يرويها أحمد فؤاد نجم: السندريلا كانت صديقة عزيزة وهجوت العندليب في الفوازير
يصل الشاعر أحمد فؤاد نجم في الحلقة التاسعة من حكاياته إلى قصص علاقاته بكبار أهل الفن، من أم كلثوم الى عبد الحليم حافظ وسعاد حسني، ويحكي عن القصائد أو الأغنيات التي «كسرت الدنيا» مثل «دولا مين» التي كانت أنشودة الوطن العربي بعد الانتصار في حرب أكتوبر 1973 التي كانت في شهر رمضان أيضاً، ويروي الشاعر عن قلب السندريلا النابض ولحظة انتهاء أم كلثوم وغرور عبدالحليم حافظ.في فترة الثمانينيات، كانت أشعاري وأغنيات الشيخ إمام تجوب العالم. أقمنا الحفلات في فرنسا وبريطانيا ولبنان وتونس وليبيا والجزائر، ولاقت كلّها نجاحات عظيمة. في منتصف التسعينيات، كان الشيخ إمام قد تجاوز السبعين من عمره وقد تُوفي في هدوء في يونيو 1995 في بيته بحي الغورية. كان نموذجاً مُبهراً مثل نماذج عدة من المكفوفين، الذين أدوا أدواراً هامة جداً في تاريخ الفكر الإنساني، وأبرزهم، طبعاً، الدكتور طه حسين.
علاقات صداقة واسعة ربطتني بغالبية المطربين والمطربات، إلا أنني كنت مُقلاً في الكتابة لهم، وعلى رغم عملي في التلفزيون والإذاعة خلال الستينيات كنت مقلاً كعادة شعراء الإذاعة كلّهم. لكن ثمة أغنيات قليلة، مثلاً ليلى نظمي أخذت «عشق الصبايا» و{ساعة العصاري يا نسايم»، وفايدة كامل «حي على الكفاح»، ومحمد رشدي «دَلِّي الشيكارة جنب الشيكارة»، وبالصدفة حضرت التسجيل ووجدته يُغني بطريقة مُستفزَّة جملة «العيشة مُرة آخر مرار» مبتسماً ابتسامة واسعة وسعيدة، فقلت: «والله ما يغنيها محمد رشدي، ده الشيخ إمام تسمعها منه يقطَّع قلبك وهو بيقولها».درويش الحريريأعتقد ألا أحد يستطيع أن يُغني غناء إمام العبقري المعجز، لأن الشيخ إمام خريج مدرسة قراء القرآن وتلميذ الشيخ درويش الحريري والشيخ زكريا أحمد، وهؤلاء من أساطين الطرب والموسيقى.الشيخ درويش الحريري هو الذي علَّم عبد الوهاب والست فتحية أحمد «مطربة القطرين» وعلَّم سيد درويش، حين جاء إلى القاهرة. الشيخ درويش الحريري شخصية قَلَّ أن توجد في أمة أخرى غير الأمة العربية، كان لديه «رَبع في باب الوزير» ـ بيت كبير مكوَّن من عنابر عدة ـ وكان يلتقط المواهب من الشارع خصوصاً من المكفوفين، ليعلِّمهم ويطعمهم ويكسيهم ويعطيهم «مصروفاً» أيضاً. حكى لي الشيخ إمام أن عمّ الشيخ درويش مرّ ـ ذات يوم ـ فوجد المكفوفين يلعبون بشقاوة، فوقف على الباب وقال: «يا أولاد يا عبطة الحقوا خذوا اللي جواي قبل ما أروح به القبر خسارة».أنظر إلى هذا الحد كان هذا الرجل مثل شجرة، ولم يكتب عنه أحد كلمة واحدة، «ولا عملوا مسلسلاً ولا عملوا سهرة تلفزيونية، ولا عملوا فيلماً عن حياته، همّ بقى مش فاضيين له لأنهم ما يعرفهوش، الشيخ درويش حقيقي ما حدش يعرفه لو سألت حتى المقرئين المصريين المعاصرين دول أو الفنانين المزيكاتية دول هو كان بيدرِّس مزيكا و قرآن وبيدرس رياضة وكان كل ده ببلاش... مجاناً».