سعاد حسني... الاغتيال الرمزيّ في السرير

نشر في 09-10-2011 | 00:02
آخر تحديث 09-10-2011 | 00:02
يقول الكاتب المصري حمادة إمام في كتابه «الجنس السياسي» إن بين الجنس والسياسة في مصر خيطاً رفيعاً يكاد لا يرى. فعلاقات السياسيين الجنسية السرية تكون عادةً عبارة عن فخاخ مُحكمة ينصبها النظام لرجاله ويضعها في ملفاتهم الخاصة من دون أن يعلموا، وتظلّ عبارة عن مشروع فضيحة مستور إلى أن تأتي اللحظة الحاسمة، فيخرج السياسي عن الدور المرسوم له، أو يتجاوز بشعبيّته الحدود المسموح بها، وهنا يبدأ النظام في إيقاظ الفضيحة النائمة، وتحويلها إلى سلاح قاسٍ لتصفية هذا السياسي وإلقائه في غياهب النسيان! والحال أن هذه الفخاخ لا تُنصب للسياسيين فحسب بل للفنانات أيضاً.

طالت الفنانة المصرية الراحلة سعاد حسني أخبار من النوع الذي ذكرناه سابقاً، إذ أكّدت صحيفة «دايلي ميل» البريطانية ومجلة «روز اليوسف» المصرية أن الزعيم الليبي معمر القذافي عرض على صفوت الشريف عام 2000 شراء مجموعة الأفلام الإباحية لسعاد حسني، التي صوّرها لها بإجبارها على ذلك أيام عمله كضابط في الاستخبارات، وكان يهدّدها بها،  وفق ما ورد في مذكرات حسني المنشورة في الصحيفة البريطانية، والتي كانت سبباً في مقتلها.

وذكرت الصحيفة البريطانية أن الشريف، ذراع حسني مبارك اليمنى والمسجون راهناً في سجن طرّة بتهمة قتل متظاهرين في موقعة «الجمل» في ميدان التحرير، يحتفظ بنسخة منها وعرض القذافي مئة مليون جنيه مصري مقابل شرائها، وقُدِّر عدد الأفلام الإباحية، التي صوّرها الشريف بالتهديد، لسعاد حسني بـ 18 فيلماً بالأبيض والأسود، مدة كل واحد منها 15 دقيقة، وصُوّر أول هذه الأفلام في عيادة الدكتور عبد الحميد الطويل الذي كان زوجاً للفنانة مريم فخر الدين.

مثل هذا الخبر، يبدو صاعقاً بالنسبة إلى جمهور سعاد حسني، خصوصاً أنه يتضمّن أخباراً جنسية، لكن العارف بكواليس الاستخبارات المصرية، يجده أحد الأمور البديهية التي كانت سائدة في زمن حكم جمال عبد الناصر وفي زمن محمد أنور السادات ومن بعده محمد حسني مبارك.

ثمة كتب كثيرة تفضح هذا المسار الغريب الذي تختلط فيه أسرار الجسد بأسرار القتل والصفقات والرغبات والذكوريات. وشخصية مثل سعاد حسني، في موتها الملتبس وحياتها العابقة بالأسرار والأخبار، يمكن أن تبقى نبعاً للأخبار الجديدة والتأويلات والحكايات التي تشبه، إلى حدّ ما، حكاية الأميركية الشقراء مارلين مونرو أو حكاية مغني البيتلز جون لينون.

بالطبع حين ينظر الجمهور إلى جمال سعاد حسني وحسنها ونضارتها بل وغوايتها يجد أنه من المستحيل أن تنصب الاستخبارات المصرية فخاً  للسياسيين ولسعاد حسني نفسها، والراجح أن بعض جمهور سعاد يجد فيها طيفاً من أطياف المرأة العذراء التي «لا يمسّها إنس»، والسبب هو كاريزما هذه النجمة التي لا يمكن للأخبار «اللاأخلاقية» أن تحرقها وتسقطها، فالجمال الصاعق يمحي الشوائب عن حياة هذه الفنانة التي عاشت الويلات والشقاء في حياتها، وماتت بطريقة أكثر شقاء من حياتها، وهي التي أحبها الجمهور لكنها لم تستطع عيش حبّها كما ينبغي.

