلق يخفيه الطفل تحت قناع من الهياج.

- عدوانية، نوبات غضب تثيرها مشاعر الإحباط.

- مواقف استفزازية.

- سلوك يتسم بالمعارضة والتحدي والرفض وعدم المبالاة بالتحذيرات.

- تقلبات مزاجية مع الانتقال من الضحك الى البكاء، من الإثارة الى الحزن، من الشعور بالانتصار الى الانهيار الاكتئابي.

- عدم القدرة على استغلال القدرات اللغوية، صعوبات في التعبير وخصوصاً في ما يتعلق بالتعبير عن مشاعر الاستياء أو عدم الأمان.

- مشاكل علائقية، عزلة بسبب عدم تقبل الأتراب.

- عدم القدرة على تنسيق الحركة، تصرفات خرقاء.

- مشاكل في التعلم (20 الى 50% من الحالات): صعوبات في القراءة، في الحساب.

4 النتائج

• عائلياً

- سخط، سوداوية، نبذ، استهانة بالآخر، انكار...

- ردود فعل عنيفة.

- تفاقم المشاكل السريرية.

• دراسياً

- نتائج سيئة.

- تدابير تأديبية لا تؤدي الى أية نتيجة.

- إقصاء متكرر.

- تأخر، لا بل فشل دراسي.

- تعقيدات خطرة تهدد مستقبل الطفل.

ليس عدم الاستقرار النفسي الحركي سوى متلازمة أو رد فعل نفسي حركي غير محدد. يمكن أن يكون موجوداً لدى الطفل بشكل منعزل أي بمعزل عن وجود أي اضطراب آخر وفي إطار عائلي اجتماعي عادي. كذلك يمكن أن يكون رد فعل دفاعي فوري لدى طفل يواجه انقلاباً في عالمه العلائقي مع شخصية يغلب عليها الطابع المناهض للاكتئاب. وقد يكون أيضاً ضمن إطار بعض أنواع الذهان التي يعانيها الأطفال أو بعض الاضطرابات الخطيرة في الشخصية.

أساليب العلاج

ثمة أساليب علاج مختلفة جداً ويتم الاختيار والجمع في ما بينها استنادًا إلى كل حالة بعينها:

- مقاربة عائلية: ضرورية دائماً لتقديم الدعم للأهل ومساعدتهم لتبديل التفاعلات المرضية السلبية التي تجذرت في صلب علاقتهم مع طفلهم.

- مقاربة جسدية (الرقص الايقاعي، الاسترخاء، إعادة التأهيل النفسي الحركي) التي تساهم في استعادة متعة الحركة والسيطرة على الجسد.

- دعم نفسي فردي أو جماعي بواسطة علاجات نفسية يغلب عليها طابع التحليل النفسي أو الطابع المعرفي السلوكي.

- علاج بالأدوية.

ماذا عن العرات

العرات هي تقلصات حركية أو نطق بألفاظ لاإرادية تتم بشكل سريع ومتكرر من دون قدرة على التحكم بها، وهي إلى ذلك غير إيقاعية ونمطية. وقد تكون هذه العرات بسيطة أو معقدة، وتظهر عادة في سن السادسة أو السابعة. يزيد التوتر من حدتها وتختفي أثناء النوم. كذلك قد تكون ظاهرة عابرة (عبارة عن رد فعل على توتر كالافتراق عن شخص عزيز) أو مستمرة أو قد تظهر من وقت الى آخر بشكل متقطع (تختفي أحيانًا).

من الضروري اللجوء إلى علاج متكامل طويل الأمد يتضمن مساعدة نفسية للطفل وتقديم الدعم لمحيطه العائلي. قد يؤدي أحياناً إعطاء الطفل جرعات صغيرة من دواء مخصص لهذه الحالة إلى تحسنه بشكل ملحوظ.

تأخر في الكلام

يقوم الطبيب بتشخيص مفاده أن الطفل متأخر في الكلام حين تكون قدرة الطفل على الكلام لا زالت أقل بكثير من قدرات الأطفال من السن نفسه، بدون أن يكون هناك أي سبب منطقي أو ظرف خاص يبرر ذلك.

بين سن الثانية والسادسة أي في السن الذي يكون فيه الأطفال عادة ميالين إلى الثرثرة، يكون هؤلاء الأطفال قليلي الكلام أو لا يتكلمون أبداً.

