ما قل ودل: على هامش الإلزام بتفسير المحكمة الدستورية
![المستشار شفيق إمام](https://www.aljarida.com/uploads/authors/67_1682522878.jpg)
الإلزام بتفسير المحكمة أساسه:هناك مقولة شهيرة في الفقه الفرنسي تقول Soufre la loi que vous faites toi mêm، أي "احترم القانون الذي وضعته بنفسك"، وهي مقولة تجسد مبدأ سيادة القانون، في الدولة القانونية، فالقانون يطال الحاكم كما يطال المحكوم، الكل سواء أمام القانون، وأول من يجب عليه احترام القانون، هو مجلس الأمة الذي أقره باعتباره القدوة للناس في الالتزام بأحكام القوانين التي أقرها، فالماء يسيل من عل، فلا يجوز للمجلس، عند نظر الاستجواب المقدم من النائبين أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري، والمحدد لمناقشته جلسة أول نوفمبر من العام الجاري، أو أي استجواب آخر يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء، التحلل من الالتزام بهذا التفسير لما ينطوي عليه ذلك من مخالفة قانون إنشاء المحكمة الدستورية، الذي ألزم السلطات كافة بالتفسيرات التي تصدرها المحكمة الدستورية لنصوص الدستور.الإلزام مصدره القانونوالقانون الذي نعنيه في هذا المقام، هو القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية، والذي ينص في مادته الأولى على أن تنشأ محكمة دستورية تختص دون غيرها بتفسير النصوص الدستورية وبالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح، وفي الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم، ويكون حكم المحكمة الدستورية ملزماً للكافة ولسائر المحاكم. كما تنص المادة الثالثة من القانون في عجزها على أن "تنشر الأحكام ومرفقاتها في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من صدورها".ومؤدى هذين النصين ومفادهما أن تفسيرات المحكمة الدستورية لنصوص الدستور، هي تفسيرات ملزمة للكافة، بما في ذلك سلطات الدولة، وأولها مجلس الأمة الذي أقر هذا القانون، كما أنها ملزمة لسائر المحاكم، وهو إلزام تستمده قرارات التفسير من القانون ومن نصوص دستورية أخرى.لا اجتهاد مع صراحة النصومؤدى ما ورد في عجز المادة من النص على أن "يكون حكم المحكمة الدستورية ملزماً للكافة ولسائر المحاكم"، ومفاده أن حكم المحكمة في المسائل كافة التي عقد النص اختصاص المحكمة بها، ومنها تفسير النصوص الدستورية، هو حكم قضائي ملزم، ولكنه ليس كسائر الأحكام القضائية يتمتع بحجية نسبية، تقتصر على أطراف الخصومة الصادر فيها، بل حجية مطلقة تتعدى أطراف الخصومة إلى إلزام المحاكم والكافة بها، شأنه في ذلك شأن الأحكام الصادرة من الدوائر الإدارية بالمحكمة الكلية بإلغاء القرارات الإدارية غير المشروعة، لأن الخصومة في كلا الحكمين هي خصومة ذات طبيعة عينية، تختصم في دعوى إلغاء القرار الإداري، القرار ذاته، وتختصم في طلب تفسير النص الدستوري، تفسيراً للنص غمَّ على إحدى السلطات، وأثار خلافا في الرأي ومن ثم فجّر المنازعة حول تطبيق النص الدستوري في مسألة من المسائل، وتختصم القانون ذاته عندما يحال إلى المحكمة دفع بعدم دستوريته أمام إحدى المحاكم.انطباق الإلزام على تفسيرات المحكمةوقد جاء النص الوارد في هذه المادة بأن يكون حكم المحكمة الدستورية ملزماً للكافة ولسائر المحاكم، بحكم عام ومطلق. ومن المقرر في قواعد التفسير، أن الحكم العام يسري على عمومه، وأن الحكم المطلق يجري على إطلاقه، ما لم يرد تخصيصه أو تقييده بنص خاص، يكون بالأداة ذاتها التي قررت الحكم العام، ولم يرد في قانون المحكمة الدستورية أو في غيره من القوانين ما يخصص مسألة دون غيرها من المسائل التي تختص بها المحكمة بهذا الإلزام، وأولها تفسير النصوص الدستورية الذي استهلت به المادة أحكامها.ولا يستمد هذا التخصيص للحكم العام والتقييد للحكم المطلق بإلزام الكافة بما تصدره المحكمة من أحكام في المسائل التي عهد بها المشرع إلى المحكمة، أن تكون المحكمة قد أطلقت وصف القرار على ما تصدره في طلبات التفسير، فهو اجتهاد من المحكمة في تنظيم عملها، وليس نصاً في قانون، هو الأداة التشريعية الوحيدة التي تملك هذا التخصيص لحكم عام أو التقييد لحكم مطلق وردا في قانون، بالإلزام بأحكام المحكمة الدستورية، إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يقوم عليه نظام الحكم في الكويت. وان على المحكمة أن تعيد النظر في هذا الوصف، ليتسق ما تصدره المحكمة في طلبات التفسير مع نص قانون إنشاء المحكمة. وللحديث غداً بقية إن كان في العمر بقية.