لغاية اليوم، لا تتوافر مذكرات موثوق بها عن سعاد حسني وفنها وعلاقاتها، كل ما صدر في المكتبات لا يتعدى كونه مجرد أوراق، منها ما هو قائم على «خبريات صفراء» ومنها ما هو رديء المضمون، ولم يلجأ أحد الكتاب إلى تدوين كتاب عنها يبيّن حقيقتها بل، ولم يتجرأ أحد الروائيين على «استغلال» شهرتها من خلال رواية متخيّلة، كما فعل الكتاب الغربيون مع مشاهيرهم (مثل مارلين مونرو والأميرة ديانا).

منذ رحيل سعاد حسني أو مقتلها قرأنا مئات التحليلات والتكهنات حول حياتها ومقتلها، وزادت هذه التكهنات بعد سقوط نظام حسني مبارك بعد الثورة الأخيرة، وظهور علامات وأدلّة تدعو إلى فتح التحقيق مجدداً في مقتلها، وما ظهر لغاية اليوم يبيّن أن الأسى الذي عاشته سعــــــاد حسنــــي يظهــــــــر فســــــاد النظـــــــام المصري وأجهزته من زمن عبد الناصر إلى اليوم، فساد عمره من عمر «الحرب الباردة»، والأخبار التي نقرأها عن الفنانين في زمن المجد الناصري والانفتاح الساداتي أشد فتكاً من زمن الكليبات و{الفرفشة» الظاهرة اليوم، ربما لأن استغلال الفنانات في وظائف جنسية يشكّل قناعاً لاستباحة المجتمع وحياة الأفراد على أكمل وجه.

مذكرات

لنتأمّل قليلاً مذكرات سعاد حسني، كما وردت في «روز  اليوسف» ونُشرت في أكثر من موقع إلكتروني. تقول القصة إنه في 15 فبراير الماضي صدر قرار بريطاني قضائي بإعادة فتح التحقيق في قضية مقتل سعاد حسني، عقب طلب تقدّم به محامٍ بريطاني من أصل فلسطيني يُدعى أمجد سلفيني، بناء على توكيل رسمي من أسرة المجني عليها موثّق في السفارة المصرية في لندن، إذ حضر إلى مقرّ قسم «الجرائم الغامضة» في جهاز الشرطة البريطاني وقدّم ورقة تفسير جنائي حصل عليها من المحامي المصري عاصم قنديل أقنعت قسم التحقيقات الغامضة بضرورة فتح التحقيق مجدداً، نظراً إلى وجود بينات وشواهد بارزة تثبت أن موكّلته قُتلت ولم تنتحر، كما جاء في حكم محكمة «كورنر كورت» النهائي في 31 يوليو 2003.

تقول التقارير إن التحقيقات بدأت وما زالت، وفي مارس 2011 ظهر العقد الرسمي لمذكرات سعاد حسني، نسيت صديقتها نادية يسري- التي كانت تستضيفها في شقّتها، على حد أقوالها الجديدة - أن تسلّمه لسلطات التحقيق أول مرة، وكشف أن سعاد وقّعته في أول يناير عام 2000 مع دار النشر البريطانية راندوم هاوس، وذكر العقد أنها وقّعته في حضور ممثل دبلوماسي عن شخصية عربية خليجية قرّرت تمويل المذكرات.

وُقّع  العقد في دار راندوم هاوس وكان ثمة شيك مالي بمبلغ مليون جنيه استرليني مقابل المذكرات مؤرّخ بتاريخ مؤجل إلى 1 يوليو 2001، أوقفت الدار صرفه عقب نبأ مقتل سعاد حسني وعدم العثور عليه بين متعلّقاتها. لم يجد فريق التحقيق أي صفحة من تلك المذكرات المفقودة التي كانت السبب الرئيس وراء الجريمة، فتغيّر أسلوب التحقيق وسعت الشرطة بكل أجهزتها إلى البحث عن تلك المذكرات، خصوصاً بعدما علمت أن ثمة 12 شريطاً بصوتها سجّلت عليها ملخّص المذكرات فُقدت هي أيضاً.

