السينما بين المتفوق والركيك

نشر في 06-01-2012
آخر تحديث 06-01-2012 | 00:01
 محمد بدر الدين في بلاد الدنيا كافة، حتى التي تملك صناعة سينمائية كبيرة وعريقة، تكون نسبة الأفلام الجيدة أقل من الضعيفة أو الركيكة، ونسبة الأفلام الممتازة أو المتميزة أو المتفوقة أقل من الجيدة...

على رغم الهجوم الدائم على السينما المصرية، في ما تستحق الهجوم عليه وأحياناً في ما لا تستحق، إلا أن هذه السينما حافظت عادة على نسبة معقولة من الأعمال الجيدة إلى جانب الأعمال الضعيفة، في حصاد كل موسم من مواسمها، سواء اقترب ذلك الحصاد من الثمانين فيلماً أو أكثر، كما في موسم عام 1986 مثلاً، أم من العشرين فقط كما في الموسم الأخير (عام 2011). إذا أخذنا هذين الموسمين، كحالتين للبحث والتأمل، نجد أنه في أفضل المواسم، كما في 1986، ما يقرب من عشرة أفلام مميزة، ومثلها تستحق المشاهدة.

من الأعمال المميزة أفلام المخرجين صلاح أبو سيف (البداية)، ويوسف شاهين (اليوم السادس)، وعلي بدرخان (الجوع)، وعاطف الطيب (البريء). أما في العام الأخير، والذي يلقى هجوماً قاسياً، غير مبرر، فنجد ما لا يقل عن ربع هذا العدد، إن لم يكن أكثر، بين أفلام مميزة أو جيدة أو تستحق المشاهدة.

هكذا فإن السينما المصرية، تستطيع في الظروف كافة، الحفاظ على تلك النسبة المعهودة. فقد رأينا في الموسم الأخير، الفيلم التسجيلي الطويل «التحرير 2011 ـ الطيب والشرس والسياسي» إخراج عمرو سلامة وآيتن أمين وتامر عزت، وهو أحد الأفلام المتميزة ويعتبر أول فيلم تسجيلي يعرض للجمهور في قاعات العرض العادية (هذا تطور مهم في ذاته وأحد أحداث العام السينمائية بل الثقافية). كذلك رأينا إلى جانبه أفلاماً بين المتميز والجيد، مثل «المسافر» الفيلم الأول لمخرجه وكاتبه أحمد ماهر، والفيلم الثاني لكل من إبراهيم البطوط «حاوي»، وعمرو سلامة «أسماء»، وأحمد عبد الله السيد «ميكروفون»، إلى جانب «كف القمر» للمخرج المعروف خالد يوسف.

حتى في إطار السينما الكوميدية الجماهيرية، قدم نجماها اللامعان في هذه المرحلة، أحمد حلمي «إكس لارج»، وأحمد مكي «سيما علي بابا»، وقد حالف التوفيق الأول على نحو أوضح، خصوصاً بسيناريو محكم لأيمن بهجت قمر، وإخراج يرتكز على خبرة طويلة وموهبة كبيرة لشريف عرفة، إلى جانب قدرات بطله حلمي وطموحه، ودقة وجاذبية أدائه لنموذج البدين الطيب الذي يبحث عن الحب، وهو نموذج جميل لن ينساه مشاهده، خصوصاً مع تميز الماكياج، إضافة إلى توفيق العناصر الأخرى.

إذا كان فيلم «الفاجومي» لمخرجه وكاتبه عصام الشماع عن مذكرات الشاعر الكبير الشجاع أحمد فؤاد نجم، لم يصل إلى مستوى السينما المتميزة أو الممتازة، إلا أنه أحد الأفلام التي تستحق المشاهدة، وقد وقع في أخطاء كان يمكن تلافي بعضها بالتريث والتدقيق، مثل تقديم جانب من علاقات الشاعر الحسية بغلظة لم يستسغها الجمهور، وإن لم يكن مطلوباً نقيض ذلك بطبيعة الحال. بمعنى أن يقدم بطله ملاكاً أو خالياً من العيوب، ومثل عدم العناية الكافية في تقديم شخصية رفيق الشاعر، الأسطورة بدوره، الملحن الشيخ إمام عيسى، ومثل عدم تقديم مبررات كافية لقبول الجارة الطيبة في الحي الشعبي للشاعر والملحن، بعلاقة كاملة مع الشاعر من دون حتى أن تفكر أو يخطر لها الحديث عن الزواج. لا نقول ذلك من منطلق أخلاقي يحكم على الشخصيات، وإنما من منطلق الشخصية ذاتها، درامياً، «كبنت بلد» بهذه الطيبة والشهامة وفي حي شعبي من هذا النوع.

على رغم هذا القصور أو ذاك، فقد بذل الممثلون قصارى جهدهم، وبينهم خالد الصاوي في دور الشاعر، وصلاح عبد الله في دور الملحن، وجيهان فاضل في دور الجارة، إضافة إلى كندة علوش في دور زوجة الشاعر الناقدة الصحافية المعروفة صافي نازكاظم، وفرح يوسف في  دور الزوجة الثانية المطربة الثورية المعروفة أيضاً عزة بلبع... وإن اختلفت تسميات الأبطال في الفيلم تفادياً لتبعات قد تحدث من ذكر الأسماء الحقيقية!

توقفنا قليلاً أمام الأفلام حتى الأقل أهمية، لكن مما قلنا إنها تستحق المشاهدة وإن لم تكن ممتازة أو متميزة، لنشير إلى أنه حتى هذه الأفلام تستحق المناقشة أيضاً. فما بالنا بالأفلام الأهم! لنؤكد أنه يُذكر للسينما المصرية في الأحوال كافة، حتى في عام نقص الكم، وفي ظروف الارتباك للمرحلة الانتقالية بعد الثورة، أنها سينما استطاعت أن تحافظ على النسبة المعقولة والمعتادة لها، المهمة الجديرة بالتأمل والنقاش.

back to top