الاشتغال بالنص يا محمد

نشر في 24-07-2011
آخر تحديث 24-07-2011 | 00:01
 آدم يوسف في لقاء صحافي سابق أجريته مع الشاعر محمد هشام المغربي أبدى تشاؤمه من الوضع الراهن في الكويت تحديداً، وقال ما معناه إن الشعر هنا يلفظ أنفاسه، والتجربة في الكويت كانت منذ بداياتها امتداداً لدول «الضوء الثقافي»، ولم تكتسب نضجها الخاص، كان ذلك قبل ما يربو على ثلاثة أعوام، ولست متيقنا من أنه مازال على قناعته تلك، أم انتقلت إليه روح التفاؤل.

برز المغربي ضمن جيل شاب بدأ يتلمس طريقه منذ بداية الألفية الثانية، وتحديداً مع انطلاق منتدى المبدعين الجدد في رابطة الأدباء، ولكن هذا الجيل سرعان ما نما، وانطلق، كل كاتب إلى حال سبيله، فالمغربي يحيلنا إلى أسماء أخرى مجايلة له، مثل: سعد الجوير، وحمود الشايجي، ومنى كريم، وسامي القريني. لكل واحد منهم إيقاعه، وإبداعه، وروحه الخاصة، إلا أن اللافت انطلاق هذه الأسماء في وقت واحد تقريباً، مما يستدعي تناول منجزها الشعري عبر سياق زماني واحد.

كان مفاجئاً إعلان منتدى أصيلة الثقافي فوز المغربي بجائزة بلند الحيدري للشعراء الشباب، مناصفة مع الشاعر المغربي عبدالرحيم الخصار، ولم أتشكك لحظة في أحقية المغربي في هذه الجائزة، فالحقيقة أن هذا الشاعر تميز بتجربة مغايرة، ولافتة منذ ديوانه الثاني «أخبئ وجهك فيّ وأغفو»، وما تلاه من أعمال.

يشتغل المغربي على نصه بهدوء وروية، تماماً كتلك السحنة الهادئة التي تلمحها على محياه حين تلتقيه أو تجالسه، وهو قارئ نهم، وواسع الاطلاع، يمنح الأولوية بحسب قوله للأسرة والمنزل، ومن بعدهما يأتي كل شيء. عمل في التعليم ردحاً من الزمن، فلم ينسجم مع «تقليديته» وأعبائه، ومن ثم وجدناه ينتقل إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وهو أحد الشباب الذين ربما يُعوّل عليهم في مستقبل هذه المؤسسة، المكدسة بالموظفين الإداريين.

وأما لجنة تحكيم الجائزة فقد ارتأت منح الجائزة لحيثيات عدة، من بينها أن أعمال هذين الشاعرين تتميز بحساسية شعرية لافتة واشتغال جيد على اللغة والصورة الشعرية وعلى رؤية جمالية تحتفي بالتجربة وبمغامرة الكتابة، وهما شاعران متحكمان في تقنيات الكتابة وتجلياتها الفنية واللغوية.

اللافت في أمر هذه الدورة من الجائزة فوز شاعرين يبدوان من مدارَين شعريين مختلفين تماماً، فمن يرصد ويقرأ تجربة الشاعر عبدالرحيم الخصار يجد أنه يحتفي بالنثر ويرسل نصوصه «مسرودة» مع تنويع واتساع في أفق الحدث وتشعب وتداخل الرؤية، لذا فإن قصائده تتميز بنفس شعري طويل منذ بدايات ديوانه «أخيراً وصل الشتاء».

أما الشاعر محمد المغربي فإنه يميل إلى الإيقاع التفعيلي، والاحتفاء باللغة في تجلياتها وجمالياتها المتعددة، وبرأيي كان قراراً صعباً ذلك الذي اتخذته لجنة تحكيم الجائزة، ولكنه جريء وصائب في ما يتعلق بمنح الجائزة لشاعر يشتغل على النثر بأبهى صوره كالخصار مثلاً، ذلك إذا ما علمنا أن قصيدة النثر تعاني إجحافا لما يتعلق بناحية الاحتفاء بها من المؤسسات المانحة للجوائز هنا وهناك.

 بالعودة إلى المغربي أرى أنه الآن بات أمام مسؤوليات جسيمة لما يتعلق بمستقبله الشعري، بعد أن حصد جائزة الدولة التشجيعية في الشعر عام 2008، وكانت قد حُجبت قبل ذلك مدة تربو على 19 عاما، ومن ثم تمثيل الكويت في منتدى أصيلة وحصده الجائزة هناك، المسؤولية تنبع لناحية الاهتمام بنصه الشعري ومن ثم اتساع أفقه، ومنح نصه المدى اللازم للبروز والارتكاز في الأعوام المقبلة، إنه التعب والاشتغال الدائم للنهوض بالنص يا محمد.

back to top