في أوائل يوليو الماضي كشف البحث أن مصرياً لقبه «حامل التسجيلات» مقيماً في لندن وصل لتوّه من مصر، وتحوم حوله الشبهات بسرقة تلك الشرائط، وفي 14 من الشهر نفسه استُدعي وخيِّر بين التعاون أو تقديمه إلى المحاكمة بتهمة الاتفاق والمساعدة على قتل سعاد حسني، فقرّر التعاون.

وبحسب مجلة «روز اليوسف» أكدت التحقيقات أن هذا الشخص ظهر في حياة سعاد بداية عام 1999 ليقنعها بإمكان جني ثروة إذا كتبت مذكراتها الشخصية، وأفصح لها عن أن شخصية عربية ستموّل النشر في كبرى دور النشر البريطانية، فأعجبت بالفكرة وكانت تحتاج إلى تأمين معيشتها فقررت الكتابة.

كذلك أكّدت التحقيقات أن شخصاً من القاهرة هدّد سعاد بالقتل فشعرت بالخطر وغيّرت ترتيب فصول مذكراتها التي كانت قد أوشكت يومها على الانتهاء منها، وكتبت فصلاً رقمه 13 حمل عنوان «يوم مقتلي». وتوصلت التحقيقات إلى أن المجموعة التي قتلت سعاد زارتها سابقاً وأنها تلقت تهديدات واعتُدي عليها بالضرب أمام صديقتها نادية يسري التي أخفت المذكرات يومها في الثلاجة، وكشفت سعاد أنها أبلغت الرئيس المخلوع حسني مبارك عن مضايقات رجله صفوت الشريف، وبدلاً من أن يبعده عنها أرسله الى لندن، فحدثت بينها وبين الشريف مشاجرة طعنته إثرها بسكين بشكل سطحي. ولم تخفِ سعاد في الفصل أنها كانت تشكّ في أن مبارك يعرف ما يفعله الشريف ويباركه.

للاستدراك، بعد سقوط نظام مبارك طرح كثر سؤالاً مفاده: هل كان حسني مبارك وراء قتل سعاد حسني؟ وكانت الإجابة أن مبارك والشريف هما أول المستفيدين من موتها، ولم يتردد بعض الأقلام في الكتابة عن أن مبارك قد أجبر سعاد، بعد توليه الحكم ببضع سنوات، على ممارسة الجنس معه أيام عرض مسلسل «هو وهي» في التلفزيون (1984)، الذي شاركت في بطولته مع أحمد زكي.

وتضيف هذه الأقلام أن القتل وإيذاء الغير أمران ليسا بعيدين عن العائلة «المباركية» ومن عادات مبارك. فقد حاول قتل شريهان مرات، وشرع في قتل عبد الحليم قنديل، رئيس تحرير جريدة «العربي الناصري»، وقتل الكاتب رضا هلال...

بالعودة الى «حامل التسجيلات»، فقد أكدت الشرطة أنه لم يأخذ المذكرات أو حتى الشرائط الـ12، بل سجّل ملخّص المذكرات في 25 صفحة مطبوعة بغرض عرضها على المموّل، إذ كان يثرثر كثيراً ويشكّك في أنها تكتب واحتفظ لنفسه بنسخة منها سافر بها الى القاهرة، وأشارت الشرطة إلى أنه لو كان يعرف طريق التسجيلات أو الأوراق لكان قتل هو أيضاً.

من الملخّص الذي سلّمه «حامل التسجيلات» إلى الشرطة كانت أولى معلومات عن المذكرات التي بدأتها سعاد بقصة سقوطها وعشقها للمرح والحب، وفي نهاية عام 1964 طلبها الضابط صفوت الشريف في مكتبه، وكانت المرة الأولى التي تقابله فيها، وفي الجلسة فوجئت به يطلب منها العمل معه للصالح العام، وعندما فسّر لها كان ردّها أن صفعته، فعرض عليها أول فيلم صوّره لها مع صديق، فانهارت بعدما هدّدها بهدم حياتها الفنية وقررت العمل معه.

