مملكة الضحك (10): ماري وفوزي... طلاق فنّي وعاطفي بعد 13 عاماً من النجاح والسعادة

نشر في 25-08-2011 | 22:02
آخر تحديث 25-08-2011 | 22:02
كان الموسم الفني في مسارح روض الفرج يبدأ في شهر أبريل وينتهي في شهر سبتمبر من كل عام، غير أن فرقة فوزي وماري منيب الوحيدة التي استمر عملها طوال العام، فأنهت فرق: فوزي الجزايرلي، ويوسف عز الدين، وعبد اللطيف جمجوم، وبشارة واكيم، وعبد العزيز خليل، وزكي سعد، وحسن فايق وغيرها من الفرق عملها في سبتمبر، بينما استمرت عروض فوزي وماري منيب.

ظلّ فوزي وماري يعملان في مسرح «ليلاس» بروض الفرج، حتى 1929، العام الذي شهد موسمه الصيفي شهرة ما بعدها شهرة سواء للفرقة أو لهما تحديداً، كذلك شهد كماً كبيراً من العروض لم يسبق له مثيل في مسارح روض الفرج، بل وربما في حياة فوزي وماري منيب. ففي هذا العام، أبدعا في عروضهما المسرحية، كذلك أبدع فوزي في الكتابة المسرحية، وتحديداً في الاقتباس وتحريف المسرحيات، خصوصاً مسرحيات أمين صدقي، التي كان يحفظها عن ظهر قلب لطول عمله في فرقته.

مع بداية الموسم الصيفي، في شهر أبريل من عام 1929 عرضت فرقة فوزي وماري منيب مسرحيات عدة الى درجة أنها كانت تغيّر المسرحية أسبوعياً مثل السينما، فعرضت: «سر الليل»، «السر في السبت»، «كنز القبطان» التي حوّلها فوزي إلى «جزيرة المتوحشين» ثم قدّم مسرحية من تأليفه بعنوان «عريس الغفلة» أدت فيها ماري دور الفتاة التي ترفضه زوجاً لها، بعدها قدّم مسرحيتَي «عثمان حيخش دنيا»، و{اللي فيهم» لأمين صدقي التي أدخل فوزي بعض التغييرات إليها وأطلق عليها اسم «الكرسي الكهربائي».

في يونيو 1929، عرضت الفرقة مسرحيات جديدة أخرى مقتبسة وقام فوزي بإعداد جديد لها، من بينها: «الأميرة قمر الزمان» التي سبق وعرضتها فرقة منيرة المهدية في عام 1925 باسم «قمرالزمان»، «مملكة العجائب» لأمين صدقي التي عرضتها الفرقة باسم «بلاد السند والهند»، واختتمت الفرقة هذا الشهر بمسرحية «لوكاندة الحظ» من اقتباس فوزي منيب أيضاً.

خلال ذلك الشهر أجرى فوزي تغييراً على أحداث مسرحية «مملكة الباباظ» لأمين صدقي وعرضتها فرقته باسم «دولة الحظ»، وبالأسلوب نفسه تعامل مع مسرحية «عصفور في القفص» لمحمد تيمور، وعرضتها الفرقة باسم «القرش الأبيض»، ثم أنهت الشهر بمسرحية «كوهين وكيلي»، فشهدت الفرقة نجاحاً لم يكن له مثيل آنذاك:

* أنا مش مصدق نفسي... حاسس أن الدنيا فاتحة لي دراعتها.

= طعم النجاح حلو قوي... واحنا الحمد لله... امسك الخشب، المسرح كل يوم كومبليه.

* أيوه... وده اللي مخوفني.

= مخوفك!! ليه كفا الله الشر.

* الدنيا علمتني إن مفيش حاجة بتدوم... يعني لو فيه فشل... اعرفي إن أكيد هييجي بعده نجاح.. ولو فيه نجاح مستمر... لازم يقف والدنيا تعطلك شويه... وأنا بقى خايف... لأ... قولي مرعوب من اليوم ده.

= متقولش كده... إن شاء الله هتفضل من نجاح لنجاح... وعمرك ما هتنضام يا فوزي يا ابن... صحيح... هي أمك اسمها إيه... تتصور أنا لحد دلوقت معرفش اسم أمك!!

انفجر الإثنان من الضحك بعدما لاحظا أن فؤاد وبديع يقفان خلفهما يسمعان كل ما يقولانه.

