السينما المصرية... تأملات آخر العام

نشر في 26-12-2011
آخر تحديث 26-12-2011 | 00:01
 محمد بدر الدين هل 2011 في السينما المصرية، الذي يوشك على الانقضاء، عام فقير مجدب أم ثري معطاء؟!

الحق أنه عام الثورة في مصر، والثورات لا تعطي ثمارها سريعاً، خصوصاً في مجالات الثقافة والفنون والإبداع، لكن الثورة هي الحدث الأكبر الذي قد يعطي، وإن تدريجاً، مناخاً صحياً، تزدهر فيه هذه المجالات وتتقدم، بل ويتفجر فيها أيضاً ما يشبه الثورات.

السينما المصرية توعد بالكثير من هذا، خصوصاً أن الفن مثل الوطن في مصر، كل منهما كان حافلاً بإمكانات التغيير، وقد كانت هناك بشائر وإشارات، تومئ إلى أن السينما المصرية تعتمل الآن بشيء جديد.

لعل في مقدمة ذلك الجديد، اجتهادات السينما التي تنامت في السنوات الأخيرة، خصوصاً تحت عنوان عريض هو «السينما المستقلة»، وهي نوعية سينما أكثر ما يميزها في تقديرنا ليس حداثة التقنيات، بل ما تؤدي إليه هذه التقنيات الحديثة من عدم الخضوع للسوق السينمائي بشروطه، ولضرورات الإنتاج كبير التكلفة، ولشركات الإنتاج الضخمة بقيودها، في كلمة واحدة: «الحرية»، وما الحرية إلا أولى الأهداف التي قامت لأجلها ثورة 25 يناير الشعبية.

حينما قامت هذه الثورة، كان يبدأ مع أيامها الأولى، بالمصادفة، عرض أحد أفلام السينما المستقلة الناجحة وهو «ميكروفون» إخراج أحمد عبد الله السيد وبطولة خالد أبو النجا الذي شارك في الإنتاج ويسرا اللوزي وغيرهما، معبراً عن روح جديدة، وليس فحسب تقنية جديدة، بل معبراً أيضاً في موضوعه عن القضية نفسها: «الحرية»!

بطل الفيلم هو الجيل الجديد، بغنائه وأشعاره الجديدة، من خلال فرق غنائية حديثة في الإسكندرية، تريد أن تملك حريتها بالكامل، لكن النظام السلطوي البوليسي القائم يعاند ويقمع، ويحد من الحريات بقسوة وغباء. هو النظام الذي سقط في الواقع، على الأقل رأسه وجزء كبير من عاموده الفقري  حتى الآن، إذ لا يمكن أن يحمي أي نظام سلطوي بوليسي معاندته وقمعه، ومهما بلغ أو أوغل في القسوة والغباء!

في منتصف العام (ضمن سينما فترة الصيف) عرض فيلم آخر بالغ الأهمية، من «السينما المستقلة»، هو «حاوي» للمخرج إبراهيم البطوط، والفيلم لم يأت ببساطة فيلم مخرجه السابق «عين شمس»، ولا في الوضوح الذي يقترب من المباشرة في فيلم «ميكروفون»، لأن «حاوي» بحكم طبيعة قضيته الفلسفية ومضمونه والزوايا التي ينظر منها، جاءت بنيته كقصيد شعري موح مكثف، يتطلب ويحسن أن يعاد تلقيه أكثر من مرة، حتى يشع ويمتع أكثر. للفيلم أبعاده الفلسفية والسياسية والاجتماعية في آن، يلقي أضواءه على أزمة الإنسان المصري الراهنة، من خلال أسلوبية خاصة تستند إلى طزاجة الأحاسيس ونضارة الصورة والجرأة في السرد السينمائي وتقطيع المونتاج، وأيضاً في مدى تلقائية الأداء التمثيلي، بل إن الفيلم يعتمد على غير المحترفين في التمثيل بينهم المخرج نفسه، إنها الروح الجديدة تعلن مولدها في السينما المصرية، متواكبة مع الروح الجديدة في الوطن ككل التي أعلنت ثورتها.

من طريق آخر يأتي فيلم خالد يوسف «كف القمر»، ليكمل مشروعه السينمائي الفكري السياسي مع الكاتب ناصر عبد الرحمن، لنصبح أمام ثلاثية جمعت بينهما (حين ميسرة ـ دكان شحاتة ـ كف القمر)، ويمكن اعتبارها رباعية إذا أضفنا كعمل سبق الثلاثية فيلم «هي فوضى»، الذي وضع فيه اسم خالد يوسف إلى جانب اسم أستاذه الرائد الراحل يوسف شاهين، ومن تأليف الكاتب نفسه. إنه المشروع السينمائي الذي يكاد يتصدر مشهد السينما المصرية المعاصر من حيث تجسيد رؤية فكرية سياسية «معارضة»، بالمعنى الدقيق لتعبير المعارضة، ومن خلال شكل الواقعية النقدية، بالمعنى الدقيق أيضاً لها، والحق أن ذلك المشروع السينمائي بموقفه السياسي المعارض، للواقع السياسي والاجتماعي في عصر ديكتاتورية مبارك، هو إلى جانب تجارب أخرى (لداود عبد السيد ومحمد أمين وغيرهما) أعمال تشرف السينما المصرية، وتؤكد أن السينما لم تكن غائبة قبل الثورة في معارضة وتعرية انحرافات الواقع في زمن مبارك، وإدانة المسؤولين عنها كلهم... إنها أيضاً أعمال توثق وتؤرخ حتى وهي لا تقصد سوى أن تعبر وتبدع، ويمكن الرجوع إليها في فهم وتفسير ذلك الزمن بترديه على مختلف الأصعدة.

أهم بل أحسن أفلام 2011 في السينما المصرية إلى جانب «كف القمر» للمخرج خالد يوسف، ثلاثة أفلام هي الأفلام الأولى أو الثانية لمخرجيها («حاوي» الفيلم الثاني لإبراهيم البطوط، «المسافر» الفيلم الأول لأحمد ماهر، «ميكروفون» الفيلم الثاني لأحمد عبد الله السيد).

إنه تأكيد على غنى مصر وفنها وسينماها، بالمواهب وروح الحداثة، وتأكيد على أن سينما جديدة مقبلة... وليس مجرد سينما شباب! والفارق كبير بين الأمرين، وكم عانينا من «سينما شباب» لا تختلف عن السينما العجوز البالية في شيء!

back to top