يثبت ملخّص المذكرات أن سعاد كانت قد تزوّجت بالكلمة: «زوّجتك نفسي» من عبد الحليم حافظ سراً بعد علاقة غرامية عاصفة انتهت بدراما سقوطها في قبضة صفوت الشريف. وكتبت سعاد تقول: «لم يكن أحد من المحيط إلى الخليج لا يريد جسد سعاد الذي باعوه بالرخيص». وتحكي أنها طلبت من الشريف التوقّف لأنها ستتزوّج من عبد الحليم حافظ فثار عليها وهددها وأقنعها بأن مستقبلها مع السلطة.

وفي المذكرات روت سعاد أنها طلبت من عبد الحكيم عامر أن ينقذها، لكنه أخبر برلنتي عبد الحميد، الذي كانت تكرهه سعاد، فمنعته من التدخل لدى الرئيس عبد الناصر ومات عامر في 14 سبتمبر 1967 من دون أن يطلع عبد الناصر على ما يفعله صلاح نصر، الذي كان رئيساً للمخابرات من 1956 حتى 1967. والنافل أنه في سنة 1963 اتخذ نصر قراراً بتشغيل النساء في المخابرات المصرية بعدما وجد أجهزة المخابرات في العالم تستخدم الجنس في عملها. وقد اعترف نصر بأنهم استعملوا مئة فتاة، وأنهم كانوا يلجأون إلى تصويرهن من باب السيطرة وخوفاً من تقلّب عواطفهن... كذلك اعترف بأن ثمة فنانات كان لهنّ دور في ذلك.

انحراف صلاح نصر

بالعودة الى مذكرات سعاد حسني المفترضة، فقد أكدت أن عبد الحليم عاد إليها ووعدها بأنه سيساعدها وأنه نجح بالفعل في كشف القصة لعبد الناصر فوعده بأنه سينهي القضية. بعدها أصدر عبد الناصر قرارات تاريخية لها دوافع وأسباب سياسية أدت إلى تحويل صلاح نصر وعدد من ضباط جهاز المخابرات في فبراير 1968 إلى محكمة الثورة في القضية الشهيرة باسم «انحراف صلاح نصر». ونشرت مطبوعة «الوفد الأسبوعي» نصاً كان ممنوعاً في عهد الرئيس حسني مبارك، وهو التحقيقات التي أجريت مع صفوت الشريف عام 1968 وأحيل بسببها إلى التقاعد وعمره لم يتعدَّ الـ 35 عاماً.

قال الشريف في بداية التحقيقات إنه انضمّ الى جهاز المخابرات عام 1975 بعدما كان ضابطاً في الجيش وتدرّب كثيراً حتى أصبح مسؤولاً عن عمليات السيطرة التي قام بها قسم المندوبين عن طريق تجنيد عناصر من النساء لاستغلالهن في هذه العمليات. وأكد الشريف في التحقيقات أن أول عملية قام بها خاصة بامرأة روسية الجنسية تُدعى جينا ريتا كغيازينا، وكانت تعمل مدرّسة في مدرسة الألسن، وتعمل علاوة على ذلك في السفارة الروسية...

واعترف الشريف أنه نفّذ عملية خاصة لتجنيد سعاد حسني تمت في أكتوبر 1963 بأمر من حسن عليش، وبناء على ذلك اتصل محمود كامل شوقي بإحدى مندوباته وتُدعى «ريري» وفهم منها أن الممثلة ليلى حمدي تستطيع الإتيان بسعاد حسني مقابل مبلغ 300 جنيه، واستخدم ممدوح كامل، مترجم اللغة الفرنسية، في قسم المندوبين ليتظاهر بأنه فرنسي وعلى هذا الأساس اتصل بسعاد حسني، وحصل تعارف بين كامل وسعاد حسني عن طريق ليلى حمدي المشهورة بـ «رفيعة هانم» وأعطاها 300 جنيه كان قد سلّمها إليـه الشريف من نقود قسم المندوبين واصطحبها إلى شقة مصر الجديدة وأجريت «عملية الكنترول» عليهما أثناء وجودهما في السرير.

