أين صباح المرأة والفنانة في مسلسل الشحرورة...؟

نشر في 02-09-2011 | 00:01
آخر تحديث 02-09-2011 | 00:01
قررت عائلة الموسيقار أنور منسي رفع دعوى قضائية على صناع مسلسل «الشحرورة» بسبب التشويه الذي لحق بهذه الشخصية الموسيقية الفذة، بالإضافة إلى تصوير عبد الحليم حافظ مجرد مخبر أو ساعي بريد بين مجلس قيادة الثورة وصباح... ليس هذا فحسب، إنما رسمت إشكاليات كثيرة حول المسلسل علامات استفهام، خصوصاً حول شخصية صباح نفسها والنقص الكبير في الإلمام بجوانب حياتها...

ساد اعتقاد بأن إنفاق شركة «صباح إخوان» أكثر من أربعة ملايين دولار سيصنع مسلسلاً حول سيرة الشحرورة صباح لا يقل جودة عن مسلسلي «أم كلثوم» و{أسمهان». إلا أن الحقيقة جاءت مخالفة للتوقعات واختلط الأمر على المخرج أحمد شفيق، وظنّ أنه كما نجح في إخراج السيرة الذاتية لسوزان تميم سينجح في إخراج السيرة الذاتية لصباح.

لا نتكلم عن المصداقية لأنها في مسلسل «أم كلثوم» رفعت الأخيرة إلى مرتبة القديسين وكان الأمر مبالغاً فيه للغاية، لكن لا يعني ذلك أن المسلسل لم يشكِّل علامة فارقة في دراما السير الذاتية، كذلك الحال بالنسبة إلى مسلسل «أسمهان» الذي ألقى الضوء على حقائق وصفات كانت تتحلى بها أسمهان سواء سلباً أم إيجاباً.

في «الشحرورة»، كان يجب أن نتابع بشغف سيرة صباح، صاحبة خمسين عاماً من العطاء المستمرّ وقصة مليئة بالدم والدموع والندم والفرح، لكن في الحقيقة بدت صباح تائهة وسط بحر من التفاصيل غابت عنها نواحٍ مهمة في شخصيتها وأحداث مفصلية في حياتها.

كارول والشحرورة

البعض يرى أن كارول سماحة التي جسدت شخصية صباح كانت مجتهدة في الدور وحاولت قدر المستطاع تقديم شخصية الصبوحة بكل ما استطاعت من موهبة. فليست المشكلة في سماحة إنما في الشحرورة نفسها لأنها ما زالت ملء السمع والبصر بمشيتها وطريقة كلامها، حتى أفلامها بالأسود والأبيض تعرض على الفضائيات المخصصة للأفلام القديمة لغاية اليوم، لذا تختلف كلياً عن شخصية أسمهان التي توفيت منذ أكثر من نصف قرن وأفلامها معدودة وإطلالتها التلفزيونية معدومة، وهذا ما جعل مسلسل «أسمهان» وبطلته سلاف فواخرجي يحققان هذا النجاح الساحق.

أين الحقيقة؟

جسد الممثل رفيق علي أحمد شخصية والد صباح بحرفية وقدرة، لكن عندما كان يؤدي مشاهده باللهجة المصرية، خصوصاً تلك التي جمعته بالراقصة جي جي، وهي في الحقيقة الراقصة هاجر حمدي التي تزوجت في ما بعد الممثل كمال الشناوي، كان يفقد شيئاً من إبداعه لأن أداءه كان يتشتت بين اللهجة المصرية وظهوره كعاشق متيّم بالراقصة اللعوب.

ربما كان في تلك الشخصية كثير من الواقعية والحقيقة، لكن المشكلة كانت في والدة صباح، فعلى رغم أداء جوليا قصار الآسر، إلا أن والدة صباح لم تذهب ضحية الحب الجامح الذي جمع بين خالتها جميلة وغطاس بيك، فقد أعطيت شخصية جميلة حجماً في الحلقات الأولى تبريراً للوصول إلى نقطة قتل جورج، شقيق صباح الوحيد، لوالدته، بعدما رآها على سرير غطاس بيك في محاولة منها لإصلاح ذات البين بين جميلة والبيك، بناء على طلب الأخير.

هذه الحادثة بعيدة كل البعد عن الحقيقة، فصباح تعلم جيداً أن جورج قتل والدته لأسباب مختلفة تماماً وهي أخلاقية بحتة، وربما حفاظاً على سمعة العائلة وجد المؤلف هذا المَخرج مع أنه يدرك تماماً أن المشاهدين لن يصدقوا حرفاً واحداً من هذه القصة الوهمية.