أسبابه

غالباً ما تكون أسباب التأخر في الكلام متعددة، فهي قد تكون مرتبطة بالبيئة التي يعيش فيها الطفل، أو بمشاكل في السمع، أو بأمراض دماغية قد عاناها الطفل خلال الحمل أو في الأشهر الأولى لولادته...

في ما يتعلق بالبيئة التي يعيش فيها الطفل، المشكلتين الأكثر انتشاراً هما:

- بيئة لا تشجيع الطفل على الكلام، حيث يكون المحيطون قليلو الكلام مع الطفل أو يتكلمون معه بلغة الأطفال؛ أو قد يفهم أفراد العائلة المصطلحات التي يستخدمها أو ما تعنيه حركاته، فلا يشجعونه على التعبير عن نفسه بشكل صحيح.

- بيئة متطلبة جداً، حيث وعلى العكس من الحالة الأولى، يطالب الطفل بأن يقوم ببناء جمل واستخدام كلمات تتخطى سنه وقدراته. في هذه الحالة، يمتنع الطفل عن الكلام ويكف عن إحراز أي تقدم خوفًا من الفشل.

حلوله

من الضروري استشارة طبيب العائلة الذي قد يرشدكم إلى طبيب مختص. قد يتحول التأخر في الكلام في حال عدم معالجته بشكل صحيح إلى عسر في القراءة أو إلى صعوبات في التعلم. من الممكن اللجوء الى العلاج النفسي في حالة الأطفال الذين يرتبط تأخرهم في الكلام برغبتهم في البقاء في مرحلة الطفولة أو باضطرابات عاطفية أخرى. يستطيع أهل الطفل المتأخر في الكلام مساعدته عبر تحفيزه من الناحية اللغوية: تكرار ما يقوله بمصطلحاته الخاصة في جملة صحيحة، لعب ألعاب المفردات معه، القراءة له...

من الجيد أن نعرف أن الأطفال كلهم يواجهون الصعوبات في بداية تعلمهم الكلام، ليس على مستوى اللفظ فحسب، بل أيضًا على مستوى استهلال الكلام بحد ذاته. لكن يمكن الحديث عن اضطراب أو تأخر في حال استمر الطفل في مواجهة الصعوبات على رغم بلوغه عمراً معيناً وأدى ذلك الى معاناته مشاكل كبيرة في التواصل. يصبح اللجوء الى متخصص في تصحيح مشاكل النطق وإلى طبيب الأطفال أمرًا ضروريًا وملحاً في هذه الحالة. وحده طبيب الأطفال يستطيع أن يشرح الأسباب الحقيقية للمشكلة وتحديد ما إذا كان الأمر متعلقاً بمجرد تأخر عادي أو كان على العكس عائداً إلى اضطرابات مهمة يعانيها الطفل.

ما إن يتم تحديد المشكلة حتى يصبح لزاماً على الأهل مساندة طفلهم. عليهم أن يبينوا له أنه ليس وحيداً في مواجهة المشكلة وأن يشجعوه إزاء كل جهد يقوم به، خصوصاً أثناء قيامه بالتمارين الموصى بها من الاختصاصي في تحسين النطق أو طبيب الأطفال.

متلازمة جيل دو لا توريت

تظهر هذه المتلازمة بين سن السابعة والخامسة عشرة وهي تتصف بوجود عرات حركية مترافقة مع عرات لفظية قد تكون على شكل دمدمات أو سباب. الأسباب عصبية ونفسية في الوقت نفسه.

خرس إرادي

يستطيع معظم الأطفال الذين يعانون الخرس الإرادي الكلام، لكنهم يختارون ألا يتكلموا إلا مع عدد محدود من الأشخاص أو مع شخص واحد. غالباً ما يظهر الخرس الإرادي بين عمر الثلاث والخمس سنوات، ويصيب الفتيات والفتيان على حد سواء. ويرتبط عادة بمشاكل نفسية أو عائلية يعانيها الطفل، كذلك قد يعود إلى معاناته الاكتئاب. يتم العلاج عبر جلسات نفسية شخصية أو مع الأهل، وقد يتم إجراء هذه الجلسات أحياناً في المدرسة بمساعدة الأستاذ.

back to top