وقال الشريف: «نفّذت وأحمد الطاهر وصلاح شعبان العملية من ناحية التصوير، وحضر صلاح نصر، رئيس المخابرات، إلى غرفة العمليات بصحبة حسن عليش وأشرفا على تنفيذ العملية واقتحمنا غرفة النوم وقمنا بضبط سعاد حسني متلبّسة، وعقب ذلك تم اصطحابهما إلى مبنى الاستجواب في إدارة المخابرات وإيهامهما بأن الشخص الذي كان معها، ممدوح كامل، هو جاسوس فرنسي وعرض عليها يسري الجزار في مبنى الاستجواب أن تعمل مع المخابرات مقابل ستر فضيحتها»... الخ.

الروايات حول علاقة سعاد حسني بالسلطات والمثقفين والشعراء والعشاق أشبه بـ{مغارة علي بابا»، هي مثيرة للاهتمام والفضول، يقول جزء من الرواية إنه بعدما أصدر عبد الناصر قرارات في مارس 1968 منع فيها استغلال المصريات في أي عملية أمنية من هذا النوع، طلب أن يحضروا له أفلام سعاد كلّها من واقع أرشيف عملية صفوت الشريف وأشعل النار في الشرائط، وبعدما تأكد من أنه أعدمها بنفسه اتصل بعبد الحليم حافظ وقال له جملة واحدة ذكرتها سعاد في مذكراتها وهي: «مبروك... وعد الحر دين عليه يا حليم»، وأخبره أنه وسعاد حرّان لكن عبد الحليم، كما كتبت، كان لديه شرخ نفسي من ناحيتها منعه عنها حتى مات.

الرواية لا تنتهي هنا، إذ تشير التقارير، نقلاً عن مذكرات وزير الحربية المصري السابق العقيد شمـــس بــــــدران غيــــــر المنشورة، أن عبد الناصر كان يشعر بإحساس رائع عند مشاهدة بعض أفلام سعاد حسني «الخاصة»، وأن تلك الأفلام كانت، حسب تعبير بدران، بمنزلة الفياغرا في ذلك الوقت.

ما قيل وما تسرّب عن فحوى المذكرات أثار غضب الناس وأسرة عبد الناصر وقيادات الحزب الناصري، وقد عبّر نائب رئيس الحزب أحمد الجمال عنه في مقاله في جريدة «العربي» الناصرية. لا أحد يعرف تحديداً القصد من الأفلام «الخاصة»، واللافت أنه من النادر أن يتحدّث أحد عن حياة عبد الناصر العاطفية أو الجنسية، فهو مثل أم كلثوم «معصوم» عن هذه الأمور في الكتابات كأنه ليس من لحم ودم.

مـــــن دون شـــــك، تفتـــــح قــصـــــة عبد الناصر مع أفلام سعاد حسني الباب للحديث عن ألغاز أخرى في حياة هذه الفنانة، فهل كان جمالها سطوة على الجميع، هل كان عبد الحليم حافظ يعلم بأفلامها مع الاستخبارات، مع ذلك كان يحبها ويريد أن يتزوجها أو تزوّجها؟... أسئلة كثيرة تحتاج إلى جهد للإجابة عنها، خصوصاً في علاقة سعاد بالرجال وعلاقة عبد الحليم بالنساء، وبين سعاد وحليم شقاء مشترك وعلاقة ملتبسة بالنظام، فحليم كان مطرب الثورة وسعاد على ما يبدو ضحيَّة الاستخبارات.

في مذكراتها الأصلية، كشفت سعاد في فصل كامل عن قصتها مع عبد الحليم، وفجرت مفاجأة عندما حكت أن صفوت الشريف كان قد أقسم على تدمير عبد الحليم الذي كشف عمليتهم لجمال عبد الناصر، وذلك بعدما عاد إلى الوظيفة الحكومية في عهد الرئيس أنور السادات، حتى أنه كان أحد الأعضاء المؤسسين للحزب الوطني الجديد الذي أسسه السادات للقضاء على بقايا الاتحاد الاشتراكي عام 1977، وسعى إلى هدم أي ذكرى سياسية للاتحاد الاشتراكي لأنه كان يكره عبد الناصر الذي حاكمه.