في نهاية الموسم، أي في شهر أغسطس وأوائل سبتمبر 1929 عرضت الفرقة مسرحيات قليلة، تتناسب مع نهاية الموسم وهي: «وراه ليتجوز» و{أما لبخة» و{بريه من حماتي»، وكلّها من تأليف فوزي منيب واقتباسه، ما جعله يقرّر السفر إلى الشام في نهاية الموسم الصيفي. وهناك، أقامت الفرقة عروضاً متميّزة عدة أكدت بها أن

الـ 1929، هو عام فوزي وماري منيب، فقد تحدّثت عن عروضهما معظم الصحف السورية وأشادت بهذين الفنانين الرائعين.

بداية الأفول

مع مطلع العقد الثالث من القرن العشرين، وبمجرد عودة الفرقة إلى القاهرة، بدأ اسم فوزي منيب يخفت تدريجاً في الأوساط المسرحية، وتحديداً في مسارح روض الفرج، وحدث ما كان يخشاه، إذ بدأ الإقبال الجماهيري يقلّ، وقد استشعر فوزي هذا الخطر لأسباب عدة، ربما أولها وأهمّها أنه لم يعد لديه الجديد ليقدّمه، فقد كان يسير على نهج علي الكسار، وفي الوقت الذي انتبه فيه الريحاني إلى هذه النقطة الهامة راح يجدّد من نفسه ويتمرّد على شخصية كشكش بك، واستمر الكسار على الأسلوب نفسه في تقديم شخصية «عثمان عبد الباسط بربري مصر الوحيد» ومن خلفه كان فوزي منيب، على رغم الإضافات التي كان يزيدها على شخصية البربري ليجعل منه «بربرياً عصرياً».

* صدقت كلامي... أهو جه اليوم اللي كنت خايف منه... وطول عمري عامل حسابه... تتصوري أن إيراد الفرقة ما بيزدش عن اتنين تلاتة جنيه في اليوم.. بعد ما كنا بنعمل تلاتين وأربعين جنيه؟!

= إي والله صدقت... دي حاجة تمخول المخ... مع أن نفس الرواية قدمناها قبل كده وكسرت الدنيا... تبقى المشكلة فين بس؟

* المشكلة مش في الرواية ولا في الفرقة... المشكلة في أحوال البلد والدنيا اللي ولعت مرة واحدة والأسعار اللي بقت نار...

= بس اللي هيجنني إن مرسح نجيب الريحاني كل يوم كومبليه...

* دي أرزاق بتاعة ربنا يا ماري.

= ونعم بالله... بس الحكاية مش برضه لها أصل... أنا سامعه إن الريحاني غير جلده خالص زي ما بيقولوا... بيعمل روايات جديدة وشخصيات جديدة.

* انت بتصدقي الكلام اللي بيكتبوه الجرنالجية اللي بيعزمهم الريحاني كل يوم والتاني...

= إذا كان ع العزايم بسيطة... ما نعزمهم احنا كمان... بس انا متأكدة أن الريحاني غير نفسه وبقى بيقدم للناس اللي هي عاوزاه... وقال على رأي المثل: الجمهور عاوز كده.

* جمهور إيه اللي عاوز كده؟ اسكتي انت لسه صغيرة وبدري عليكي علشان تفهمي السوق وإيه اللي الجمهور عاوزه وإيه اللي مش عاوزه.

هذا الرد العصبي من فوزي منيب لماري أحدث شرخاً بينهما، خصوصاً بعد اتهامه لها بأنها لا تزال ممثلة صغيرة، على رغم هذه النجاحات كلّها حتى باتت عمود الفرقة الفقري، غير قادرة على فهم ما حولها من شؤون الإنتاج المسرحي وأمور إدارة الفرق، والجديد الذي يمكن أن يستعين به الممثل ليغيّر من نفسه وفق متطلبات كل مرحلة. ومع أن ما قالته ماري منيب هو عين الصواب، عن أهمية تغيير الفنان جلده الفني في مرحلة ما عندما يستشعر أهمية ذلك، إلا أنه لم يكن السبب الوحيد في تدهور أحوال الفرقة وانصراف الجمهور عنها، بل كان ثمة سبب آخر مهمّ وهو الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم عموماً، ومصر خصوصاً، ما أثّر على الاقتصاد بصورة كبيرة، فلم يعد الجمهور يتهافت على المسرح كما كان سابقاً، الأمر الذي انعكس على الفرق المسرحية الكبرى والصغرى على حد سواء، باستثناء عدد قليل من الفرق، ربما تصدّرتها فرقة نجيب الريحاني الذي تصرّف بذكاء الذكاء فطوّر من نفسه والكوميديا التي كان يقدّمها، فقد حاول أن يعكس أحوال البلد الاقتصادية من خلال مسرحه، فقدّم الموظّف المطحون والرجل البسيط الفقير الذي تعانده الأقدار، والعاطل الذي يبحث عن فرصة للعمل والحياة، والفقير الذي تهبط عليه ثروة من السماء، فيدغدغ مشاعر الفقراء.