أم كلثومأما أم كلثوم فأنا أحد عشاقها. لا يُمكن أن أجرحها، لأنها لم تجرحنا. بالعكس هي مصدر سعادتنا جميعاً كمصريين وعرب في زمن عزَّت فيه السعادة. كنت أتمنى أن تعاتبني وتسألني عن قصيدتي «كلب الست» أثناء لقائنا بعد دخولنا أنا والشيخ إمام الإذاعة، لكنها تجاهلت هذه القصيدة وطلبت مني أن أكتب لها عشرة نصوص، فقلت لها: «حضرتك تسمعي الشيخ إمام واللي يعجبك من الأغاني من غير استئذان تاخديها وتغنيها وأكون أسعد إنسان». الحقيقة أنها لم تكن معجبةً بالشيخ إمام، قالت: «ده الأعمى»، فقلت: «وماله عمي الشيخ علي محمود كان أعمى»، قالت: «بس إمام ده فقي»، قلت: «عمي الشيخ زكريا كان فقي»... قالت: «هوَّه فيه إيه!! المقابلة انتهت». والحقيقة أن مَن انتهى من المقابلة ليس أنا بل هي، انتهت حين تحوَّلت إلى سلطة، الأمر الذي أفقدها كثيراً من تكوينها كفنانة وإنسانة بسيطة تحترم الناس وتقدِّرهم، والذي لا شك فيه أن قصيدة «كلب الست» كانت في خلفية الأزمة طبعاً.«في قولنا وقال وشرح يطولمحيَّرني ومتحير وكل دقيقةتتغير عشان دا قال وده بيقول».طبعاً لم تغنِّها وبعدها حدثت مشكلة «كلب الست»، أول قصيدة تشتهر أخذها جليل البنداري لأم كلثوم وهي طبعاً رقم 2 بعد عبد الناصر، غضبت وقالت «هاشرِّده».لم تلحظ أم كلثوم أنني تربيت في مجتمع آخر، وفي هذه الفترة التي اعتبرتها فترة الإعداد والاحتشاد، وقعت يدي على مجموعة من كتب السيرة الشعبية ومنها سيرة عنتر بن شداد، هذا الشاعر المُعجز الفذ:«ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ منيوبيض الهند تقطر من دمي،هلا سألتِ الخيلَ يا ابنـة مالـكٍإن كنت جاهلةً بما لـم تعلمـييخبرك من شهد الوقيعـةَ أننـيأغشى الوغى وأعفٌّ عند المَغنم».في بدايتي كشاعر وُلد مع هزيمة سنة 1967، كنا في حوش قدم ننتظر مثل كل المصريين دخول تل أبيب، لدرجة أن صاحبي الشيخ حسين مقرئ «جامع الفكهاني» قال: الصبح بالكتير الجيش الإسرائيلي يكون عندنا واخد بالك يا أبو النجوم من النسوان الإسرائيلي أحسن عندهم مرض»، وإذ بنا تفاجئنا هزيمة مروعة غيَّرت وجه مصر وحوش قدم مش مجرد غرفة في منزل قديم في الغورية دي مؤسسة وخلية سياسية مستودع أفكار وينطبق عليها ما يقول جمال حمدان «عبقرية المكان» .الفوازيرعشتُ في المكان الذي عاش فيه الشيخ زكريا أحمد وبيرم التونسي وعبد الحميد الديب وفتحية أحمد والشيخ علي محمود، وكوكبة من فناني مصر وأدبائها، حياة فنية زاخرة على مدار 24 ساعة وأنا أفتقد المكان الآن بشدة ومرة خدني الحنين ورحت أزور المكان اتغمِّيت.أما عبد الحليم حافظ فبدأت علاقتي به في الملجأ، وظلّت لمدة عشر سنين وكان ولد «غلبان» وأنا كنت شيطان وكنت بغني معاه، وقائد الفرقة في الملجأ محمد أفندي حنفي يخليني أنا أغني «ما دام تحب بتنكر ليه» وحليم يغني «حياتي أنت» لعبد الوهاب، لكن عبد الحليم صوته أحلى من صوتي وصوته شبه بصوت فيروز الساحرة، لما خرجت من الملجأ بعدها بشهر ونصف مش أكثر أخذت عنوانه في 5 سور الباشا في المنيل، أول ما فتح الباب صامتاً قال إيه بيحاول يفتكرني لأنه نسي اسمي عملت للخلف در ومشيت، وبعد سنوات طويلة قال كمال الطويل: ليه أنت مش عايز تقابل عبد الحليم؟ قلت موافق. قال: خلاص يالا بينا نروح وفعلاً رحت معاه قعدنا في الصالون وتركنا فترة طويلة، قلت ماشي وخرج علينا آخر شياكة ولابس روب ومتلمع وبعدما سلم علينا وقعد فتح درج كمودينو وطلّع أكوام فلوس وقعد يعد فيها وأنا متجاهله تماماً وبعدها قال لي «كلب الست» مكسرة الدنيا لكن أنا قلت أنا ماحبتش القصيدة دي وكمان فيها لبس لأنني لم أقصد أجرح أم كلثوم لأنها مجرحتناش أنا كنت قاصد اللي عمل المحضر للواد ضحية كلب الست وحوله للنيابة.