ما قل ودل: على هامش الإلزام بتفسير المحكمة الدستورية

نشر في 30-10-2011
آخر تحديث 30-10-2011 | 00:01
No Image Caption
 المستشار شفيق إمام قرار المحكمة الدستورية

تناولت في مقالي الأحد الماضي تحت عنوان "المحكمة الدستورية واستجواب رئيس مجلس الوزراء" قرار المحكمة الدستورية الصادر بتفسير المواد 100 و123 و127 من الدستور، والذي حسم الخلاف الدائر حول استجواب رئيس مجلس الوزراء، وقررت المحكمة فيه انحصار نطاقه في حدود اختصاصه في السياسة العامة للحكومة دون أن يتعدى ذلك إلى استجوابه عن أي أعمال تنفيذ تختص بها وزارات بعينها، أو أي عمل لوزير في وزارته"، وكيف كان الالتجاء إلى المحكمة الدستورية أمراً ضرورياً، وكنت في مقال لي على هذه الصفحة في 5 يناير من العام الجاري قد دعوت إلى الالتجاء إلى المحكمة الدستورية لوضع الحدود الفاصلة بين مسؤولية الوزير السياسية والمسؤولية السياسية لرئيس مجلس الوزراء، وقلت إن المسألة لا تتعلق بقدرة رئيس مجلس الوزراء على الرد على أي استجواب، يتحمل مسؤوليته وزير من وزرائه، بل إن الأمر يتعلق أساساً باحترام الدستور، واستقرار الحكم، لأن مسؤولية الوزير الفردية، التي تنتهي باعتباره مستقيلاً، إذا قرر المجلس عدم الثقة به إثر مناقشة استجواب يوجه إليه، هي حجر الزاوية في استقرار الحكم، وهو ما قررته المذكرة التفسيرية للدستور، وألمحت إليه المحكمة الدستورية في تفسيرها سالف الذكر، حيث تستمر الحكومة في إدارة شؤون البلاد، ويستمر المجلس في أداء مهامه الدستورية، على عكس استجواب رئيس مجلس الوزراء، إذا قرر المجلس عدم إمكان التعاون معه، فإن مصير الحكومة ومصير مجلس الأمة، يكون رهناً بالقرار الذي يراه رئيس الدولة، إما بإعفاء رئيس مجلس الوزراء وتعيين حكومة جديدة، وإما بحل مجلس الأمة.

الإلزام بتفسير المحكمة أساسه:

هناك مقولة شهيرة في الفقه الفرنسي تقول Soufre la loi que vous faites toi mêm، أي "احترم القانون الذي وضعته بنفسك"، وهي مقولة تجسد مبدأ سيادة القانون، في الدولة القانونية، فالقانون يطال الحاكم كما يطال المحكوم، الكل سواء أمام القانون، وأول من يجب عليه احترام القانون، هو مجلس الأمة الذي أقره باعتباره القدوة للناس في الالتزام بأحكام القوانين التي أقرها، فالماء يسيل من عل، فلا يجوز للمجلس، عند نظر الاستجواب المقدم من النائبين أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري، والمحدد لمناقشته جلسة أول نوفمبر من العام الجاري، أو أي استجواب آخر يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء، التحلل من الالتزام بهذا التفسير لما ينطوي عليه ذلك من مخالفة قانون إنشاء المحكمة الدستورية، الذي ألزم السلطات كافة بالتفسيرات التي تصدرها المحكمة الدستورية لنصوص الدستور.

الإلزام مصدره القانون

والقانون الذي نعنيه في هذا المقام، هو القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية، والذي ينص في مادته الأولى على أن تنشأ محكمة دستورية تختص دون غيرها بتفسير النصوص الدستورية وبالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح، وفي الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم، ويكون حكم المحكمة الدستورية ملزماً للكافة ولسائر المحاكم.

كما تنص المادة الثالثة من القانون في عجزها على أن "تنشر الأحكام ومرفقاتها في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من صدورها".

ومؤدى هذين النصين ومفادهما أن تفسيرات المحكمة الدستورية لنصوص الدستور، هي تفسيرات ملزمة للكافة، بما في ذلك سلطات الدولة، وأولها مجلس الأمة الذي أقر هذا القانون، كما أنها ملزمة لسائر المحاكم، وهو إلزام تستمده قرارات التفسير من القانون ومن نصوص دستورية أخرى.

لا اجتهاد مع صراحة النص

ومؤدى ما ورد في عجز المادة من النص على أن "يكون حكم المحكمة الدستورية ملزماً للكافة ولسائر المحاكم"، ومفاده أن حكم المحكمة في المسائل كافة التي عقد النص اختصاص المحكمة بها، ومنها تفسير النصوص الدستورية، هو حكم قضائي ملزم، ولكنه ليس كسائر الأحكام القضائية يتمتع بحجية نسبية، تقتصر على أطراف الخصومة الصادر فيها، بل حجية مطلقة تتعدى أطراف الخصومة إلى إلزام المحاكم والكافة بها، شأنه في ذلك شأن الأحكام الصادرة من الدوائر الإدارية بالمحكمة الكلية بإلغاء القرارات الإدارية غير المشروعة، لأن الخصومة في كلا الحكمين هي خصومة ذات طبيعة عينية، تختصم في دعوى إلغاء القرار الإداري، القرار ذاته، وتختصم في طلب تفسير النص الدستوري، تفسيراً للنص غمَّ على إحدى السلطات، وأثار خلافا في الرأي ومن ثم فجّر المنازعة حول تطبيق النص الدستوري في مسألة من المسائل، وتختصم القانون ذاته عندما يحال إلى المحكمة دفع بعدم دستوريته أمام إحدى المحاكم.

انطباق الإلزام على تفسيرات المحكمة

وقد جاء النص الوارد في هذه المادة بأن يكون حكم المحكمة الدستورية ملزماً للكافة ولسائر المحاكم، بحكم عام ومطلق. ومن المقرر في قواعد التفسير، أن الحكم العام يسري على عمومه، وأن الحكم المطلق يجري على إطلاقه، ما لم يرد تخصيصه أو تقييده بنص خاص، يكون بالأداة ذاتها التي قررت الحكم العام، ولم يرد في قانون المحكمة الدستورية أو في غيره من القوانين ما يخصص مسألة دون غيرها من المسائل التي تختص بها المحكمة بهذا الإلزام، وأولها تفسير النصوص الدستورية الذي استهلت به المادة أحكامها.

ولا يستمد هذا التخصيص للحكم العام والتقييد للحكم المطلق بإلزام الكافة بما تصدره المحكمة من أحكام في المسائل التي عهد بها المشرع إلى المحكمة، أن تكون المحكمة قد أطلقت وصف القرار على ما تصدره في طلبات التفسير، فهو اجتهاد من المحكمة في تنظيم عملها، وليس نصاً في قانون، هو الأداة التشريعية الوحيدة التي تملك هذا التخصيص لحكم عام أو التقييد لحكم مطلق وردا في قانون، بالإلزام بأحكام المحكمة الدستورية، إعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يقوم عليه نظام الحكم في الكويت. وان على المحكمة أن تعيد النظر في هذا الوصف، ليتسق ما تصدره المحكمة في طلبات التفسير مع نص قانون إنشاء المحكمة. وللحديث غداً بقية إن كان في العمر بقية.

back to top