علماء تحت راية الإسلام:البغدادي... عالم التشريح والثائر على السجع

نشر في 07-08-2011 | 22:01
آخر تحديث 07-08-2011 | 22:01
ولد موفق الدين أبو محمد عبداللطيف بن يوسف بن محمد بن علي بن أبي سعد البغدادي في مدينة بغداد سنة 557هـ/1162م، لأسرة مشهورة بالنبوغ في العلم، فقد كان والده محدثاً وعالماً بالقراءات، وعمه فقياً كبيراً، لذلك نشأ عبداللطيف البغدادي في جو علمي فشب على طلب العلم ومرافقة العلماء، فحفظ القرآن ووعى الحديث النبوي رواية ودراية. بعدها انطلق البغدادي يتقن علوم الطب والفلسفة والرياضيات، وافتتن بفكرة تحويل المعادن إلى ذهب - وهي المعروفة بـ»السيمياء»- لفترة طويلة، قبل أن يتأكد من عبث الفكرة ويهجرها للأبد.

غادر عبداللطيف بغداد بعد أن أدرك أنه استوعب علومها، فبدأ في رحلاته فزار الموصل ودمشق ثم دخل القاهرة والتقى بعلمائها واستفاد منهم، وفي مصر جلس عبداللطيف في الجامع الأزهر للتدريس فكان يدرس علوم الدين في الظهر، ثم يدرس الطب بعد العصر، ثم يعود إلى تدريس علوم اللغة والدين آخر النهار.

ثم عاد إلى بلاد الشام حيث زار القدس وجلس في المسجد الأقصى لتدريس النحو ثم اتجه صوب حلب ومنها إلى بلاد الأناضول، ثم قرر العودة والاستقرار النهائي في دمشق بعد أن يحج وفي طريقه دخل بغداد بعد أن غاب عنها خمسا وأربعين سنة، في طريقه للحج فمرض مرض الموت وتوفي في سنة 629هـ/1231م.

تنوعت اهتمامات عبداللطيف البغدادي العلمية، فبالإضافة للطب واللغة، ألف في مجالات الفقه والنقد الأدبي والحيوان والنبات والتاريخ والرياضيات والمعادن والفلسفة والمنطق. كما كان لعبداللطيف البغدادي جوانب اهتمام بالآثار ودراساتها وهو أمر جعل البعض يعده من أوائل الأثريين في العالم، كما أن وصفه لبعض الآثار المصرية بدقة متناهية وهي آثار غير موجودة حاليا جعل علماء الآثار يهتمون بكتاباته على اعتبار أنها تقرير حالة لوضع الآثار المصرية في مطلع حكم الأيوبيين.

ومن أشهر كتب عبداللطيف البغدادي كتاب «الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر» هو كتاب يتضمن الملاحظات الشخصية للبغدادي للأحداث التي رآها في مصر خلال فترة إقامته، ومن خلال هذه الملاحظات تظهر هنا شخصية البغدادي كعالم ناقد مدرك لقوانين البرهان غير متمسك بأقوال السلف، معتمد على الملاحظة، لذلك كان موقفه الصارم من آراء جالينوس التي رفضها نتيجة لقيامه بأعمال التشريح التي أثبت من خلالها أن فك الإنسان مكون من عظمة واحدة في حين كان رأي جالينوس، وهو الرأي الذي ظل معتمدا حتى وقت قريب، أن الفك مكون من عظمتين، فقد رفض عبداللطيف هذا الرأي نتيجة فحص ألفي جمجمة في مصر، وهو بذلك يكون أحد أهم رجال علم التشريح والطب الإكلينيكي في الحضارة الإسلامية.

ثورة أخرى قادها البغدادي هذه المرة في مجال اللغة فقد رفض تماما فكرة السجع في الكتابة على طريقة عصره وفضل عليها طريقة المعاني السلسة مفضلا وضوح المعنى على زخرفة اللفظ فجاء أسلوبه غاية في البساطة والقرب من أسلوب الكتابة في عصرنا الحالي.

back to top