وجهة نظر: إكس لارج ... حلمي على عرش الكوميديا

نشر في 02-12-2011
آخر تحديث 02-12-2011 | 00:01
 محمد بدر الدين «إكس لارج» لفنان الكوميديا أحمد حلمي، إخراج شريف عرفة وتأليف أيمن بهجت قمر، ليس مجرد فيلم عن شخص بدين يقبل بالبدانة المفرطة أحياناً، أو يضيق ذرعاً بها أحياناً، فتتراوح المواقف بين هذه الحالة وتلك، وتتوزع بين الابتسام والآلام.

ليس الفيلم مجرد تعبير عن حالة البدانة، ولا عن «حدوتة» ما قد يحدث لذلك الشاب البدين رسام الكاريكاتور الموهوب «مجدي» (أحمد حلمي) حينما يقع في حب الفتاة الرقيقة «دينا» (دنيا سمير غانم)، وكيف لا يستطيع أن يواجه حبيبته ويصارحها بحبه بسبب شدة البدانة... الفيلم هو هذه المواقف، لكنه أكثر من ذلك!

انطلق أصحاب الفيلم من تلك «الحدوتة» لينسجوا فناً جميلاً، فيصبح تلخيص الفيلم أو حتى رواية أحداثه أمراً لا يعني شيئاً! ولا يقدم من جوهر الفيلم حقيقة. فجوهره، هو روح الفيلم ونسيجه الخاص، وموسيقاه الداخلية وليس مجرد الموسيقى التصويرية المتألقة المصاحبة للمشاهد، ولا حتى الماكياج المدهش باتقان غير مسبوق في السينما المصرية، ما أحال حلمي الأقرب إلى النحافة إلى أكثر حالات البدانة.

جوهر الفيلم هو تضافر عناصره الفنية كافة بلا استثناء، وتناغمها لأجل الوصول في النهاية إلى نموذج ناضج راق للكوميديا، نادراً ما يتحقق مستواه في السينما المصرية المعاصرة، على كثرة بل غزارة ما يقدم فيها باسم الكوميديا، تجاهلاً، أو جهلاً، فالكوميديا كنوع من الدراما فن بالغ الصعوبة والرهافة والدقة، وما يقدم غالباً للإضحاك (أو التضحيك) هو أبعد ما يكون عن الكوميديا الحقة.

بدأ نضج الكوميديا في «إكس لارج» من سيناريو وحوار الموهوب المقتدر أيمن بهجت قمر، فكل موقف في موضعه الصحيح، وكل مشهد في تتابعه المناسب، وكل عبارة في الحوار اختيرت من خلال موهبة مميزة وإحساس صادق للكاتب إلى جانب دراية وثقافة واضحين. هكذا يثبت قمر إلى جانب مكانته التي ترسخت كأحد أحسن مؤلفي الأغنية المعاصرين، أنه أيضاً أحد كتاب السيناريو والحوار الذين يمكن أن تعتمد السينما المصرية على مواهبهم للنهوض والانطلاق في مرحلتها المقبلة بعد تعثر طويل، وما يجعلنا نقول إنه «يثبت» ذلك، عمله المؤثر الجميل الذي قدمه سابقاً مع حلمي أيضاً فيلم «نأسف على الإزعاج».

أما المخرج اللامع شريف عرفة، فقدم في «إكس لارج» أحد أفضل أفلامه، ولعله بداية محطة فنية جديدة في مشواره بعد محطته الأولى المدهشة المتجاوزة للواقعية مع الكاتب الكبير ماهر عواد (في سلسلة أفلامهما: الأقزام قادمون، الدرجة الثالثة، يا مهلبية يا، سمع هس)، وبعد محطته الثانية الجادة المهمة مع الكاتب المخضرم وحيد حامد ونجم الكوميديا البارز عادل إمام (سلسلة أفلامهما الخمسة التي كان أنضجها: الإرهاب والكباب، طيور الظلام، اللعب مع الكبار).

قدم عرفة بعد تلك الأفلام أعمالاً تفاوتت في المستوى والقيمة، ونحسب أن «إكس لارج» هو أكثرها إتقاناً، وقد تفاعل إبداعه مع إبداع التصوير (أيمن أبو المكارم) والمونتاج (داليا الناصر) والديكور (فوزي العوامري) والموسيقى (هشام نزيه).

مجدداً يُحسب لحلمي أنه ليس أحد نجوم الكوميديا الذين يستأثرون بمساحة الشاشة ويحيلون كل من يمثل معهم إلى مجرد «سنيد». في فيلمه السابق «بلبل حيران»، قدم حلمي ثلاث بطلات معه (زينة، شرين، إيمي سمير غانم) في أدوار رئيسة بحق، وحتى في أفلامه الخفيفة الأولى لم ينس تأثير أدوار البطلات ومساحتها (نور، ياسمين عبد العزيز، غادة عادل... وغيرهن).

أما في «إكس لارج» فنحن أمام دور للبطلة كتبه المؤلف بعناية وأداره المخرج برهافة، وأدته دنيا سمير غانم بإحساس جميل انعكس على شكلها فبدت في أجمل حالاتها، بل إن الفيلم أتاح للممثل القديم إبراهيم نصر تقديم دور جدير أن يذكر له، وهو الممثل الذي حبس نفسه أو حبسته الانطباعات في حلقات «الكاميرا الخفية» وأداء كاريكاتوري صاخب لنوع شخصية «زكية زكريا». لكنه أثبت في «إكس لارج» اقتداره في أداء شخصية إنسانية غنية، خال البطل «مجدي» الذي سبقه في البدانة ولم يعد يملك إلا توجيه نصائحه له، فلم يعد له في دنياه غيره، خصوصاً بعد تعاقب رحيل الرفاق من جيله، الذين ظلَّ يكتب فيهم قصائد الرثاء واحداً بعد الآخر، ولم يبق سوى أن يترك أخيراً مرثية في نفسه، أوصى بأن يقرأها عند وفاته ابن أخته الذي ما إن وصل إلى خاتمتها في لقاء تأبين أقامه الزملاء حتى تأثروا وبكوا، ودمعت معهم عيون المشاهدين.

التأثر كان للموقف المشحون من جهة، ولطريقة إلقاء أحمد حلمي من جهة أخرى، فقد راح هذا النجم يعزف معزوفته الراقية في فن التمثيل، مؤكداً موهبته في مختلف المشاهد، من خلف القناع السميك والجسم الضخم، فرأينا بوضوح أدق التعبيرات وأرهف الإيماءات، وأكثر الخلجات تأثيراً في أعماق الشخصية التي يؤديها وقلبها.

بأدائه في «إكس لارج» يُتوَّج حلمي على عرش الكوميديا في السينما اليوم.

back to top