حكاية جدتي عائشة

نشر في 26-11-2011
آخر تحديث 26-11-2011 | 00:01
No Image Caption
 مزيد بن ثاري قصّت لي جدتي عائشة قصة "صلاح والحجر"، ولصلاح هذا من اسمه نصيب، فدائما ما يبحث عن صلاح الأحوال وليس الحال, فسألتها: يا جدتي ما الفرق بين صلاح الحال والأحوال؟

جدتي: ستقاطعني من بدايتها يا ولد؟

صلاح الحال هو وضعنا كعرب دائما نتطلع إلى صلاح حالنا فقط، لنكتفي بملء بطوننا بالفاكهة واللحوم ونواظب على عد نقودنا, فنكتفي بالرضا عن حالنا فقط، وأما صلاح الأحوال فهو صلاح الديار والبلاد، وتعلم يا بني بأن الوطن لا يمتلك كرشا ككروشنا نحن والتي أصبحت أكبر همنا، ولا يملك محفظة نقود والتي أصبحت أهم لدينا من أنفسنا!

ربما أنك فهمت صلاح الآن... سأكمل القصة:

في يوم اشتدت الحال بصلاح إلى أن أجبرته أن يشتكي إلى صخرة حين لم يفهمه بشر، فقال مخاطبا إياها:

"بلادي وإن جارت عليّ عزيزة *** وأهلي وإن ضنوا بي كرام".

ما رأيك بهذا الشعر أيتها الصخرة؟

الصخرة: الجور صفة بشرية، فالوطن لا يجور على أبنائه مهما جاروا عليه.

صلاح: قد حفظنا هذا البيت عن ظهر غيب, حتى أصبح لنا دستور، فحال البلاد ساءت واشتد بها المرض وليس لها دواء.

الصخرة: "لكل داء دواء ولكل علة شفاء", إن وجدت في بلادك جورا أو ظلما أو بلاء فاذهب إلى القضاة، واحكِ لهم عن ذلك البلاء.

أخذ صلاح بنصيحة تلك الصخرة، وقرر فعلا أن يشكو ما يحصل في البلاد من جور وظلم ونفاق، فتوجه إلى محكمة القرية التي يعيش فيها، وعند دخوله وجد لافتة قد رسم عليها صورة لميزان، وقد مال الميزان شيئا بسيطا لليسار، وكتب في الأسفل عبارة "محكمة العدل نقاضي بالصغيرة قبل الكبيرة". صاح صلاح هذا ما أردته العدل والنظر بالأمور، ولو كانت صغيرة في أعينهم فهي كبيرة لدى ذوي الشأن فحال البلاد هي حالنا نحن. دخل صلاح إلى المحكمة ومازالت تلك العبارة التي قرأها تزاحم أفكاره، وأخذ يتغنى بها حتى اصطدم بكرسي اعترض طريقه, فقد وضع هذا الكرسي وسط الطريق، فسقط صلاح وأصيبت ساقه بكسر، وأيضا سقط الكرسي الخشبي وكسرت رجله, وإذا بصوت الحرس يتعالى: أمسكوا هذا المجرم المعتدي أمسكوه!

اجتمع الحراس على صلاح، وسحب كالشاة يقاد إلى قاعة المحكمة ليرمي به أحد الحراس أمام القاضي: يا سيدي القاضي لقد اعتدى هذا الشاب على كرسي المحكمة فكسر رجله، وحاول الفرار لولا أن كسرت ساقه وتمكنا من الإمساك به.

القاضي: تبّاً، ألا تمتلك ذرة من الوطنية؟ هكذا تجازي وطنك؟ حكم عليك بالقصاص لتعديك على كرسي البلاد ولمحاولتك إسقاط النظام و إثارة الفساد في البلاد.

صلاح: جئت شاكيا وأصبحت باكيا, لدي ما يثبت تورط البعض في الفساد، استمع مني للحظات.

القاضي: نقاضي الصغيرة قبل الكبيرة، يمكنك تقديم شكواك بعد تنفيذ حكم القصاص... رفعت الجلسة!

back to top