هذا بخلاف الفرق الأخرى، مثل فرقة رمسيس، التي كانت تقدّم التراجيديات وتعتمد على المآسي، فقرّر يوسف وهبي السفر بالفرقة إلى البرازيل أملاً في إنهاء أزمتها المالية، إلا أنها نالت فشلاً ذريعاً. أما فرقة «أولاد عكاشة» فقد تفكّكت وتفرّقت وسط مشاحنات أولاد عكاشة في ما بينهم في المحاكم، كذلك الحال بالنسبة الى فرقة منيرة المهدية التي انحلت بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، وسوء الأحوال الصحية للسلطانة منيرة بعد ظهور مطربة جديدة تُدعى الآنسة أم كلثوم، قدّمت الطرب الأصيل وفي الوقت نفسه كان مواكباً للمرحلة، فسحبت البساط ليس من تحت أقدام منيرة المهدية فحسب، بل من تحت غالبية المطربات، أما «فرقة مصر» بقيادة عمر وصفي فسافرت إلى الأقطار العربية أملاً في إحراز بعض النجاح.

أزمة مسرحيّة

أمام هذا الكساد المسرحي، اضطر كثر من أصحاب المسارح والفرق المسرحية إلى مجاراة السوق، وتحويل مسارحهم إلى دور لعرض «السينماتوغراف» التي تعرض الأفلام السينمائية، الصامتة، وسرعان ما تحوّلت إلى ناطقة بعد إدخال هذه التكنولوجيا الجديدة إلى الفيلم المصري، ما زاد على أزمات المسرح أزمةً جديدة. فتحوّل مسرح إسكندر فرح بشارع عبد العزيز بمنطقة العتبة، إلى سينما أوليمبيا، ومسرح كازينو دي باري أصبح سينما ريتس، ومسرح برنتانيا أصبح سينما كايرو، كذلك أُزيل مسرحا الكورسال وسميراميس، وأعيد بناؤهما على أنهما دارا عرض سينمائي باسم «بيجال» و{ليدو{.

لم يكن فوزي منيب، بعيداً عن هذه الأزمة، التي طاولت فرقته بشكل كبير، فبعدما كانت تنتهي من نجاحاتها في مصر خلال الموسم الصيفي، تسافر إلى الشام لتقديم موسم شتوي، تعثّرت ولم تستطع الفرقة السفر، غير أن الأزمة جعلت فوزي يستبدل السفر الى الأقطار العربية بالذهاب الى الإسكندرية.

انتقلت الفرقة في نهاية يناير 1930 إلى الإسكندرية لتقدّم بعض عروضها خلال شهر رمضان ذلك العام، فاستطاعت الصمود والبقاء، حتى جاء موسم الصيف المرتقب للعودة إلى مسرح «ليلاس» بروض الفرج. غير أن الأزمة كانت مسيطرة على مصيف روض الفرج بشكل واضح، إلا أن الفرقة استطاعت أن تجمع من وجودها في الإسكندرية مصاريف رحلتها إلى الشام، فسافر فوزي وماري بفرقتهما وعرضا بعض مسرحيات أمين صدقي، وإن كانت الأزمة الاقتصادية العالمية قد سبقتهم إلى هناك ووقفت حائلاً أمام نجاحهم المُعتاد في كل عام.

الطلاق

بعد العودة مع مطلع عام 1931، بدأ العدّ التنازلي لفرقة فوزي منيب، فبعدما كان يُغيّر ويُحرّف المسرحيات المعروضة في مسارح شارع عماد الدين، وأمام الأزمة الاقتصادية وقف أمامه أصحاب هذه المسرحيات. ووصل الأمر إلى حد الاتفاق المكتوب ودفع الأموال مقابل التصريح بتمثيلها، حتى أن فوزي منيب وقّع مع نجيب الريحاني في مارس 1931، اتفاقاً ينص على تصريح الثاني للأول بتمثيل مسرحياته مقابل تسعة جنيهات شهرياً، وقد تم تسجيل هذا الاتفاق بمحكمة مصر المختلطة.