وبعد هذه الحادثة، لم نرَ صباح سوى فنانة توقّع على أفلام وتتفق على بطولات إما مع آسيا داغر أو عزيزة أمير، وتجتمع مع صديقها الحميم اسماعيل ياسين والحبيب أنور وجدي، ولم نرها مثلاً تجلس مع ملحن واحد أو تتعلم النطق الصحيح باللهجة المصرية، فأين دور الملحن الكبير رياض السنباطي في هذا المجال، وهل كانت صباح تتدخل في تعديل الأغنيات أم كانت تؤديها كما هي، وما هي ظروف ولادة بعض الأغنيات؟ كذلك لم نرها على المسرح سوى في مشاهد معدودة من أفلامها، لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وفي أخرى شاهدناها تقف فيها على خشبة المسرح لدقائق معدودة لأداء مقاطع من أغنيات لها، ويوجهها باستمرار موزع أفلامها الاستاذ قيصر والصحافي أسعد فرح.

زواج وطلاق

أما بالنسبة إلى حياتها الخاصة، فبدت صباح امرأة تهرب من حبّ وزواج وطلاق إلى حبّ وزواج وطلاق آخر، لا ترتاح على المستوى النفسي ولم تعتمد يوماً على نفسها إنما على الرجل. كان نجيب الشماس البديل للوالد وأنور منسي لنسيان نجيب الشماس وأحمد فراج للحصول على حضانة هويدا من دون أن تفعّل عامل القلب، الذي ينبض حباً باستمرار، وقصتها مع البنك أو اللقب الذي أطلقته على نفسها «مدام بنك»، أكبر دليل على ذلك ما حدث لها مع نجيب الشماس الذي ساومها على الطلاق بأخذ العمارة التي بنتها مما جنته من الفن، بعد تحررها من وصاية والدها، وكانت تنوي لمّ شمل عائلتها فيه. على رغم ذلك كله نبحث عن صباح فلا نجدها، لا نجد ذلك الحضور الطاغي ولا نجد تلك المرأة والفنانة المغناج، فهي ضائعة بين تفاصيل لا تهم المشاهد ولا ترضي نهمه، لكن لا يعني ذلك أننا لم نتعاطف مع الشحرورة التي كانت تتلقى صفعة تلو أخرى من أزواجها، ومع ذلك كانت تظهر في قمة أناقتها وابتسامتها المتوهجة التي تشع بهجة وحبوراً.

عندما نتكلم عن الأناقة نتكلم عن أناقة صباح وليس عن أناقة «الشحرورة» التي شاهدناها في المسلسل التي بدت، شأنها شأن أي فنانة أخرى، تحقق نجومية وترتدي ملابس فاخرة، وهذا طبيعي... فلم نر ملابس تليق بالصبوحة.

بين صباح وسوزان

بالنسبة إلى المخرج أحمد شفيق، فقد اعتقد أنه كما استطاع تناول سيرة سوزان تميم يستطيع تناول السيرة الذاتية للصبوحة، ولم يكن يعلم أن ثمة فرقاً كبيراً بينهما: الأولى قتلها طموحها غير الفني والثانية عاشت للفن، وهنا يكمن الفرق، فهو يتناول المسلسلين، خصوصاً المشاهد الخارجية، بالطريقة نفسها وهي استعراض لطبيعة لبنان الخلابة، فلم نر سوى بدادون ووادي شحرور وجزء من جبال لبنان وبيوت مقفلة، ومسرح مقفل شبيه بمسارح القرية التي يقدم عليها المطربون المبتدئون أعمالهم الفنية.

صباح الأم

أما صباح الأم التي نعرف مدى تعلقها بولديها، فنحن ندرك أنها كانت متعلقة بابنتها هويدا على رغم العلاقة الشائكة بينهما، وأن بعد ابنها صباح عنها نغّص حياتها، لكن هذا العامل بالذات لم يظهر بطريقة واضحة سوى عبر تلميحات أتت على لسان شقيقتها التي كانت تذكرنا بأن أحد أسباب تعاستها هو بعد صباح عنها، ولم نشعر ولو للحظة بأنها تلك الأم الملتاعة على فراق ابنها البكر.

من جهة أخرى، ثمة من اعترض على ورود إسمه في المسلسل مثل الفنانة القديرة فيروز، وهويدا التي ربما لها الحق في عدم التطرق إلى الجانب غير المضيء في حياتها، لأن المهم هو إلقاء الضوء على العذاب الذي تكبدته الأسطورة لما حصل لابنتها التي غنت لها اجمل الأغاني مثل «حبيبة امها» و{أمورتي الحلوة»... وهنا تكمن الدراما الحقيقية.

نجوم باهتون

في ما يتعلق بالممثلين المصريين، لا يمكن أن نتجاهل أن أداءهم كان دون المستوى المطلوب، على سبيل المثال لا الحصر، بهاء ثروت الذي برع في مسلسل «اسمهان» في تجسيد شخصية الصحافي محمد التابعي بدا تمثيله هزيلاً الى أبعد الحدود في تجسيد دور «الدون جوان» رشدي أباظة. وحتى الممثل ايهاب فهمي، الذي برع في تجسيد شخصية بليغ حمدي في مسلسل «العندليب» لم يكن موفقاً في تجسيد شخصية فريد الاطرش.

back to top