بعدها نزلنا أنا وهو وكمال الطويل في سيارة كمال ووصلوني للهيلتون وقال حليم أنا مسافر الكويت ولما أرجع أتصل بيك، قلت إن شاء الله، وطبعاً لم يتصل.وهجوته في قصيدة «الفوازير»:«لما ليمو الشخلوعة الدلوعة الكتـــكوتالليلة هيتنهد ويغني ويمــوتيشيلوه قال على لندن علشان جده هناكمن بعد ما يتلايم على دخل الشــــــــباكو يهرب أموالك و يقول لك أهـــــــــواكيا شعب يا متلوع منتاش لاقي الـــقوت».أما عبد الوهاب فقد قال لي: «أنت تملك أنظف ودن في مصر»، ثم عزمني على الغدا أنا وزهدي العدوي ولأنه كان صاحب عمي الشيخ زكريا وكان عبد الوهاب كريماً معانا جداً وقلت له أنا سمعتك يا أستاذ، في صوت العرب سنة 1968 وسألوك إيه رأيك في الشيخ إمام وأنا حافظ إجابتك بالضبط قلت «أنا ماليش دعوة بالكلام وده خطأ وأنا معرفش حضرتك قلت ده عن جهل ولا من جبن، قلت عن جبن طبعاً» فضحك.هدية سعاد حسنيأما السندريلا سعاد حسني فقد كانت صديقة عزيزة، علاقتي بها بدأت عندما غنت أغنية «دولا مين}، في العام 1973، هي والملحن كمال الطويل طلبوا الإذن مني بأخذ الأغنية، وعلي بدرخان زوجها هو ابني العزيز أعتز به، وسعاد حسني هي حتة الألماسة في الوطن المصري والعربي، فنانة باهرة، ناجحة، وعملت على توطيد العلاقة بها، وكنت أشوفها كل يوم، إنسانة فقيرة تحب كل الناس، شهمة تقف إلى جانب الصديق في المشاكل، وده حصل أمامي، كان نفسي أعمل لها مسرح، لكن كانت تخاف من الجمهور والفنان الراحل أحمد زكي قال عنها «كل الناس تعرف سعاد حسني إلا هيّ» سعاد هدية للعرب من ربنا مثل أم كلثوم وفيروز، و لو قلت الكلام كله لا يوفي حقها ولا يوصف مشاعري وحبي لها وأنا كتبت لها أغنية «دولا مين» بعد حرب أكتوير 1973.كنت نشرت القصيدة في مجلة «روز اليوسف» وفي يوم فوجئت بسعاد حسني وعلي بدرخان وكمال الطويل يدخلون بيتي وكنت متجوز من الكاتبة صافيناز كاظم، التي كانت تحب سعاد حسني جداً، كمال الطويل قال {إحنا شفنا القصيدة في «روز اليوسف» وجايين نستأذن سعاد تغنيها وعايزينك تتنازل» قلت: «تنازل إيه يا عمي الحاج خذوها ولحنوها وغنوها».كنت قريباً من سعاد جداً، خصوصاً في تلك الفترة، وكنت أرى أن الزمن المقبل لن يجعل منها سندريلا المستقبل، اقترحت عليها العمل في المسرح، فقالت لي «ما أقدرش أواجه الجمهور كل ليلة أنت عارف المسألة دي صعبة عليَّ». ذهبنا أنا وهي إلى المركز السوفياتي، وكان عدلي فخري وسمير عبد الباقي يقدمان عرضاً اسمه «حب مصر»، وأول ما دخلنا المركز الثقافي السوفياتي القاعة تكسرت من التصفيق، وقعدوا يقولوا «دولا مين دولا مين».أخذتُ سعاد من يدها وطلعت على المسرح وقالت لهم قصيدة «عبد الودود» باللهجة الصعيدية، لكنها أصابت الناس بالجنون، ولم يصدّقوا أنها سعاد حسني أبداً.