بدأت فرقة فوزي وماري منيب تقديم الروايات المقتبسة من الريحاني، على مسرح «ليلاس» بروض الفرج، وعندما رأى فوزي أن حالة الكساد لا تزال مستمرة، قرر الاستعانة بمطربة يمكن أن تحدث حالة من الانتعاش في الفرقة، لتقديم فاصل غنائي بين فصلَي المسرحية، واستطاع العثور على مطربة تدعى نرجس شوقي، من أصول شامية تغنّي بأكثر من لهجة عربية: المصرية والشامية والعراقية، وقد لاقت اللهجة الأخيرة استحساناً كبيراً لدى الجمهور كونه لم يسمع بها سابقاً، فغنّت على لحن الهجع «مومني كل الصوج من هلي والله»، و{سلم عليه»، و{هاي خدود لولاله» و{منو يدري» وأغنيات كثيرة غيرها، ولعلّ أكثر أغنية نالت شهرة واسعة تلك التي يقول مطلعها: «شو أدعي عليك ياللي حركت قلبي... ياحلو قوللي شو بدلك قوللي».

لم تحرّك كلمات الأغنية قلب نرجس شوقي، بقدر ما حرّكت مشاعر فوزي منيب وقلبه، فوقع في حبها وتعلق بها، وبادلته نرجس مشاعره، فبات واضحاً أمام كل أعضاء الفرقة الحب الذي وُلد في كواليس مسرح «ليلاس» بين فوزي ونرجس، حتى كانت ماري منيب آخر من يعلم، وقد صدمت صدمة فاجعة، فوزي منيب الذي تحدّت به إرادة والدتها ورأي شقيقتها وتزوّجته رغما عنهما، ها هو الآن يخونها ويرتبط عاطفياً بمطربة مغمورة، بل ويمنحها فرصة أكبر منها، لتكون بطلة الفرقة الأولى:

* هي حصلت يا فوزي؟

= هي إيه دي اللي حصلت... مش فاهم تقصدي إيه؟

* انت فاهم كويس... فاهم إني أقصد الست اللي جبتها من الشارع علشان مش بس تديها مكاني في الفرقة... لا دي المصيبة أنك أديتها مكاني في قلبك.

= قلب إيه وفرقة إيه... أنا مش فاهم انت تقصدي إيه وبتتكلمي عن إيه؟

* انت فاهم كويس أنا بتكلم عن مين.. أقصد الست نرجس شوقي... والهيام والغرام اللي داير بينكم... والمغفلة اللي هي أنا نايمة على وداني... وأقول يا بت متصدقيش كلام الناس... ده فوزي بيحاول يوقف الفرقة على رجليها من تاني... وينشل الفرقة من الغرق... أتاري الأستاذ فوزي هو اللي غرقان لشوشته في الغرام من بطلة الفرقة الجديدة اللي جت علشان تاخد مكاني في كل حاجة.

= خلاص... خلصتي... أنا معنديش رد على الكلام الفارغ ده... انت باين عليكي أعصابك تعبانه.

* أيوه... اتجننت.

= انا مقلتش كده... انت أعصابك تعبانة وانا كمان... علشان كده بقول ناخد إجازة من بعض شوية... أنا هسافر مع الفرقة الأسبوع الجاي للشام... ودي تكون فرصة نريح فيها أعصابنا شوية.

* آه قول كده بقى... إنت موضب كل حاجة هتسافر أنت والست المغنواتية بتاعتك ع الشام ويمكن تعملوا شهر عسل هناك والمغفلة اللي هي أنا تتحرق هنا... مفيش سفر يا إما رجلي قبل رجلك.

= انا متعودتش أخد أوامر من حد... هسافر يعني هسافر.

* يبقى تطلقني قبل ما تسافر.

= إيه؟ إنت بتقوللي إيه؟ أطلقك... إزاي؟

هكذا، في عام 1931 انفصل فوزي منيب عن زوجته وبطلة فرقته الأولى ماري منيب، بعد زواج دام 13 عاماً، بعدها حاول بعض المقربين وعدد من أفراد الفرقة الصلح بينهما، إلا أن فوزي كان تزوّج من نرجس شوقي فعلاً. علم بأمر طلاق فوزي وماري أحد فتوات الإسكندرية، وقد كان معجباً بهما وبفنهما معاً، فحضر خصيصاً إلى القاهرة لإعادة الحياة بينهما. رضخت ماري لضغوط هذا الرجل، غير أنها اشترطت أن يطلّق فوزي نرجس ويفصلها من الفرقة أولاً قبل العودة إليه، فتردّد فوزي أمام طلب ماري، وطلب مهلة لتدبّر أمره، ولم تمر سوى أيام قليلة حتى كان فوزي قد سافر مع نرجس وبقية أعضاء الفرقة إلى لبنان.