حكت سعاد تفاصيل كثيرة منها أن الشريف حاول قتل عبد الحليم في حادثة سيارة لتبدو حادثة عادية، وذكرت أنه هو الذي وقف بالطريقة نفسها وراء مقتل الموسيقار عمر خورشيد في حادث سيارة في 29 مايو 1981 لأنه أطلق إشاعات حول علاقة مزعومة له بسيدة مشهورة في مصر، وذلك في محاولة لكسب ودّ السادات.

والخطير في المذكرات أن سعاد ذكرت في آخر فصل، تحت عنوان «لا تنسوني»، أن القذافي عرض على صفوت الشريف عام 2000 شراء مجموعة أفلامها التي احتفظ الأخير بنسخة منها مقابل مائة مليون جنيه مصري، فوعده الشريف بالتنفيذ في الوقت المناسب، وأن سيف الإسلام القذافي عاين الأفلام لدى الشريف فكان ذلك سبباً رئيساً لموافقتها على كتابة المذكرات، لتكون دفاعها عن شرفها واسمها أمام عشاقها ضد الشريف.

حتى المعلومات الكاملة عن الشريف ودوره الشاذ في عملية السيطرة على سعاد حسني حُذفت من ملخص الـ25 صفحة الذي سجّله «حامل التسجيلات»، وجاء الحذف في جزء منها مقصوداً بشهادة تقرير الخبير الفني للشرطة البريطانية، ما يدعوها راهناً إلى التفكير في اتهام «حامل التسجيلات» بطمس معالم جريمة وقعت على الأراضي البريطانية.

سلاح التصفيّة

يبدو الجنس إحدى أدوات صناعة القرار في مصر، والعبارة السابقة ليست اجتهاداً أو رأياً، فقد استُخدم سلاح التصفية بالجنس والتشويه مع المشير عبد الحكيم عامر، الذي تحوّل إلى مجرد رجل شهواني يبحث ليلاً عن مغامرة نسائية جديدة، بعدما كان الرجل الأقرب إلى قلب عبد الناصر، ولما حدثت المواجهة وتدخلت حسابات السلطة، كانت ورقة ممثلة الإغراء هي الأداة التي استُخدمت للقضاء على سيرته وسمعته، والأمر نفسه حدث مع صلاح نصر الذي قبض عليه واتهم باستغلال النفوذ، وكانت مجموعة من الممثلات شاهدة على إدانته!

وأحد أبرز الذين صفَّتهم السلطة بهذا السلاح الفتاك، المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، الذي كان، في وقت من الأوقات، شخصية محبوبة من رجال القوات المسلحة والمواطنين العاديين على السواء، وأقوى المرشحين لتولي المنصب الشاغر منذ اعتلاء الرئيس مبارك للسلطة، وهو نائب رئيس الجمهورية. لكن فجأة وجد أبو غزالة نفسه صيداً ثميناً لفضيحة جنسية شغلت الرأي العام في مصر وتتعلق بعلاقته بالراقصة لوسي ارتين...

اليوم يستعمل بعض أصحاب المجلات الفنية الأفلام أو الأخبار الجنسية في حياة الفنانات وسيلة ابتزاز لهن لدفع الخوات أو المال.... يُذكر أن قوات الأمن المصرية ألقت القبض على منتج سينمائي مشهور صوَّر أفلاماً لفنانات لبنانيات ومصريات أثناء علاقته بهنّ قبل تحقيقهنّ الشهرة، لإجبارهن على العمل معه وحده من دون شركة أخرى. ورصدت مباحث الجيزة 53 فيلمًا على الإنترنت؛ فداهمت مقرّ شركته، وأمر اللواء أحمد جمال الدين، مساعد الوزير للأمن العام، بإحالته إلى النيابة للتحقيق.

back to top