«عبد الودود»«واه يا عبد الودوديا رابض ع الحدودومحافظ ع النظام،كيفك يا واد صحيحعسى الله تكون مليحوراجب للأمام،ع اجولك وانت خابركل الجضيه عادولسه دم خيكما شرباش الترابحسك عينكتزحزح يدك عن الزنادخليك يا عبده راصدلساعة الحسابآن الأوان يا ولديما عاد إلا المعادأمك ع تدعي ليكوع تسلم عليكوتجول بعد السلامخليك ددع لأبوكليجولوا منين دا بوكويمصخوا الكلامواه عبد الودودتنفض الشركه واصلوينزحوا الكلابإن كنت ود أبوكتديب ليتار أخوكوالأهل يبلغوكدميعا السلامواه يا عبد الودودكيفك وكيف زمايلكعسى الله طيبينخالك زناتيداي لكضمن المتطوعينواختك تطلع يوماتيع المستشفى الجديمهحاكم ع يمرنوهافي العركه تكون حكيمهومحمدين موافييتعلم المطافيويجولك شد عزمكويجولك العوافيومن هنا الجرايبوالعيله والعيالع يبلغوك سلامهمولتمة الرجالوآخر الكلامنجول لك في الختامالله يصون بلدناويحرس السلاموالدك حسن محاربغفير برج الحمام«دولا مين»دولا مين ودولا ميندولا عساكر مصرييندولا مين ودولا ميندولا ولاد الفلاحيندولا الورد الحر البلدييصحي يفتح اصحي يا بلديدولا خلاصة مصر يا ولديدولا عيون المصرييندولا مين ودولا ميندولا القوه ودولا العزدول راضعين من أطهر بزهز يا هلال هلالك هزواحنا وراك ملايين جاييندولا مين ودولا ميندولا اخواتنا ودولا بنينادولا الأمل اللي مخلينادولا المجد اللي مخلينا فوق الجرح نعود سالميندولا مين ودولا ميندولا يا سينا ولاد الشهدادولا التار لا ينام ولا يهداخلي ترابك يسكن يهداويضم الشهدا الجاييندولا مين ودولا مين«التحالف»يعيش أهل بلديوبينهم ما فيشتعارفيخلي التحالف يعيشتعيش كل طايفهمن التانية خايفهوتنزل ستاير بداير وشيشلكن في الموالديا شعبي يا خالدبنتلم صحبهونهتف... يعيشيعيش أهل بلدي***يعيش المثقف على مقهى ريشيعيش يعيش يعيشمحفلط مزفلط كتير الكلامعديم الممارسهعدو الزحامبكام كلمه فاضيهوكام اصطلاحيفبرك حلول المشاكل قواميعيش المثقفيعيش يعيش يعيشيعيش أهل بلدي***يعيش التنابلهفي حي الزمالكوحي الزمالكمسالك مسالكتحاول تفكر تهوب هنالكتودر حياتكبلاش المهالكلذلكإذا عزت توصف حياتهمتقول الحياه عندنامش كذلكوممكن تشوفهم فى وسط المدينهإذا مر جنبكأوتومبيل سفينهقفاهم عجينهكروشهم سمينهجلودهم بتضوىدماغهم تخينهساننهم مبارد تفوت في الجليدمافيش سخن باردبياكلو الحديدما دام نهر واردوجاي م الصعيدتزيد المواردكروشهم تزيدوتسمع وتسلمبأن التنابلهأو الأكالينحيسمع كبيرهمويعمل مقابلهمع الفلاحينويحصل تحالفما بين الجميعونملا المصارفبدم القطيعأطيع الخليفهأطيع والديكأطيه التنابلهدا مفروض عليكوتزرع وتبعت لحي الزمالكوحي الزمالكمسالك مسالكتحاول تفكر تهوب هنالكتودر حياتكبلاش المهالكلذلكإذا حد جاب لك سيرتهمتبسمل تكبروتهتف كذلكيعيش التنابلهيعيش يعيش يعيشيعيش أهل بلدييعيش الغلابهفى طي النجوعنهارهم سحابهوليلهم دموعسواعد هزيلهلكن فيها حيلهتبدّر تخضّر جفاف الربوعمكن شغل كايروما يتعبش دايرهلا ياكلولا حتى يقدر يجوعيا غلبان بلدنايا فلاح يا صانعيا شحم السواقييا فحم المصانعيا منتجيا مبهجيا آخر حلاوهيا هادييا راضييا عاقليا قانعما تتعبش عقلكفى شغل السياسهوشوف أنت شغلكبهمه وحماسهوعود عيالك فضيلة الرضالإن احنا طبعاًعبيد القضاورزقك ورزقي ورزق الكلابدا موضوع مؤجل ليوم الحسابكمان الصحافةحتكتب في حالتكوتنشر مناظر لخالك وخالتكوتطلع يا مسعد عليك الغناويوتسمع بإسمكفى قلب القهاويتحبك مشيره وبنات الجزيرهوقصة غرامكتشيع في الرداوييعيش عم مسعديعيش يعيش يعيشيعيش أهل بلديالقاهرة 1967