السينما العالمية

استطاعت ماري تجاوز هذه الصدمة، وما إن شاع خبر الطلاق في الوسط الفني، وانفصال ماري كممثلة عن فرقة فوزي منيب، حتى تهافتت عليها الفرق الأخرى، فطلبها يوسف وهبي للعمل معه في فرقة «رمسيس»، فتردّدت، غير أن والدتها قاسمة أقنعتها بضرورة نسيان الماضي ونسيان هذا الرجل الذي كان قلبها يحدّثها منذ رأته أنه لن يكون الزوج المخلص الذي يمكن التضحية من أجله.

وجدت ماري في عرض يوسف وهبي نوعاً من إعادة الثقة في نفسها كفنانة، بعد أن فقدتها بما فعله فوزي منيب معها، وتفضيله نرجس شوقي عليها في المسرح، وفي حياته، فوافقت على العمل في فرقة «رمسيس»، وكانت أول مسرحية لها معها بعنوان «بنات الريف»، غير أنها اضطرت الى ترك الفرقة بعد مرور شهر واحد، إذ لم تجد نفسها في ما كان يقدّمه مسرح «رمسيس» من روايات تراجيدية تبعث على الحزن والبكاء، وهذا ما كان ضد طبيعتها وطبيعة أدوارها على خشبة المسرح منذ بدايتها في مسرح علي الكسار، وانتهاء بفرقة فوزي منيب.

ما إن تركت ماري فرقة «رمسيس» حتى راحت تتنقّل بين الفرق المسرحية، فظلّت بعض الوقت في فرقة «يوسف عز الدين»، ثم التحقت بالعمل في فرقة «عزيز عيد وفاطمة رشدي»، غير أنها وجدتها أيضاً أقرب إلى روايات فرقة «رمسيس» التراجيدية، فتركتها وسافرت إلى الإسكندرية مع والدتها قاسمة وطفليها فؤاد وبديع طلباً للراحة والاستجمام.

هناك، كانت تتردّد من حين الى آخر على مكاتب متعهّدي الفنانين والفرق المسرحية، حتى قادتها الصدفة إلى فرصة لم تخطر على بالها، ففيما كانت تدخل من باب أحد هؤلاء المتعهّدين الذين تتردّد عليهم أحياناً حتى فاجأها:

* بنت حلال... كنت لسه بفكّر فيكي.

= خير يا سي مرتضى ياوش الخير؟

* إيه رأيك يا ست ماري تشتغلي في السينما توغراف.

* السينماتوغراف حته واحده؟!

= أيوه الأفلام اللي بيمثلوها ممثلين كده زيك وزي غيرك... وبيصورهم بماكينة كبيرة تيجي قد الأوضة دي كلها... وبعدين ييجوا يعرضوها على الناس على شاشة بيضا كبيرة.

* يا خويا إنت التاني... ما أنا عارفة كل ده... أنا قصدي هتعملوا الفيلم فين... هنا عندك، ولا في المسرح.

= عندي إيه وفي المسرح إيه... ده مش فيلم مصري... انت مش شايفه الخواجة اللي قاعد ده... هتسافري معاه بلده أطاليا انت ومجموعة كبيرة من الفنانين هياخدهم من هنا تشتغلوا هناك.

* حلوة الحكاية دي... جت في وقتها أطاليا دي؟

هذه المرة كانت ماري هي التي تصرّ على السفر لتقديم فنّ جديد، غير أن والدتها عارضت بشدّة سفرها وإقدامها على هذه الخطوة، لكن ماري وجدتها فرصة قد تساعدها على نسيان فوزي منيب الذي كان حبّه لا يزال يشتعل في قلبها.

سافرت ماري إلى إيطاليا وشاركت في دوبلاج فيلم إيطالي الى العربية، غير أنها عندما عادت فهمت السرّ وراء إصرار والدتها الغريب على عدم سفرها، فقد رجعت لتكتشف أنها فارقت الحياة.

البقية في الحلقة المقبلة

back to top